الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-5- الابرص

طوني سماحة

2017 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكاثر البرص على جسمه كما يتكاثر العشب على الأرض. جعلته القروح أكثر شبها بمسخ آت من الخيال. يعيش وحيدا في البراري والجبال. يشتاق لمن يضمه، لمن يعانقه، لمن يلمسه، لمن يصافحه، لكن الكل يخشاه وكأنه الموت ذاته. يهرب منه الكبار والصغار. يعيش وحيدا، وحيدا، وحيدا لا جليس له سوى المرض الذي يأكل جزأ صغيرا من جسمه كل يوم. يعيش وحيدا مع القروح التي تمزق جلده رويدا رويدا. سائل لزج يتفتق من قروحه ويغطي أجزا جسده ولا حول له ولا قوة. يمشي على الارض حافيا فلا يشعر بالشوك يجتاز رجليه اللتين صارتا كتلة من اللحم لا حياة فيهما. يشعل النار ليدفأ، تحترق أصابعه فلا يشعر بالألم لأن الحياة فارقت يديه. تتساقط أصابعه الواحد تلو الأخر، يراها تقع ولا يستطيع عمل شيء. لم يبق له من صديق سوى الموت، لكن حتى الموت لا يريد أن يرحمه ويريحه من الهلاك البطيء.

سمع أن يسوع آت من الجبل ركض إليه، خر عند رجليه، بصوت يتهدج قال له "يا سيّد، إن أردت تقدر أن تطهرني". ارتد الجميع الى الخلف. لا أحد يريد أن يقترب من الأبرص. لا أحد يريد أن يلمسه بطريقة الخطأ. نظر إليه يسوع ونظر الجمع الى يسوع. منذ دقائق قليلة، كان يعلّم على الجبل الرحمة. أتراه يشفيه؟ أتراه يلمسه كما لمس عين الأعمى؟ أتراه يمد يده إليه وينهضه؟ أيسري البرص في جسم يسوع؟ رعشة سرت في الجموع. كثيرون كانوا ينوون التخلي عن يسوع فيما لو هو لمس الأبرص خوفا على حياتهم. نظر يسوع الى الابرص الذي كان وجهه على الأرض. مرت الدقائق وكأنها ساعات.

رفع الابرص وجهه، ظن أن يسوع يتحاشاه، قال له " لا تلمسني يا سيد، فقط أبرني. فأنا مسخ يموت رويدا رويدا. لو كان للموت أن يتجسد، لاختارني جسدا له. لا تلمسني، فحتى أبي وأمي يخشيان مني. لكن إن أردت تقدر أن تبرأني، وإلا فأنا أبقى الحي الميت، أحيا ميتا وأموت حيا".

مد يسوع يده ووضعها على كتفه. ارتجفت الجموع. ارتد الكل خطوة الى الوراء. رفعه يسوع ونظر في عينيه. قال له " الكل يحيا ليموت وانت ولدت ميتا لتحيا. ان كان الموت نهاية الرحلة، إلا أن الحياة تولد من رحم الموت لتنتصر عليه. وطوبى لمن يموت ويقوم. ملكوت السماوات هو ملكوت الأحياء العائدين من رحلة الموت. هو رحلة الذين حاصرهم الموت بين ذراعيه فكسروه وهزموه. انهض يا بني، أنت لن يكون للموت بعد اليوم سلطان عليك، يضربك فتسحقه، يهاجمك فتدوسه." عانقه يسوع وقال له "أريد فاطهر". وللحال برأ الرجل. قال له يسوع "امض وأر نفسك للكاهن وقدم القربان شهادة".
مضى الأبرص. بقيت الجموع صامتة لا يفهمون ما الذي حصل. نظر إليهم يسوع، قال لهم "أنتم تخشون برص هذا الرجل، وهذا حق، لكن ثمة من فيكم هم أكثر برصا من هذا الرجل. هو أبرص الجسد وهناك بينكم من هم برص القلوب والفكر والنوايا. الحق أقول لكم، هو يحيا وأنتم تموتون برصا، ما لم يلمسكم ابن الانسان أنتم أيضا."

ذعر البعض، أصيب رجال الدين بالذهول. قال له الفريسيون "أو نحن برص أيضا. نحن أبناء ابراهيم. أنت تهيننا. تجعلنا متساويين مع هذا النجس". قال لهم يسوع "كل من ولد من رحم الموت هو ابن المرض والألم وللموت يعود. أما من أخذ الحياة التي يعطيها ابن الانسان لا يغلبه الموت حتى لو كان أبرص الجلد. الحق أقول لكم: ملكوت السماوات هو ملكوت الزناة والقتلة والبرص الذي كانوا أمواتا وعاشوا، فيما ملكوت الموت هو ملكوت الذين كانوا أحياء يظنون أنفسهم أبرارا وماتوا. لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة الى التوبة."

غضب رجال الدين وبعض الشعب. رحلوا. نظر يسوع الى الذين بقوا وراءه وقال "الحق الحق أقول لكم: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي