الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الإسلامية والتكنولوجيا

سعادة أبو عراق

2017 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- الدولة الإسلامية والتكنولوجيا
كل الذين يتكلمون عن الدولة الإسلامية يركزون مبتغاهم في دولة لا ظلم فيها ولا استبداد، بل مساواة مطلقة بين كافة الناس، يؤخذ بالمسيء ويشد على يد المحسن، إنها أمنيات شعوبنا الذي ابتليت بأنظمة حكم أسوا من حكم الاستعمار بل أسوأ من تصوراتهم المبالغ بها في الظلم، إذن إنهم كبشر يطلبون مطالب إنسانية مشروعة كي تسير الحياة كما اختطها الله لبني البشر.
إنها مطالب طبيعية لا غبار عليها كما هي مطالب الغذاء والدواء، حينما تدفعنا الحاجة الملحة في يوم حافل بالعمل لمائدة فاخرة تُشبِع البطون، نتخيلها فخمة ونبدأ بالإعداد لها فنحصي عددنا وما معنا من فلوس، وما يمكن أن نحصل عليه من أوليات الغذاء المتوافرة، كما نتدبر أمر الطهو وأوعية الأكل والماء والملح وغيرها، نحن نفكر بكل هذا التفكر حينما نكون إزاء مائدة نأكلها، فما بالك ونحن أمام مشروع دولة؟
أنا موقن أن جميع المؤملين بدولة إسلامية يحلمون بنظام يفيض عليهم بركة وثراء وأمنا وقوة، لكنهم لا يفكرون في الطريق إلى هذه الدولة التي لم يخلق مثلها في البلاد، كما لو أنهم يفكرون فيما سيأكلونه على العشاء ،إنهم يرجعون إلى حالة الطفولة التي ترى كل مطلب لهم سهل الحصول عليه، وأن آباءهم قادرون بلا شك على تلبية ذلك، ويمضون بتصور دولة لا تكون أكثر من بلدة صغيرة، أهلها مزارعون أو تجار أو حرفيون، يدفعون الزكاة لتسد أود الضعفاء والمحتاجين، الحاكم قريب منهم يتفقد نومهم ليلا، يعرف الصواب من الخطأ بشكل بارع، فيردع المخطئ ويثيب المحسن ، ينفذ شرع الله في الزواج والطلاق والإرث والحدود فيقطع الأيادي ويجلد ويرجم ويعزر ويقطع الرؤوس، يعمل وفق برنامج مسبق كأنه روبوت، إنها مهمة وما أسهلها من مهمة، يستطيع أن يقوم بها أي شخص، وعلينا أن ننتخب الأكثر تقوى، أما طالب الأمارة فإنه لا يؤمر، وليس من مهماته التنمية والصحة والتعليم وإيجاد فرص العمل، بل هو متكفل بإقامة الدين وتوزيع الزكاة ومحاربة الكفار ونشر الإسلام.
إنها الكوميديا السوداء المرة، التي يمارسها أصحاب العصاب النفسي حينما يخرجون من واقعهم التعيس الذي سقطوا به، ليعيشوا واقعا يتمنونه، فيتصرفون بالشخصية التي يتمنونها، كأن يتقمصوا شخصية أصحاب شركات أو مايسترو في اوركسترا أو مفكرين عظماء أو أميرالات بوارج حربية، وغيرها مما شاءت لهم الأحلام, إنك حينما تراه سائرا في الشارع تعلم حالا انه مصاب، وانك ترثي لحاله أيما رثاء، وتعوذ بالله أن يبتليك بمثل هذا الداء، وإن كان لمثل هؤلاء المرضى أطباء وعيادات تعالجهم، وأهلون يرعونهم ويصبرون على وعد الله، فأين لنا بالمصحات التي تتسع لمثل هذا الكم من مصابي الفصام أو الشوزفرينيا، الذين يعيشون في زمنين ومكانين بينهما ألف عام وأكثر ؟
وليعلم الذين يعتقدون أني أستهزئ بهذا الواقع أن يعلم أن المرارة تعتصرني حتى الموت, وأنا أرى هذا الوهم مسيطر على أكثر من نصف المجتمع، وانه مضيعة للوقت الثمين وتبديد لطاقة الفكر, في انتظار هذه الدولة التي ستأتي على طبق.
ولكي أكون واضحا وعقلانيا أقول لمن يهمهم أمر بناء دولة أسلامية ما يلي:
1- الدولة مرتبطة بكينونة خاصة بالمكان والزمان، فدولة بترولية مثل الكويت أو قطر أو السعودية هي دول نفطية يقتضي من حكامها إدارة الدولة بما يأتيها من ريع البترول وهو ما لا يصلح لدولة مثل موريتانيا أو الأردن ولبنان و فلسطين
2 - عامل البترول هذا ، واحد من عدة عوامل توجب اختلاف الحكومات والسياسات عن بعضها، أي لا تساق كل المجتمعات بعصا واحدة، فكيف تعامل المساحة والموقع الجغرافي ومستوى التعليم عند السكان، والبيئة الصحراوية أو الجبلية، ويأتي الدين أحدى هذه العوامل، وليس هو العامل الأول والوحيد.
3- الدولة لا يصنعها فكر أو دين أو عقيدة إنما الواقع والظروف المحيطة، ولكن يصنعها شخص يعي هذه الظروف ويعرف كيف يستفيد منها، ولو كانت إقامة الدول وهدمها مرهونة بإرادة أفراد لأصبح العالم شوربة.
4 - الدين الإسلامي بما هو ديانة لم يكن يوما هو العامل الأساس لقيام دولة عربية إسلامية ، إنما هو التصور الذي جاء به للحياة والكون والإنسان، وملأ به روع العرب من شتى قبائلهم وأعراقهم، فأعطاهم نفس الرؤية للحياة والمستقبل، ونفس السلوك ونفس التفكير، وهكذا توحدت رؤيتهم وتوحدت جهودهم ومسيرتهم للمستقبل، لذلك لم يقم بينهم خلافات واسعة أدت إلى انشقاقات وتفسخات، الخلافة العظيمة التي امتدت متماسكة قرابة قرنين من الزمان .
5 - وحينما ابتدأت الرؤى المختلفة تتعمق و تتسع بفروق عميقة، مثل السنة والشيعة والخوارج والرافضة وغيرهم ، وانشقاقات داخلية في هذه الفرق أصبحت الدولة الإسلامية تتشظى وتتفتت ، بينما الدين بقي ثابتا،لكنه لم يحفظ وحدة المسلمين .
6- إذن فالدين قديما لم يكن عاملا أساسيا في بناء الدولة، فكيف بهذا العصر الذي ما عاد يهتم بالعقائد بل بالتكنولوجيا، إن علوم التكنولوجيا بفروعها المتشعبة، هي التي تحرك الصناعة والزراعة والتجارة، وبالتالي تبنى قوة الدولة، يكفي صناعة هاتف محمول واحد لأن يجعل من الاقتصاد عظيما، واكتشاف حبة دواء واحدة يدر على الدولة 40 مليارا من الدولارات( كما قال أحمد زويل ) فما بالك بصناعة الأسلحة وصناعة المركبات والسفن والطائرات، وإنتاج القمح والمواد الغذائية؟ ففي حرب أمريكا على العراق قامت أمريكا بتعطيل كل أسلحة العراق الصاروخية والجوية بواسطة شريحة مخبأة سرا بالمعدات الحربية، تستجيب لأمر يصدر من البنتاغون، لتغدوا كل الصواريخ ومعداتها ميتة .
7- وقبل التكنولوجيا يجب أن تصنع تعليما يخدم توجهك، أن تخلق جيلا يصنع فكرا معاصرا وليس حلما يسترخي به، أن يفكر بالمستقبل أكثر مما يفكر بالماضي، يفكر بالدنيا أكثر من تفكيره بالآخرة، يفكر بالحياة أكثر مما يفكر بالموت وعذاب القبر، يفكر بالاستقصاء والبحث والتجريب قبل أن يقول نعم لأي فكرة تقال له، أن تنزع من ذهنه مبدأ اسأل الشيخ، وتعلمه أن يقرأ في كتاب ما يريد أن يسمعه من الشيوخ الهواة .
8 - واعلموا أيضا أن الدولة لا يمكن أن تفرض على الناس دينا أو فكرا أو توجها أو عقيدة، أو تنزعه منهم، وهذه الشواهد أمامنا فلم يستطع الاتحاد السوفيتي أن ينزع العقيدة الإسلامية أو المسيحية من شعوبه, ولم يستطع أن يرسّخ المبدأ الشيوعي في شعوبه أيضا، وهاهي العقيدة اليهودية ما زالت سارية في اليهود منذ ثلاثة آلاف سنة بدون رعاية من أية سلطة أو حكومة يهودية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا