الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة بلاد وادي الرافدين / الحلقة الثانية

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 2 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حضارة بلاد وادي الرافدين / الحلقة الثانية
نبيل عبد الأمير الربيعي

أصول الكتابة :
عرفت الحضارة العراقية الوركاء أو أوروك (السماوة) قبل أية منطقة في العالم أصول التدوين, ذلك قبل أكثر من خمسة آلاف سنة, حيث عثرَ في الطبقة الرابعة من المدينة المذكورة وفي أحد معابدها على أكثر من ألف رقيم طيني تتضمن وثائق اقتصادية بأقدم أنواع الكتابة وبأبسط أشكالها, وهي الكتابة الصورية, وذلك في حدود (3500 ق.م) في العصر المسمى (الشبيه الكتابي), ويشمل هذا الدور النصف الثاني من عصر الوركاء وعصر جمدَّة نصر.
ويظهر أن الحاجة هي التي دفعت بالسومريين إلى استنباط الكتابة, وذلك لتسجيل وضبط واردات المعابد وحساباتها وغير ذلك مما يتعلق بالشؤون الاقتصادية, لأن المعبد كان مركز الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية آنذاك.
وتذكر د. بهيجة خليل إسماعيل مديرة المتحف العراقي / بغداد, في مقال لها (الكتابة) : (كان اختراع الكتابة من أهم مقومات الحضارة العراقية القديمة, وقد ظهرت بوادرها في الألف الثالث ق.م, وكانت في أول أطوارها تتألف من ألفي علامة صورية), ولكثرة العلامات المعقدة وصعوبتها أخذ السومريون يبسطون ويختصرون في أشكالها, وفي مطلع الألف الثاني ق.م أصبح عددها يتراوح بين (550 – 500) علامة مسمارية.
مرَت الكتابة بمراحل عدة منها (المرحلة الصورية) قوامها علامات تمثل الأشياء المراد تدوينها, أي أن كل صورة تمثل كلمة, وتعتبر هذه المرحلة من أقدم المراحل في تاريخ الكتابة. ثم المرحلة (الرمزية) وبواسطتها تم تدوين الأفكار والأشياء المعنوية برسم صورة لها بهيئة مختصرة, كما قاموا بدمج علامتين أو أكثر. ثم المرحلة الثالثة (الصوتية) وتمثل هذه المرحلة آخر مراحل التطور التي توصل إليها النِساخ العراقي في استخدام الخط المسماري, لأنهم لم يصلوا إلى الطور الهجائي, أي استخدام الحروف الهجائية, والمقصود بالمرحلة الصوتية هو إعطاء أصوات للعلامات تتناسب ولغتهم مجردة عن مدلولاتها الصورية والرمزية.
استخدم الخط المسماري لتدوين لغتين هما اللغة السومرية واللغة الأكدية, والأكدية تفرعت إلى لهجتين هما اللهجة البابلية التي بدورها تفرعت إلى لهجات, واللهجة الآشورية التي تفرعت إلى لهجات أيضاً, وتمثل اللغة الأكدية الفرع الشرقي من لغات أقوام الجزيرة العربية, أما الفرع الغربي فيضم الكنعانية والفينيقية والآرامية والعبرية.
يعود الفضل في حل رموز الكتابة العراقية القديمة (الكتابة المسمارية) إلى العلماء الذين تمكنوا من حل هذا اللغز والذين زاروا منطقة الشرق القديم بهدف التعرف على مواطنه الحضارية وآثاره الشاخصة, وكان أولهم الرحالة الإيطالي (بيترو ديلافلي), إذ قام باستنساخ خمسة رموز منها ورجع إلى أوروبا عام 1621م وبعد عودته نشر عن الكتابات التي شاهدها.
وفي عام 1765م قام العالم الألماني (كارستن نيبور) باستنساخ مجموعة من كتابات برسيبوليس الواقعة على بعد 50 كم إلى الشمال من مدينة شيراز, والتي كانت عاصمة للملوك الأخمينيين, ونشرها في العام 1768م, وأثبت بأن هذه الكتابات تضم نصاً واحداً مكتوباً بثلاثة أنواع من الخطوط المسمارية, وإن هذه النصوص الثلاثة تكتب من اليسار إلى اليمين, وإن أحد هذه الأنواع الثلاثة يضم (42) علامة مسمارية واتخذ هذا النوع أساساً لمحاولة حل الخطوط المسمارية.
كما افلح العالم الألماني (ج. ق. كروتفند) أن يكمل العمل الذي قام به (مونتر) وأن يتوصل إلى فك الخط الأول الذي كان يضم (42) علامة مسمارية, والتي كانت تمثل حروفاً هجائية وليست مقطعية, وتمكن من قراءة بعض العلامات المنقوشة فوق رأس أحد التماثيل التي تعود للأخمينيين.
أما النوع الثاني من الكتابات المسمارية والتي تتضمن اللغة العيلامية, فقد جرت محاولات أخرى للتوصل إليها من خلال الأستاذ (نوريس) الانكليزي الجنسية, أما النوع الثالث من الكتابات المسمارية المدونة باللغة البابلية, فقد كانت مشكلة حل رموزها قضية للغاية, حيث لاقى العلماء صعوبة في التوصل إليها بسب تدوينها بعلامات مقطعية تزيد عن (500) علامة مسمارية, ففي عام 1843 أجرى الفرنسي (إميل بوتا Emil Batta) في قصر الملك الآشوري سرجون في مدينة خرسباد والمنقب الانكليزي (ليرد) الذي حالفهُ الحظ في العثور على عدد من القصور الآشورية في مدينة نمرود الأثرية, وكانت هذه القصور مرتبة بمنحوتات من الرخام تصور الملك في أوضاع مختلفة, وتحمل هذه الألواح نصوصاً مكتوبة بالخط المسماري واللغة الآشورية. وقد أطلق على هذا العلم اسم علم الآشوريات التي تعود للفترة الآشورية, أي إلى الألف الأول ق.م, وبمرور الزمن أصبح هذا العلم يدرس في الجامعات المشهورة ذات العلاقة بحضارة بلاد وادي الرافدين, والحضارات القديمة.

المصادر :
1- طه باقر. مقدمة تاريخ الحضارات القديمة. ج1. بغداد 1973.
2- د. فاضل عبد الواحد علي. كتبوا على الطين. مجلة كلية الآداب. العدد 27 بغداد 1979.
3- د. فوزي رشيد محمد. قواعد اللغة السومرية. بغداد. 1972.

يتبع الحلقة الثالثة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر