الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انه عالمٌ آلي ايها الطبيب - أقصوصة من الخيال العلمي للمستقبل القريب

صالح حبيب

2017 / 2 / 14
الادب والفن


استلقى المريض متهالكا على سرير الفحص الطبي. وبعد ان لمس ببطاقته التعريفية الرقمية مكانا خاصا قرب السرير ابتدأت انغام موسيقية حالمة تنساب من اركان الغرفة حضر الطبيب وبعد عبارات السلام بدأ تشخيصاته :
- " بحسب ما تشير القراءات التي حصلت عليها من أقطاب سرير الفحص الالكتروني فإن جسمك سليم ولكنك تشعر بتعب نفسي كما تشير القراءات"
اجاب المرض و هو مضطجع:
- " نعم يا دكتور فهذا هو الذي أشعر به بالضبط "
- "هل تشعر بالوهن؟"
- " نعم واشعر احيانا بالتصلب يدب في عضلات جسمي "
صمت الطبيب قليلا..صدرت عنه بعض الهمهمات. ثم قال :
- " ما عملك؟ "
- " أعمل مشرفا في مصنع للطائرات "
صمت قليلا ثم اردف:
- " مصنع يعمل آليا بالطبع"
- "وهل انت منزعج من عملك؟ "
- " نعم ، الى الدرجة التي تجعلني افكر في تركه "
- " لماذا؟ "
- "لانني اشعر بأن لا مبرر من وجودي هناك فكل شئ يسير تحت اشراف الكومبيوتر والأنسان الآلي.. روبوتات..روبوتات..روبوتات في كل مكان "
- "وما الذي يزعجك في ذلك؟"
- " ولم لا انزعج يا دكتور ففرص العمل أصبحت نادرة!!
كل المصانع تدار بنفس الطريقة، بالروبوت، وهكذا تلاشى العنصر البشري، ما عادت هناك حاجة للإنسان، اختفت اللمسة الانسانية، كل شيء منظم و دقيق بل انه رتيب."
ثم أردف المريض وعلامات التوتر بدأت تبدو اكثر وضوحا:
- "نسيت كيف ارتب اي شيء او انسق اي شيء او أصلح خطأً حصل هنا او هناك، لان كل شيء قد برمج مسبقا وكل خلل يصحح اوتوماتيكيا، الروبوت يقوم بكل ذلك. فأنا لا اشعر بجدوى من وجودي."
انتابت المريض هذه المرة نوبة من الاضطراب والهياج العصبي فعاد يقول:
- "العالم كله يعمل آليا ايها الطبيب.. فأينما اتجهت وجدت أن كل شئ مسيطر عليه بالكومبيوتر.. المصانع .. المصارف..المدارس .. الجامعات.. الخدمات.. وحتى البشر تتم إدارتهم بالكومبيوتر ويخدمهم الروبوت. أكاد أجن فلا التقي بإنسان إلا وعثرت عليه مستلقيا في بيته وقد ترهل جسمه ، ذلك الجسم الأنساني الجميل الذي كان ذات يوم رشيقا رياضيا جميلا و لكنه اليوم قد اصابه الوهن و الخمول وعضلاته تؤول الى الضمور فلا يتحرك منه إلا العينين والشفتين وحتى الأصابع التي كان يضغط بها على لوحة المفاتيح في الحواسيب القديمة التي انقرضت منذ زمن بعيد فلم يعد أحد في حاجة اليها فكل ما عليه هو ان يفكر بالشيء فقط فيكون له ما يريد ويتم تنفيذه آليا، حتى انه لا يتعب حنجرته او شفتيه!!؟
ما الذي حصل لهذا الكائن البشري؟
ماذا سيعمل بني البشر بعد إن أسندوا كل حياتهم واعمالهم الى الروبوت؟
هل اصيب الأنسان بالبلادة؟ هل اسند الناس مهام العمل و التفكير التي ميزتهم عن باقي المخلوقات الى هذه الآلات الغبية الباردة ؟ الخالية من المشاعر والابداع ؟
مستحيل لا يمكن ان يكون الانسان قد غادر هذا الكوكب وترك هذه الابدان الفارغة التي لم تعد أكثر من كتل لحمية من الخلايا التي ليس لها عمل إلا ان تدب على الارض ويخدمها الروبوت. اكاد اصاب بالجنون، انني اختنق ..
تداركه الطبيب ليهدئ من روعه:
- حاول ان تهدأ يا بني فلقد ازدادت مؤشراتك الرقمية عن الحد المسموح به للفعاليات الحيوية العامة والطبيعية لجسمك.. أهدأ ارجوك، اهدأ و ضع يدك على هذا القرص المعدني الى جانب السرير، سأعطيك ما يهدئ روعك.
إلا ان حالة المريض تفاقمت سوءا وبدأ يصرخ ويعربد ويزبد
- ولكنك لم تعط حلا لمشكلتي أيها الطبيب الغبي؟
اجابه الطبيب ببرود قاتل كأي طبيب نفسي:
- ليس هنالك مشكلة يا بني، فالبشر هم الذين ارادو للعالم ان يسير على هذا النحو. انه قرار الحضارة ان يصبح العالم آليا.. مؤتمتا. لا مهرب من هذا الواقع
يا بُني، الكومبيوتر والآلات الذكية هي سيدة الموقف اليوم في هذا العصر و في العصور القادمة انها لخدمة البشر ولخدمة بعضها.
قفز المريض من على السرير مذعورا فهرول خارجا من العيادة وهو يصرخ ويزبد بهياج وجنون
- خدمة بعضها!؟ نعم فهذا هو الهدف .. هذا هو هدفكم! حتى انت يادكتور؟ ..حتى انت؟؟..حتى انت ؟؟
* * *
عندما شعر ان المريض قد غادر الغرفة وخلا سرير الفحص من أي كائن حي خزّن الطبيب تقريره عن حالة المريض النفسية في قاعدة البيانات المركزية
ثم أطفأ نفسه فتوقفت دوائره الالكترونية ومعالجاته المايكروية عن العمل ودخل في طور الانتظار و توفير الطاقة.
ــــــــــــــــــــــ
صالح حبيب - صيف 1987








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي