الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم: المسافة بين الوعظ والممارسة

ناجح شاهين

2017 / 2 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


التعليم: المسافة بين الوعظ والممارسة
ناجح شاهين
لا يوجد أحد في المجتمع الفلسطيني لا يمارس الوعظ "بحق" التلاميذ من أجل أن يحبوا "الدراسة" ويلتزموا بها، ويقوموا بحل واجباتهم على أكمل وجه...الخ. لكن مثلما يعرف أي مبتدئ في التنشئة الاجتماعية، البشر من هذه الناحية يشبهون الله. يقول يسوع: "إن الله لا يستمع إلى ما تقول ألسنتكم، ولكنه ينظر إلى ما تفعل أيديكم." كذلك الطفل يكتسب السلوك المنتشر اجتماعياً، خصوصاً في نطاق الدائرة التي تحيط به مباشرة من قبيل الأهل والمعلمين والأصدقاء. إن كان الناس من حوله يقضون جل وقتهم في محراب الكتاب، فلا بد أنه سيصاب بالعدوى، أما إن كانوا يقضون الوقت في عبادة الأجهزة الإكترونية من قبيل الأجهزة المحمولة التي تحملهم إلى عوالم الفيس بوك وإخوانه، والفضائيات..الخ فإنه سيتعبد معهم. إنه في النهاية ابنهم وهم قدوته ومثاله.
نلوم الطلبة لأنهم لا يريدون القراءة. ولكن من الذي يقوم بالقراءة في مجتمعنا؟ تقريباً لا أحد. ويمكن أن نقول بشيء من الثقة إن الناس جميعاً بمن فيهم الذين "يشتغلون" في العلم والتعليم لا يقرؤون إلا اضطراراً. مثلاً يمكن لأستاذ جامعي أن يقرأ لأنه مضطر إلى كتابة "ورقة" لغايات الترقية أو لحماية اسمه من تهجم الزملاء والزميلات. أما مدرس المدرسة فلا يقرأ في الأعم الأغلب إلا إن التحق ببرنامج ماجستير في إحدى الجامعات بغرض تحسين وضعه قليلاً. ولكنه في هذه الحال يمارس طرق الاحتيال المختلفة مثلما يفعل معظم طلبة الجامعة الذين يستعينون بالأصدقاء ومراكز خدمات الكتابة المنتشرة في كل مكان. ولا بد أن حالتنا قد وصلت إلى مستوى كوميدي عجيب من ناحية تطور هذا القطاع الغريب من فئة الخدمات الذي يقوم بكتابة انواع التقارير والأبحاث كلها في مستويات الدراسة المختلفة بما في ذلك الثانوية العامة، وما يقابلها في المدارس الخاصة من برامج أمريكية وأوروبية قد تحتاج بعض القراءة والكتابة.
ولأن الكبار لا خبرة لديهم في عالم القراءة، كما أنهم لا يحبون القراءة ولا يمارسونها، فإنهم يقدمون الوعظ والإرشاد للتلاميذ تماماً مثل الأب الذي يعظ أبناءه بعدم التدخين وهو يتلذذ بالسجائر في حضورهم، فيكون الأثر معكوساً، إذ يحس الصغار أنه يريد أن يحتكر المتعة لنفسه، ولا يريد أن يسمح لهم بالتمتع لأن ذلك يكلفه المال. يصبح الوعظ في ذهن الطفل رديفاً للبخل والأنانية.
إن فشلنا في مساعدة الأطفال في بناء مشاعر الحب للقراءة، وتقدير البحث والاكتشاف، متوقع تماماً بالنظر إلى أننا معشر الكبار لا نطيق "سيرة" العلم والبحث والقراءة والتفكير، وليس لنا قبل بها. لذلك نحن لا نستطيع أن ننقل للأطفال مهارات لا نحوزها. فاقد الشيء لا يعطيه بطبيعة الحال. الأهم من ذلك أننا لن نتمكن من تهيئة الظروف لتوليد دافعية إيجابية لدى الطفل تجاه القراءة والبحث والعلم لأن هذه مشاعر تنتقل بالإيحاء والتمثل ولا علاقة لها بالخطابة أو حتى التمرين الواعي، لأنها تنساب على غير وعي منا جميعاً.
لذلك نحس بالإشفاق تجاه الصغار الذين نعمل كل ما يجب لكي يحسوا أن القراءة والعلم والتعليم أعباء كريهة، ثم نلومهم لأنهم جيل "بايز" أو "مدلع" أو ما شئتم. الصحيح أن أياً منا يستطيع أن يتأمل في ذاته ليجد الخلل الذي يعاني منه "الجيل" ماثلاً في شخصه بالذات، وفي شخوص أصحابه وجيرانه وأبناء ملته وعشيرته الأقربين والأبعدين.
إصلاحنا معشر الكبار، قد يكون المدخل الضروري للنهوض بالواقع كله. وحبذا فيما نحسب لو تبدأ الجهات التي ترعى أنشطة نشر القراءة ومهارات البحث والتفكير في إيلاء مزيد من الاهتمام نحو عالم الكبار بشرائحه المختلفة وعلى رأسها العاملات والعاملين في التعليم. وقد تكون هذه هي البداية الأقرب للصواب، لأنه لا يمكن التأثير في عالم الصغار إذا كان العالم الذي يقتدون به يسير في الاتجاه المعاكس للأثر المطلوب خلقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة