الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدّين الاجتماعي

جمانة زريق
كاتبة سورية

(Jumana Zuriek)

2017 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من نزول الديانات السماوية على مر العصور، ظل الدين الاجتماعي الذي وضعه الإنسان وارتضاه بعقله البدائي مسيطراً على عقول بعض الناس حتى يومنا هذا. فلقد حاول الإنسان عبر حياته و ضع نظم و قواعد تناسب حياته من أجل تنظيم المجتمع، وغدت هذه النظم بمثابة دين اجتماعي ارتضاه الإنسان قبل و أثناء نزول الديانات السماوية التي كان هدفها الأساسي تقويم النظام الاجتماعي أو الدين الاجتماعي "كما أراه".. فالدين الاجتماعي هذا كان ديناً قائماً على نظام الطبقية والعبودية و الاستقواء على الضعيف. ويمكن القول أن الدين الإسلامي كان بمثابة ثورة عميقة ضد الدين الاجتماعي الذي آمن به القرشيون و غيرهم، فانقلب على نظام الطبقية الذي يجعل الأغنياء من الناس في الصفوف الأولى من المجتمع، في حين يضع الفقراء في الصف الأخير منبوذين لا كلمة لهم والكلمة الأولى و الأخيرة هي لمن لديه المال. كما أطاح الدين الإسلامي بنظام العبودية الذي كان سائداً في المجتمع الجاهلي والذي كان أحد أهم ركائز الدين الاجتماعي. أيضاً جاء الدين الإسلامي فانتقد بشدة مبدأ الاستقواء على الضعيف ومنه أن أمر بالمساواة بين الناس فلا فرق بين أسود على أبيض أو ذكر على أنثى إلا بالتقوى. ولكن إذا أمعن أحدنا النظر في هذا الموضوع سنجد أن قوانين الدين أو الثورة الإسلامية لم تدم كثيراُ ولزمن طويل، ذلك أن أتباع الدين الاجتماعي قاموا بثورة مضادة وحاولوا تحريف الدين السماوي بما يتناسب مع الدين الاجتماعي، فكثيرة هي الأحاديث التي وضعت على لسان الرسول خدمة لأتباع الدين الاجتماعي الذي مازال أتباعه الى يومنا هذا يحاولون لي عنق النص السماوي من أجل أن يكون مناسباً للنظام الاجتماعي الخاضعين له أو التابعين له. ونحن عندما نتأمل الكثير من تفاصيل حياتنا في المجتمع العربي الإسلامي الآن نجدها منبثقة من الدين الاجتماعي وليس للدين الإسلامي أي صلة بها. ولربما هذا ما يبرر أن هناك الكثيرمن الناس الذين يخافون من نظرة المجتمع أكثر بكيثر مما يخافون الله، و يحسبون حساب ما سيقوله الناس حتى ولو كان ما يفعلونه مسموحاً شرعاً. فمثلاً تقوم بعض النساء من التحرر من لبس النقاب إذا ذهبت لأي دولة غربية بموافقة الزوج، لأنها تعلم أنها ربما تتعرض لموقف لا تحسد عليه في المجتمع الغربي وهي تعلم أنه ورد في الأحاديث الإسلامية بأن لاترموا بأنفسكم الى التهلكة و أن لا ضرر و لا ضرار مثلاً.ولكن هي نفس المرأة لن تتجرأ في المجتمع العربي على رفع هذا النقاب أو إزالته حتى و إن كانت ستقع في حفرة أمامها لأنها تضع المجتمع والدين الاجتماعي في المرتبة الأولى قبل الدين السماوي. أيضاً الطبقية، أوليس المجتمع العربي و الإسلامي الآن مجتمع طبقي بجدارة، وهل تسمع كلمة الفقير في هذا المجتمع البائس حتى ولو كان هذا الفقير فيلسوفاً أو عالماً أوحكيماً، أبداً، سيبقى هذا الإنسان في الظل لا يسمع له أحد في حين أن بعض الأغنياء هم المتحكمين في هذا الفقير. ألا يدلنا ذلك على أننا مازلنا نمارس الدين الاجتماعي الذي يجعل للغني أفضلية على الفقير و للذكر أفضلية على الأنثى و للقوي أفضلية على الضعيف و يجعل من الدين السماوي في المرتبة الثانية إذا تعارض مع الدين الاجتماعي وهنا تجدر الإشارة الى أن أتباع الدين الاجتماعي يشمل الملحدين بالديانات السماوية. فهناك الكثير من الناس لايؤمن بوجود الله ولكنه يؤمن بشكل كامل بأن الذكر أفضل من الأنثى, ويفرح فرحاً شديداً بالمولود الذكر ويحزن إذا ماكانت أنثى, أكثر من ذلك فهو نفسه هذا الملحد بالدين السماوي يجيز لنفسه مثلاً كرجل ارتكاب كل المعاصي و يحاسب المرأة على أصغر الأخطاء وهذا إن دلنا على شيء فهو يدلنا على أن الدين الاجتماعي هو أقوى بكثير من الأديان السماوية. طبعاً لم يكن الدين الاجتماعي موجوداً فقط في المجتمعات العربية ولكن لقد وجد الدين الاجتماعي في كل المجتمعات، لكن الفرق هنا أن أغلب المجتمعات المتقدمة هي التي استطاعت أن تنحي الدين الاجتماعي من القائمة لديها فجعلت قوانينها تقترب من الأديان السماوية التي دعت الى المساواة كنظام بديل عن الطبقية و الحرية كنظام بديل عن العبودية. وهذا يجعلنا نتساءل متى سنستطيع نحن في العالم العربي و الإسلامي أن نطيح بالنظام أو بالدين الاجتماعي المقيت و نستبدله بقوانين الديانات السماوية الداعية للحرية و العدل و المساواة؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التقوى
معلق قديم ( 2017 / 3 / 8 - 15:51 )
(((الدين الإسلامي انتقد بشدة مبدأ الاستقواء على الضعيف ومنه أن أمر بالمساواة بين الناس فلا فرق بين أسود على أبيض أو ذكر على أنثى إلا بالتقوى)))



وماذا تفعلين بكلمة إلا؟؟؟

الدين حصر التفضيل بين الناس في ..... الالتزام بهذا الدين!

أي أن الدين جعل نفسه (التقوى) سببا للتفرقة بين الناس


أيصعب على الأستاذة أن تدرك هذه البديهية؟ أم أنها تفهم وتحارب المنطق للدفاع عن ظلم صريح؟

اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ