الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [3]

وديع العبيدي

2017 / 2 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
ياهودايزم
[3]
"كثيرا ما قصدت أن آتي اليكم، أيها الاخوة.. كما لو انّ عليّ دينا، لليونانيين والرومان، للمتعلمين والجهّال.. فانا في غاية الشوق، أن ابشر بينكم، بكلّ ما لدي، انتم الذين في روما، ليكون لي ثمر من بينكم ايضا، كما لي من بين الامم الاخرى!"- (رو 1: 13- 15)

أوربا ولدت في حضن/ أحضان الكنيسة. الكنيسة التي صنعها بولس هي التي انجبت أوربا المعاصرة. الكنيسة إذن، اقدم من أوربا. وللموضوع صلة!.
بولس الطرسوسي هو شاول البنياميني، فريسي من الفريسيين، ومن تلاميذ غمالائيل: أحد اعضاء المجلس اليهودي الأعلى (سنهدريم)، معلم شريعة يتبع المذهب الفرّيسي، محترم عند الشعب-(أع 5: 34) . وفي يومه، كان لليهود مدرستان: احداهما تأخذ بالتقليد الشرقي الارثوذكسي، والثانية تعلم الشريعة والتقليد الى جانب العلوم والفلسفة والمنطق. الثانية كان يقودها غمالائيل، الذي كان من تلاميذه المقربين او المتفوقين شاول الطرسوسي.
ومعنى كلمة شاول – بالعبرية-: مستعار. يقال لمولود المرأة لا يكون لها ولد: فتقول: اقتنيت/ استعرت طفلا من عند الربّ-(تك4: 1). ومعنى كلمة باول/ بولس-باليونانية-: صغير، وهو الاسم الذي اختاره شاول الطرسوسي لنفسه- تواضعا واتضاعا- لما تبع طريق يسوع الجليلي، وهو في طريقه الى دمشق.
بولس الطرسوسي لم يكن من تلاميذ يسوع المعروفين، ولكن، من المحتمل انه من تلاميذه السرّيين او السلبيين. أي ممن كانوا يلاحقون يسوع واتباعه لمراقبة حركاته وأعماله، والتربص به بكلمة أو جواب لمحاكمته او الوشاية به لدى السلطات.
بعد اتباعه طريق يسوع، صار واحدا من الرسل، والمشهور انه (بولس رسول الامم)، مقابل بطرس الرسول الى اليهود. ومعروف ان اليهودية – تاريخيا وكتابيا- لا تقبل التبشير لغير اليهود بالوراثة: أي الجسد. وفي البدايات اعتقد التلاميذ ان رسالة المسيح خاصة باليهود، وليس التبشير للامم- اصطلاح كتابي يقصد به: غير اليهود- حتى جاء بولس وتخصص بحمل البشارة للامم.
قام بولس الطرسوسي بثلاث رحلات/ حملات تبشيرية باتجاه اوربا، وهي بحسب ابعادها الجغرافية/ البلدانية، كالتالي:
1- قبرص والاناضول/ اسيا الصغرى، رافقه فيها برنابا القبرصي/[اع 13: 4- 14]، وهي مركز الكنائس السبع المشهورة في سفر الرؤيا [رؤ1- 3]
2- مقدونية واليونان، رافقه فيها سيلا. ابتداء من مقدونية وانتهاء بكورنثوس التي بقي فيها ثمانية عشر شهرا/ [أع16: 6- 18: 18، 20]، وفي طريق عودته مرّ ببعض الكنائس التي بشّرها في رحلته الاولى.
3- الاسكندرية وكريت ومالطه الى ايطاليا وروما/ [أع 27- 28]، وكان فيها معتقلا لغرض المحاكمة امام القيصر نيرو.
ويعتقد البعض، بناء على [رو15: 29]، انه قام برحلة رابعة تصل الى اسبانيا. لكنه امر خارج الاحتمال، كون رسالة رومية كتبت قبل موعد زيارته لروما. وزيارته لها كانت للمحاكمة، ولم تتحقق تلك الزيارة كما اراد لها، لينطلق منها الى شبه جزيرة ايبريا. والمعروف –بحسب التقليد- ان زيارته الاخيرة الى روما انتهت باعدامه عام (67م)، مع بطرس الرسول في عهد القيصر نيرو [37/ 54- 68م].
*
جغرافيا اوربا التاريخية..
أوربا هي القسم الشمالي الغربي من خريطة العالم، والمحددة طبيعيا بالبلاد شمال حوض البحر الأبيض المتوسط، والممتدة شرقا الى شبه جزيرة الاناضول/ أسيا الصغرى- تركيا الحالية- حتى حدود بحيرة قزوين شرقا، وجنوبا في شمال العراق حتى مدينة سامراء الحالية على دجلة، ومنطقة شرق البحر المتوسط حتى غرب مجرى نهر الفرات.
وهذا يعني ان بلاد الشام/ سوريا الكبرى وكل تركيا الحالية هي جزء من أوربا التاريخية.
معناه، ان وادي الاردن وفلسطين وسيناء تدخل ضمن حدودها.
وكان بولس بحكم ميلاده في طرسوس الواقعة على الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط جنوبي غربي الاناضول، يهوديا بالعائلة، يونانيا بالثقافة، رومانيا بالمواطنة والجنسية.
وبحكم انتمائه الوطني الثقافي والجغرافي، كان مشروعه لنقل بشارة يسوع، التي مثلت برنامجا بديلا للهللنستية، الى مقدونية واليونان وروما مركز الامبراطورية العالمية يومذاك.
العام 2008م خصّصته الفاتيكان للاحتفال بالذكرى الالفين لولادة الرسول بولس الطرسوسي، بوصفه مؤسس الكنيسة الاوربية والقامة الثانية في بناء صرح المسيحية في العالم بعد السيد المسيح. خلال سنواته الاخيرة التي شهدت محاكمته واعدامه، سمحت له السلطات فيها، ان يقيم في بيت خاص لاستقبال زائريه وكتابة الرسائل الرعوية الى الكنائس التي افتتحها خلال حياته: [عب 13: 24]. ويرى البعض، من خلال اجتماعه مع بطرس و اثنين من كتبة الاناجيل، ان بولس اشرف على مراجعة معظم اسفار العهد الجديد المكتوبة في عهده، ما خلا اسفار يوحنا اللاهوتي المكتوبة لاحقا.
في تلك الاقامة التي شملت بطرس الرسول المتهم الى حانبه، رافقه خلالها جملة من ابرز تلاميذه، وفي المقدمة منهم لوقا الطبيب ويوحنا مرقس وكثيرين اخرين. لوقا هو المرافق الشخصي لبولس في رحلاته الاوربية، وهو كاتب الانجيل الثالث ومسجل سفر اعمال الرسل المتضمن حياة الكنيسة الاولى بعد السيد المسيح.
ولوقا الطبيب هو اليوناني الوحيد بين كتبة الاناجيل، وهو الاكاديمي الوحيد وكان رساما، وينسب اليه التقليد انه اول من رسم صورة العذراء مريم الاصلية والمحفوظة نسختها في الفاتيكان، وعنها اخذ الرسامون التقليد.
أما مرقس فهو كاتب الانجيل الثاني. وكان ابن اخت سمعان بطرس واصلهم من ليبيا. وكان مرقس مرافقا لبطرس، ولم يكن من التلاميذ لصغر سنّه. لكن التلاميذ كانوا يجتمعون في بيت والدته التقية مريم/(اع 12: 12) – اخت سمعان بطرس- منذ ايام يسوع، وكان الصبي يستمع ويرافق الجماعة الاولى.
وفي (كو 4: 10) يصف بولس الرسول مرقس بانه ابن اخت برنابا الذي اسمه الاصلي يوسف من سبط لاوي ويحمل الجنسية القبرصية/(اع 4: 36). وهذا يعني ان كلا من يوسف برنابا وسمعان بطرس شقيقان ولهما اخت اسمها مريم ام يوحنا مرقس. وقد رافق يوحنا مرقس بولس وبرنابا في اول رحلة كرازية/(اع 12: 25)، يقدر تاريخها في العام (50م)، ولكنه فارقهم في بمفيلية/(اع 13: 13) ولم يكمل الرحلة معهم، مفضلا الالتحاق بخاله الاكبر بطرس.
وبحسب التقليد القبطي، رافق مرقس بطرس في زيارة الاخير الى مصر ومكوثه ستة اشهر في بابيليون المصرية/(1 بط 5: 12). وربما كان مرور بطرس بمصر خلال رحلته الى روما لمحاكمته بتهمة حريق روما المشهور (عام 67م) في عهد الامبراطور نيرو.
ويبدو ان مرقس بقي في مصر لمدة، اكمل فيها ترتيبات كنيسة الاسكندرية المصرية، ولذلك يعتبره التقليد المصري كارز الديار المصرية ومؤسس كنيستها. ولابد انه واصل الرحلة الى روما ملتحقا ببطرس وبولس الذي يثني عليه وعلى خدمته واخلاصه: [2 تي 4: 11، فيل 1: 24].
فالعائلة المسيحية الاولى المؤسسة للكنيسة الرسولية الجامعة في الشرق والغرب، اجتمعت في روما – عاصمة الامبراطورية الرومانية- خلال الاعوام [65- 67م] بحسبما اتاحته لهم ظروف المحاكمة والشهادة.
تلك الامبراطورية التي قادت حملة اضطهاد الكنيسة الاولى طيلة القرون الثلاثة، هي التي ستنحني لصليب يسوع المسيح، وتجعل من عقيدته/(الصراط المستقيم): الديانة الرسمية لامبراطورية بيزنطه العالمية التي ستحكم العالم حتى القرن الخامس عشر الميلادي.
وكأن كلمات بطرس الذي أعدمه امبراطور روما عام 67م هي التي ستعود تقرع ذهن الامبراطور قسطنطين العظيم عام 317م لتغيير النظام العالمي واشاعة نهج سوسيوثقافي يشكل جوهر الهوية الثقافية للمركزية الغربية.."اعلموا جميعا، وليعرف شعب اسرائيل كله، انه باسم يسوع الناصري الذي أنتم صلبتموه، والذي أقامه الله من بين الاموات، باسمه يقف هذا الكسيح أمامكم في تمام الصحة!.. يسوع هذا هو الصخر الذي أنتم رفضتموه، أيها البناة!، وهو نفسه صار حجر الزاوية الأساسي. وليس بأحد غيره الخلاص. اذ ليس تحت السماء، اسم آخر، قدمه الله للبشرية، به يجب ان نخلص!"-(اع 4: 10- 12).
فبجهود بولس وفريق معاونيه الكبير، تأسست الكنيسة الغربية، واكتسبت أوربا هوية ثقافية اجتماعية، لما تزل تدين للمسيحية بقيم الحرية والمحبة والتعاون والتسامح، المشكلة لجوهر المواثيق الاممية والدولية السائدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي