الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعنا العربي وعالم الحداثة

الطيب طهوري

2017 / 2 / 26
المجتمع المدني


خواطر

في عالمنا العربي الإسلامي تشكل الإنسان نفسيا وذهنيا ومن ثمة سلوكيا قوتان ، لا ثالثة لهما ،في الغالب: أنظمة الاستبداد السياسية والاجتماعية ،والقوى الدينية..كلتا القوتين تزرعان وبشكل مستمر في هذا الإنسان الخوف..
الخوف من قوى القمع بشتى أنواعها ( قمع عصوي يتمثل في قوى الأمن والدرك والعسكر، قمع باسم القانون يتمثل في القضاء الذي هو خاضع لإرادة المتنفذين في إصدار أحكامه، حيث لا قضاء مستقل في هذا العالم العربي الإسلامي ، قمع إداري يمثله المسؤولون في مختلف المؤسسات ،والذين يعينهم المتنفذون أيضا،وهم الذين يتحكمون في لقمة عيش المواطن غالبا من خلال إبقائه في منصب عمله أو تسريحه بشتى المبررات)،وهو القمع الذي تمثله قوى الحكم الاستبدادية عموما..
الخوف الآخر والأعمق هو الخوف من عذاب الاخرة، من جهنمها، وهو ما تملأ به نفوس الناس يوميا آلاف المساجد وآلاف الدعاة وعشرات القنوات التلفزية والإذاعية..إلخ..
يرتبط كل ذلك الخوف الذي ينخر عقل الفرد العربي وعواطفه بجهل يكاد يكون مطبقا يميز هذا الفرد، حيث تختفي المطالعة عموما من انشغالاته اليومية، وحيث يحارَب الرأيُ المخالف فكرا، والتصورُ المغاير في النظرة إلى الحياة والموقفُ منها ومن قضاياها العديدة..
واقع كهذا لا يمكن أن يجعل من الإنسان إلا كائنا عاطفيا أكثر، ضعيف البنية العقلية والتفكير الحر،الموضوعي،المسؤول والعميق ..
واقع كهذا لا يمكن للإنسان فيه أن يكون إلا غرائزيا أكثر،تتحكم غرائزه في تفكيره وفي سلوكه وفي علاقاته بالآخرين..و..
من هنا تتحدد علاقة العربي بالحداثة ومجتمعاتها إجمالا، حيث يرتمي في أحضان اشتهاء منتجاتها المادية المثيرة لغرائزه أكثر.. يرتمي في عالم ثقافتها الاستهلاكية أساسا..يلهث وراءها بشكل كبير..إن هو امتلك المال عمل على امتلاكها والتظاهر بها أمام الآخرين بشكل هستيري ..وإن هو عجز عن امتلاكها عمليا، نتيجة ضعف قدراته المالية تعلقت بها أحلامه إلى حد الهوس..
ولأنه لا عقل له اساسا، فهو لا يفكر في التخطيط والعمل على إنتاجها بإرادته الذاتية..يشعر دائما بالعجز عن ذلك، بل وباستحالته..لا يفكر أيضا في البحث عما وراء ذلك المنتج المادي الحداثي..لا يفكر في العقل الذي أنتجه كيف بُني؟ ما الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي كونته لينتج ما أنتج؟..لا يطرح الأسئلة المتعلقة بذلك المجتمع الحداثي على نفسه..كيف وصل ذلك المجتمع إلى ما وصل إليه من تنظيم اجتماعي وسياسي؟..ما علاقة ذلك بالحرية والإبداع في شتى انواعه ( فكرا وعلما وفنا)؟..لا يطرح على نفسه الأسئلة لمتعلقة به وبمجتمعه هو ذاته..لماذا هو هكذا؟ لماذا مجتمعه هكذا؟..ما علاقة ما هو فيه وما هو عليه مجتمعه بالاستبداد السياسي والاجتماعي؟..ما علاقة ذلك بدينه؟..كل تلك الأسئلة المتعلقة بعلاقته بالآخر الحداثي وبه وبمجتمعه تغيب عن باله..وإذا طرحها البعض أو طرحوا بعضها فإنهم يطرحونها بشكل خافت ، خوفا من المجتمع وقواه الاستبدادية ، وخوفا من الشارع الاجتماعي وقواه الدينية خاصة وأساسا..وفي راهن اليوم أكثر أكثر..
القوتان معا تدفعان بهذا العربي المسلم إلى النظر إلى الآخرين المختلفين المغايرين بعين الشك والريبة دائما..يتعكس خوفه على علاقته بهم فيخاف منهم أيضا على ذاته..وبمعنى آخر على ما يعتبره خصوصياته الثقافية والاجتماعية والدينية، أي على ما يسميه هويته..ومن منطلق ذلك الخوف يناصبهم العداء..وبمعنى ادق يناصب فكرهم الحداثي ذلك العداء، ويتشبث أكثر بما عنده،وبما تركه له أسلافه..ولأن ما عنده وما تركه له أسلافه لم يعد قادرا بهما على حمايته من تغلغل ثقافة الحداثة ممثلة في جانبها الاستهلاكي الغريزي أساسا،فإنه لا يجد مفرا من الهروب أكثر إلى ممارسة التدين بشكل مفرط، من جانب، والهروب إلى الآسلاف ، من جانب آخر.. هكذا يبقى الفرد العربي المسلم يعيش عالمين متصارعين في ذاته ..يؤرقانه بشكل مستمر..عالم ثقافة الاستهلاك من جهة، وعالم ما كونته عليه نفسيا وذهنيا ما يسميه هويته، من جهة أخرى،..إذا تغلبت الأولى على نفسه يغيب أكثر في عالمها..إذا تغلبت الثانية يفرط في تدينه أكثر..في الحالتين، لا تغييرا ذهنيا وعاطفيا إيجابيا يحدث في ذاته..لا وعيا بواقعه وبواقع الآخرين يكتسبه..لا شعورا بالمسؤولية يحس به..لا قدرة على التنظيم يصل إليها..لا نضال يمارسه..يعيش هكذا بالصدف وللصدف..تصير طريقة عيشه الصدفية تلك عالمه الذي يقربه من عالم الحيوانات أكثر..
لا نعجب إذن ونحن نرى العربي فردا وجماعات وتنظيمات عاجزا عن حل خلافاته بالحوار المسؤول والعقل المدبر الحكيم الذي يضع في اعتباره مراعاة المصالح المشتركة بين المختلفين وضرورة تعايشهم في إطار السلم وتقاسم مسؤولية بناء المجتمع/ مجتمعهم..
لا نعجب ونحن نراه فردا وجماعات وتنظيمات يلجأ إلى سلوك العنف في علاقته به وبالآخرين ..
لا نعجب ونحن نراه خوافا من دخول عالم المغامرة في المجهول..
لا نعجب إذن ونحن نرى المجتمع العربي مجتمعا لم يخرج بعد- مهما كبرت مدنه، ومهما امتلأت شوارع تلك المدن وبيوت الناس فيها بمنتجات ثقافة الحداثة- من مجتمع العشيرة والقبيلة، ومن عقلية التعصب للرأي ومحاربة المختلف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو حمزة: الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة


.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع