الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الندرة

تنظيم ابراهيم النجار

2017 / 2 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الندرة …
الندرة في اللغة من لغات (ندر) بمعنى ما شذ وتعرب كمفعول فيه , مما يوحي لوقوع الحدث في جو استثنائي, قد لايتكرر في المستقبل حتى في توفر نفس الظروف التي قام عليها في المرة الاولى لعدم وجود ضابطة او قاعدة في ذلك ..
والندرة قد تكون على نحو الجزئية ,و قد تكون على نحو الكلية , وقد نجدها في شخصية ما على نحو الجزء وقد يكون كل ما في تلك الشخصية نادر .
والظاهر ان من يحدد كون الشيء نادراً هو الذوق العام ونضرته تجاه هذا الشيء , وليس ان حقيقة الشيء نادرة بالخلقة , تماما كالمعجزة ,, فالمعجزة ليست الا خرقا في القانون الطبيعي , قد يكون مستمرا وقد يكون وقتيا , الا انه في كل الاحوال يعتمد على ما يدرج عليها الناس من فهم لطبائع قوانين الوجود , بحيث يفهم كل تغاير في تلك النظم الكونية امرا خارقا للعادة , والا فهي ( المعجزة ) تأخذ وجودها المنظور من خلال تلك القوانين الطبيعية وليس بشيء اخر وقد لاتكون اعجازاً في نظر البعض من الناس في حين انها كذلك لدى غيرهم .

… الثقافة والندرة...
الندرة الثقافية تعني حصول ظرف استثنائي يكشف عن حقيقة وجودية مرتبطة بالانسان بشكل يؤثر عليه من حيث التغاير السلوكي والمفاهيمي تجاه الواقع , ويبقى هذا الاكتشاف في الغالب مقتصرا عليه من حيث الفائدة , لوضوح ان الاخر لايرى فيه واقعية طبيعية انطلاقا من الموروث الثقافي الذي درج عليه تجاه فهم تلك الحالة الا انه قد يقر بصحته وندرته في ذات الوقت .
هذا مايغرينا على القول ان مفهوم الندرة بذاته مفهوم انتزع بلحاظ مستوى الوعي الثقافي وليس هو ندرة ( بذاته) اي ان ما قام عليه الوضع اللغوي الاصلي تجاه حالة الندرة مفاهيميا , هو بالاصل نتيجة لمستوى من الوعي لم تتجاوز حدوده القدرة على البرهان على ان هذا الفعل نادر, اي قليل الحدوث او استثنائي الحدوث .
وهذا يرجع بالضرورة الى حجم ما تم اكتشافه من حقائق الوجود بالنسبة للبشرية , او قل ما دخل ضمن اهتماماتها طيلة العشرة الالاف سنة الماضية, وما بقي خارج طور الاكتشاف فتفهمه ندرة , فالبراسيكولوجي , ندرة بالعنوان العام , الا انها ليست كذلك فيما يرتبط بأدوات ايجادها , حيث كانت فيما قبل فترة الستينيات , امرا يعزى الى الموهبة الخاصة, اي الى الندرة , ولكن بعدها اصبحت امرا طبيعيا يدرس كعلم متاح لكل شخص شرط التدريب , كما نشاهد اليوم مختبرات البراسيكولوجي في روسيا وامريكا وغيرها من البلدان المهتمة بهذه الظاهرة .
الثقافة لا تختلف كثيرا عن مفهوم البراسيكولوجي من حيث المقايسة , فالمجتمع اليوم وان تكلم كثيرا في هذه المادة ونضر لها , الا انه لا زال يجهل حدودها .. الثقافة بمعنى اكتشاف القدرة الادائية الكاملة للانسانية وتفعيلها للوصول الى مستوى المجتمع النموذجي , لان كل منظري هذا الخط الفكري , يعالجون وينطلقون في التنظير لهذه الظاهرة السلوكية من خلال التقاط الشواهد الايجابية في التاريخ البشري واعادة تشغيلها بشكل مختلف يتناسب مع وعي المتلقي ,, وهم في هذا لا ياتون بجديد , بل هي محاولة للمركزة السلوك الاقرب للمثل الانسانية بحسب ما يفهمون في المجتمع المعاصر تدريجيا , الا انهم لحد اللحظة غير قادرين على قياس حجم الاكتشاف الانساني الذي قامت به البشرية تجاه الانسانية ( الظاهرة ) وتحويله الى منهج تربوي مبرمج , لانهم في الغالب لا يتفقون على صحته لاختلاف وجهات النظر حول ما اذا كانت كل تلك الشواهد التاريخية للمثل الانسانية صحيحة او قسم منها , بل لازال قسم منها او كلها موضع نقاش واختلاف بينهم , وهذا ما يعزى الى تعدد فهومهم للندرة والذي يعني تعدد الفهوم حول المثال الانساني والذي لا زال موضع اختلاف الى اليوم .


.. الله والندرة …
ان حدود ما يمكن ان نفهمه عن الندرة قائم على اصل واقعي جزئي , قد يكون احيانا بحسب الخبرة الذاتية , وقد يكون بحسب الخبرة الاجتماعية والفكرية للمجتمع البشري , ولذا كان الله ابعد ما يمكن ان يتصوره الانسان من مضامين الندرة , قد يقول بوجوده بداعي فهمه للندرة , وقد لا يقول بذلك , اذا كان فهمه للندرة لا يتجاوز حدود الاستثناء والشذوذ عن الواقع المادي .
لذا انتجت لنا الثقافة البشرية فهوم متنوعة عن الله , وكل تلك الفهوم تتناغم مع فهمها للندرة , الندرة اللحظية الجزئية كما تفهمها , او الندرة الاعجازية الخارجة عن طوق الحصر القانوني المادي .

.. الانسانية والندرة ..
كذلك الانسانية , بالرغم من انها مفهوم انتزع بلحاظ الجنس ,حيث اننا لا نعلم متى اطلقت كلمة الانسان على هذا الجنس من المخلوقات تحديداً , لكنها التصقت به واخذت وجودها انتزاعا منه ,واننا لم نفهم منها الا ما كان حاضرا على الواقع العام من سلوك البشرية المؤرخ , وقد نعتبر كل ما هو جديد وكل ما هو استثنائي ندرة , خصوصا بعض مستويات الايثار والشجاعة , الى درجة اننا قد نعتبر الشجاعة تهور , وقد نعتبر الايثار بلاهة بدافع الندرة وليست بسبب مخالفة المفهوم او السلوك الطبيعي للانسان .
السلوك البشري المؤدي الى فهم الانسانية , لازال يعاني من فهمه على اساس الندرة , بالرغم من وقوف البشرية على ظاهرة حب الذات وفقا للمبدأ الفرويدي , الا انها لازالت تعتبر الكثير من السلوك الانساني ندرة اذا خالف المنظور والمعاش منه لجهلها الكامل بالنتائج , وأذا هو سلوك نادر يتم تحاشي اعادة صياغته او التنظير له بدعوى انه (ندرة) حتى وان كان مواكبا للضرورة الثقافية .

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟