الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والمرأة والسينما

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2017 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




أول مرة دخلت السينما فى طفولتى لأرى فيلم «يحيا الحب»، ومعى أبى وأمى وأخى الأكبر الذى كان يعشق الموسيقى والسينما ويهرب من حصة الدين ليعزف العود ويغنى مع صديقته صوفى
وكانت أمى تحب ليلى مراد يقول أبى إنها تشبهها فى جمالها وصوتها، تحلم أمى بأن تكون فنانة تتحرك فوق الشاشة السحرية معشوقة للملايين، وليست مملوكة لرجل واحد تزوجته دون أن تراه إلا من وراء شقوق الشيش.

كنت أكره مدرس الدين لأنه يعتبر أخى أفضل منى رغم أنه يقفز من فوق السور ويهرب من المدرسة إلى الموسيقى والحب، وأنا أبقى حبيسة الفضيلة والتخت الخشبى أكتفى بأحلام اليقظة وأعزف العود بغرفة نومى كأنما عاهة سرية، والرقص كان حلم حياتى غير المعقول، والسؤال طول عمرى يراودنى حتى اليوم: لماذا يحب الأطفال الموسيقى والرقص أكثر من المدرسين وحصص الدين ؟

رغم محاولات تجديد الفكر الدينى المستمرة الى يومنا هذا يظل الفكر الدينى متجمدا كما كان فى العصور الحجرية وهل يختلف أغلب الفقهاء الجدد عن أسلافهم القدامى فى إيمانهم بحق الرجل فى خلع زوجته شفهيا دون شهود؟

حين يحب الأطفال حصص الدين كما يحبون الموسيقى والسينما والرقص حين يصبح شرف المرأة وكرامتها هما شرف الرجل وكرامته حينئذ فقط يتحقق التجديد فى الفكر الديني، أليس جوهر الدين الصحيح هو نفسه جوهر الفن الصحيح أى الحب والجمال والصدق والحرية والفضيلة والعدل والكرامة والصحة والسعادة ؟

صدر كتاب جديد يتعمق فى دراسة العلاقة بين الدين والمرأة فى السينما تأليف «دانيال كوترارا « أستاذ أمريكى بجامعة تكساس كان قسيسا لكنه هجر الكنيسة بسبب عشقه للسينما، وأصدر كتابه بعنوان: السينما الشريرة. Wicked Cinema

يحلل بعض الأفلام المبدعة التى عرضت فى نهاية القرن العشرين، منها فيلم المخرج «مارتن سكورسيزي» بعنوان The Last Temptation of Christ الذى يكشف الصراع فى حياة المسيح الروحية تجاه المرأة والمشاعر الحسية وفيلم المخرج «وودى آلان» بعنوان

Crimes and Misdemeanoes الذى يكشف المأساة (الملهاة) فى حياة طبيب يهودى يتمزق بين رغبات الجسد وتعاليم الدين، ومن الأفلام العربية يتعرض المؤلف فى كتابه ، لفيلم «الأبواب المغلقة.

The Closed Doorsللمخرج «عاطف حتاتة» عن صبى مسلم ، يتحول ، على يد جماعة دينية إرهابية الى قاتل فى سبيل الله تلعب السينما المبدعة، دورا لكشف التناقضات المزمنة بين الروح والجسد وتحويل اللاوعى الى الوعى الأعلى الأرقى إنسانيا، فيدرك العقل الازدواجية فى القيم الاخلاقية والنفاق الاجتماعى والصراعات اللانهائية بين المقدس والمدنس والفرد والمجموع كما يكشف عن استغلال النظم السياسية لحاجات البشر الطبيعية للطعام والأمن والحب والجنس، لتحقيق الهيمنة على عقول الجماهير وتجميع الأموال.

رغم اختلاف الأديان فإن بلاد العالم تخضع لنظام واحد “طبقى أبوي” تحكمه قوانين السوق الرأسمالية المادية مع التجارة بالروحانيات، وقد حاربت الكتلة اليهودية المسيحية بالولايات المتحدة فيلمى «وودى آلان» و«مارتن سكورسيزي» بتهمة ازدراء الأديان إلا أنهم لم يستطيعوا منع عرض الفيلمين بل العكس فقد لعب الهجوم دورا فى انتشارهما وحصولهما على الجوائز .

أما فيلم «الأبواب المغلقة» فقد عرض منذ ثمانية عشر عاما ونال جوائز متعددة، واعتبره النقاد من الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية إذ يتعرض للسؤال الذى يشغل العالم: لماذا وكيف يتحول الإنسان إلى قاتل فى سبيل الله ؟

يكشف الفيلم عن العوامل النفسية داخل الفرد والعوامل الاقتصادية والتعليمية التى تهيئ الشباب لتكفير الآخرين كيف يكفر الفتى المراهق أقرب الناس إليه بعد انضمامه للجماعة الدينية؟ كيف استغلوا حاجته للجنس ليجعلوه قاتلا كيف أقنعوه بأنه سيدخل الجنة ويحظى بالملذات والعذراوات.

تعرض الفيلم لهجوم الجماعات الإرهابية، وكانت فى قمة عنفوانها فى مصر، ولم يعرض إلا أسبوعا واحدا.

يمكن للفن الجميل أن يهذب الأخلاق ويضرب التيارات المفسدة لعقول الشباب التى تدفع الذكور للعنف، واعتبار المرأة «متاعا» يحق للرجل استغلالها دون مساءلة تستطيع السينما المبدعة تجديد الفكر الدينى فهى تغزو الوعى واللاوعى الشعور واللاشعور خاصة الأطفال والفتيان فى مراحل التكوين المبكرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخلاق نتاج الحريه
عامر سليم ( 2017 / 3 / 1 - 10:14 )
حقاً الفن الجميل يهذب الاخلاق.

قبل سنوات قرأت حوار مع شيخ الازهر السابق طنطاوي , وحين سُأل عن حياته العاديه ونشأته , قال بالحرف الواحد : لم اشاهد فلماً او ادخل سينما في حياتي!

فأي روح جافه يمتلكها هؤلاء والتي لم تترطب وتستأنس بالفنون الجميله ؟ وكيف تكون نظرتهم للدنيا والاخرين! قلوبهم قلقه متوجسه لا تطمئن الا بذكر الله!
وبهذا الذكر الهستيري اليومي لله ( صلوات ,اذان,ادعيه,زيارات المراقد والقبور والجوامع, برامج دينيه مستمره, خُطب الجمعه....الخ) يتحول الذِكرْ هذا بفعل الروح الجافه والعقل المشلول الى سلوك وفعل اي الى القتل والارهاب في سبيل الله (فالله والدين مهددان باستمرار من قبل الاعداء ولابد من الدفاع عنهما!).

ففي فلم المخرج المبدع -وودي الن- (جرائم وجنح) الذي اشرتِ اليه في المقال يدور نقاش بين افراد العائله اليهوديه على مائدة الطعام حول الله والحقيقه وعلى اي جانب يجب ان نقف لو اختلفا؟
فالفنون الجميله تهذب الاخلاق وتكشف الحقيقه لانها نتاج الحريه , ومع الله نفقد الحريه وبالتأكيد نفقد معه الحقيقه.

تحياتي للكبيره نوال السعداوي

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran