الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قصص العرش - الله أحسنُ الخالقين

مالك بارودي

2017 / 3 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدخل جبريل طائرًا، يدور فوق العرش وهو يصيح.
جبريل: سبحانك، سبحانك، أين أنت؟
يصمت قليلا، منتظرًا سماع جواب، لكنه لا يسمع شيئًا، فيعيد الصّياح بأكثر قوّة. وبعد دقائق، تتحرّك شجيراتٌ على مسافة قريبة من العرش، ويخرج من بينها الله وهو يرتّب ثيابه.
الله: (غاضبًا) ماذا بك أيّها الأبله المخنّث؟
جبريل: أين كُنت، سبحانك؟
الله: (يحمرّ وجهه غضبًا) وما الذي يهمّك؟ أنا لا أُسألُ...
جبريل: (وهو يحطّ بجانب العرش، ثمّ يجمع أجنحته السبعين) عفوًا. نسيت.
الله: تبًّا لك ولذاكرتك عديمة الفائدة. كم من المصائب يجبُ عليّ أن أتحمّل بسببها...
جبريل: وما دخلي أنا في الموضوع، إذا كنت أنت الذي خلقتني وأعطيتني هذه الذّاكرة القميئة؟
الله: هل أفهمُ كلامك على أنّه لومٌ؟
جبريل: لا، لم اقصد هذا، لكن المفروض أنّك تعرفُ منذ البداية أنّك وهبتني ذاكرة فاسدة والمفروض أيضًا أنّك قادرٌ على كلّ شيء، بما فيه إصلاحُ أخطائي وهفواتي أو جعلي أتفادى إرتكابها...
الله: وهل لأنّه من المفروض يجب أن يتحقّق؟
جبريل: أوه... دعنا من هذا الموضوع، فلن نصل فيه إلى نتيجة... فأنت كائنٌ خارج المنطق...
الله: المنطق؟ ما هذا الهراء يا جوجو...؟ أصبحت تتحدّثُ مثل الملحدين...
جبريل: بصراحة، لديهم كلّ حقّ في قول كلّ ما يقولونه بشأنك وبشأن تصرّفاتك...
الله: ماذا تعني؟ أنا الله، يا عزيزي، هل نسيت ذلك؟
جبريل: وماذا يعني أن تكون الله؟
الله: يعني أنّه من حقّي أن أفعل كلّ شيء وأيّ شيء، ولا أحد يحاسبني على ما أفعله...
جبريل: للأسف، العقلُ الذي أعطيته للإنسان أصبح قادرا على محاسبتك... ولا أعتقدُ أنّ هذا الأمر كان في حسبانك...
الله: لا يهمّ إن كان في حسباني أم لا... في النّهاية سأُدخلُ العالم كلّه لجهنّم ولن ينفع النّاس شيء...
جبريل: أنا متأكّدٌ من ذلك...
الله: (يمسك بطنه فجأة) أوووووه... أووووه...
جبريل: ماذا هناك؟
الله: إنتظرني هنا... سأعود...
جبريل: أين ستذهبُ؟ هناك موضوعٌ يجب أن أحدّثك عنه...
الله: (وهو يجري بخطوات قصيرة وسريعة بإتّجاه الشّجيرات) لحظة... لحظة... سأعود...
يغيبُ الله خلف الشّجيرات... ثمّ تُسمعُ أصواتٌ غريبةٌ ومتقطّعة...
جبريل: (بصوتٍ عالٍ وهو يضحكُ) لماذا لم تقل لي أنّك كنت تتغوّطُ، سُبحانك؟
الله: في المرّة القادمة، سأضعُ إعلانًا على باب كلّ سماءٍ يقول: "الرّجاء عدم الإزعاج. الله يتغوّط"... ما هذه البلاهة؟ أليس من حقّي أن أتغوّط؟ هل تريدني أن أفعلها في ثيابي الإلهيّة؟
تُسمعُ أصواتٌ عالية، يهتزّ بسببها العرشُ...
جبريل: (يسدُّ أنفه) إففف... ما هذه الرّائحة الكريهة، سبحانك...؟
يُسمعُ صوتُ الله وهو يغمغمُ بكلامٍ مُبهمٍ متقطّعٍ يتخلّله صوتُ تغوّطه... تمرُّ دقائق، ثُمّ يخرُجُ الله من خلف الشّجيرات وهو يرتّبُ ثيابهُ...
جبريل: يالها من رائحة نتنة، سُبحانك... (ضاحكًا) هل أكلت جيفةً البارحة...؟
الله: جيفة...؟ وهل أنا ضبعٌ أو خنزيرٌ، يا ملعون...؟
جبريل: كُنتُ أمزحُ معك... لكن، قُل لي ماذا حدث...؟
الله: لا شيء...
جبريل: لا أُصدّق أنّ كلّ هذا كان بلا سببٍ...
الله: في الحقيقة، خطر لي البارحة أن أخلق نوعًا جديدًا من الفواكه، وبعد أن خلقتُ تلك الفاكهة، أعجبني منظرها فأكلتُ منها...
جبريل: ألم تكُن تعرفُ مضارّها عندما خلقتها...؟
الله: يبدو أنّ هناك خللًا ما حدث أثناء الخلق...
جبريل: كالعادة...
الله: ماذا تعني؟
جبريل: أنت لم تخلق شيئًا بلا عيوب، منذُ أن عرفتُك...
الله: لا... أنت تكذب... كلّ الأشياء التي خلقتُها جميلة وخالية من العيوب... عدا شيئين أو ثلاثة...
جبريل: لا تُكابر، سُبحانك...
الله: رُبّما تكون هناك عيوبٌ في أربعة أو خمسة أشياء...
جبريل: لا تُحاول التّقليل...
الله: حسنًا... لنقُل أنّ العيوب في عشرة أشياء... أو عشرين...؟ أو ثلاثين شيئًا...؟
جبريل: (ضاحكًا) كأنّنا نبيعُ البطاطا، سُبحانك... قُل هذا الكلام للآخرين، وليس لي أنا...
الله: حسنًا... حسنًا... ولكنّني أحسنُ الخالقين، رغم كلّ شيء... من يستطيعُ أن يقول شيئًا غير هذا؟
جبريل: أحسنُ الخالقين...؟ إذا كان أحسنُ الخالقين لديه كلّ هذه العيوب، فكيف لو كُنتَ أسوأهم...؟ ثمّ من هم هؤلاء "الخالقين" الذين تضعُ نفسك في مقارنة معهم...؟
الله: لا أعرف... لكنّها عبارةٌ رنّانة... لا شكّ أنّها ستُعجبُ عبادي المسلمين المؤمنين بي... سأضعُها في سورةٍ لاحقًا...
جبريل: آه، تذكّرتُ...
الله: ماذا؟
جبريل: قُثُم... عفوا... محمّدٌ يريدُ سورةً جديدة...
الله: هل حدث شيء جديدٌ في مكّة...؟
جبريل: لا جديد... الحياةُ عاديّةٌ هناك...
الله: اللّعنة...
جبريل: لماذا؟
الله: كيف أكتُبُ سورة جديدة واللأحوالُ عاديّةٌ...
جبريل: حتّى أبو الحَكم مشغولٌ في تجارته ولم تحدُث بينه وبين محمّد أيّة مناوشات...
الله: لم يحدُث شيء...؟ غريب... لماذا لا يتحرّشُ أبو جهلٍ بمحمّد...؟
جبريل: لماذا كلّ هذه الأسئلة...؟ ألستَ تقولُ أنّك تعلمُ كلّ شيء...؟ فلماذا تسأل؟
الله: لو كُنتُ أعلمُ كلّ شيء لما جعلتُك مُلاصقًا لمحمّد كأنّك ظِلُّه... لكن، لا يهمّ...
جبريل: حسنًا... وماذا عن السُّورة التي طلبها محمّدٌ...؟
يُمسك الله بطنه من جديد...
جبريل: ماذا أقولُ لمحمّد...؟
ينحني الله وهو يتوجّعُ...
جبريل: ماذا...؟
الله: وهل أنا كاتبٌ عند أُمّهِ أو أُمّك... ليتصرّف... ليقُل كما يقولُ العرب...
يجري الله بإتّجاه الشُّجيرات من جديد...
جبريل: (بصوتٍ عالٍ) هل هذا آخرُ كلامٍ لك...؟ هل أقولُ لهُ أن يأتي بسورةٍ من عنده...؟
الله: نعم... قُل لهُ أن يتصرّف... إذهب الآن...
ترتفعُ غمغمةٌ من وراء الشّجيرات...
الله: أووووه... اللعنة عليّ... ما الذي دهاني لأجرّب تلك الفاكهة الملعونة...؟ اللّعنة عليّ... لن أخلق شيئًا بعد اليوم...
ينشُر جبريل أجنحته ثمّ يطيرُ وهو يقهقه...
.
----------------
الهوامش:
1.. الفصل السابق: "من قصص العرش - الله وسورة التّكاثر":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=548729
2.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي خرافات إسلامية:
https://archive.org/details/Islamic_myths
3.. صفحة مالك بارودي على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال