الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة بين الحركة والجمود

فوزي نصر

2006 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الثقافة هي الأداة التي تتحكم بتقدم الشعوب ، وهي الوسيلة التي تعزز نهوض المجتمعات وقد برز منها تيارات وثقافات مختلفة أهمها :
الثقافة المتحركة : وهي التي تعمل على تحريك المجتمعات ودفعها الى التطور ، حيث يكون لها حرية الحركة بدون أي قيود ، ولا تخضع لرقابة أو سلطة هدفها تحسين أوضاع المجتمع ورفع شأنه ومستواه 0
تعمل بحرية وتنطلق مع فئات المثقفين تحاور جميع الشرائح وتبني مختلف البنى الثقافية التي تجسد آمال وتطلعات الشعب ، إنها تتحرك في داخل المجتمع عبر اتجاهات اجتماعية وتقدمية واقتصادية ، ولها مؤشرات تستمد منها جميع ما ينتجه العالم بحيث تمتزج مع جميع الثقافات تأخذ منها وتعطيها وتعمل على دعم حضارة الشعوب 0
وهي التي تحرك الشعوب وتقودها الى الحياة والمستقبل وهي ثقافة مستنيرة واضحة تعمل في الفضاء الرحب الواسع ، لا تقف عند حدود ، ولا تتقيد بضوابط السلطة ولا بالعراقيل والقيود 00لا تقبل التهميش ولا التفتيش فهي رقيبة على ما تنتجه لأنها سوف تقدمه على موائد الثقافة المحلية والعالمية بعناوين كبيرة ورموز ساطعة ولاشك بأن مياهها صافية نقية وذلك من خلال جريانها بين سواقي العلم والمعرفة إنها معطى حضاري 0
مياه الثقافة حين تتحرك تسقي جميع النفوس العطشى ، وتروي الأشخاص الذين هم في ظمأ لها كما تسقي المياه السائلة جميع الأراضي التي تلامس سطحها ، فالثقافة المتحركة إذا ركدت قد تتعفن وتصبح آسنة إن لم نستطع نشرها وتحريكها 0
أهداف الثقافة المتحركة :
ـ خدمة الشعب وإعادة إنتاج وعي متعقلن ، وتوسيع الأبعاد المعرفية بحيث يتصل البعد المعرفي لأي شخص بالبعد ذاته للشخص الآخر وبذلك سوف تعمل على حصول حلقات إرتباط بين البشر في توثيق هذه الثقافة وبذلك لن تكون الثقافة عملية وهمية ، أو خطابا عاما بل برنامج عمل واعي 0
ـ تحرير العقول وتسليحها بالوعي من خلال ذلك إنتاج علاقات إجتماعية صحيحة ترتكز على حرية العمل وترتبط بوشائج مصيرية هادفة 0
ـ السعي لتحقيق مطالب وأماني الجماهير من خلال الثقافة الحرة التي تعتمد على الديموقراطية والعمل ضمن
مؤسسات مدنية في حضور المجتمع المدني
ـ كسر الجمود الذي يشكله الترف الفكري ونزع القشرة التي تغلف أداء الحرية والعقل الحر عبر عالم منفتح ومتطور لفتح آفاق الفكر وتوسيع رؤيته 0
ـ إنتاج حضارة متطورة تخدم المجتمع وتحمله على النهوض بكافة الإتجاهات 0
فهي تجعل همها خدمة الشعب ، وتحقيق مطالبه وآماله ، وتعبر عن ثقافة متحررة داخل العقول ترسم خطى وتطلعات أصحابها لتعيد إنتاج وعي معتمد على العقل 0 فهي ليست دراسة وهمية ، أو خطوطا مزينة وليست كسادا في منتجات العقل إنها رؤية واضحة منيرة ومستنيرة خلاقة مبدعة 0
فهي تستند الى الماضي ، وترتكز على الحاضر وتعمل من أجل المستقبل ورغم أنها ترسم الأبعاد الجدية من أجل مرجعية سياسية تقوم على الرؤية والتطلع لتقدم الجمهور ضمن علاقات ونظم صحيحة 0
وبما أن هذه الثقافة تعتمد على العقل والتطور العلمي ، فلا بد لها من كسر حاجز الخوف المنبعث من السلطة ، وتعرية الظلم والتسلط والإستبداد لأن هدف هذه الثقافة هو النهوض بالواقع وزرع حدائق الوطن بالورود من خلال البحث العلمي المتجدد للوصول إلى حضارة متطورة وتقدم فكري وعلمي يستند إلى المعرفة 0
الثقافة الراكدة : التي لا حراك فيها وهي خاصة باشخاص يخدمون أنفسهم ، وهي تكون في الواقع عبارة عن ثقافة مسيجة داخل عقول لا تستطيع النفاذ الى الآخرين ، فهي ثقافة جامدة أو مجمدة 0
وقد تهتم هذه الثقافة بنوع معين من العلوم وتسير في إتجاهات مختلفة لكنها تبقى حبيسة ومعزولة بين أفكار أصحابها الذين يتواصلون فيما بينهم ، لا يدخلون الى عقول وأفكار الشعب ولا الى الفئات الأخرى ويبقى نتاجهم الفكري في المستوى النظري وليس له أي بعد عملي يعاني من عزلة داخل الأشخاص الذين يتسترون بأوهام الوعي ، إنهم يفتقدون للثقة ، وينتجون ثقافة قد تكون معلبة ومسمومة 0
وقد يكون الخوف وهاجس العيش بأمان من الأسباب التي تنتج ثقافة راكدة خالية من الحركة 0إن الثقافة بشكل عام هي مولود يسير على قدمين ، لكن الثقافة الراكدة لا تسير إلا على قدم واحدة
فالثقافة هوية متميزة لها سمات العصر الذي يعيش فيه المثقف ولا بد من مواكبة العصر بخطوطه الثقافية وخطواته الإبداعية 0 العصر يفرض سماته على المثقف ويسبغ عليه صفات العصر وميزاته لذلك لا بد من القول أن كل فارس هو ابن عصره ، وكل ثقافة لها زمنها لكن الثقافة لا بد له أن تترك بصماتها على الزمن الذي توجد فيه 0
والثقافة السلطوية :
تستند الى نظرية ميكافيللي التي تعتمد على الغاية تبرر الوسيلة ، وقد راقت هذه النظرية للحكام وزرعت فيهم حب الذات والعمل بطبيعة الإنسان ( أي الأنانية ) وابتعدت هذه النظرية عن المصلحة العامة ، لذلك فالثقافة السلطوية لها أميرها الخاص فهي دائما مع الأنا وتنكر الآخر أو تقمعه نهائيا وهي التي تسيطر عليها السلطة وتسخرها إلى صالحها ، وبما أن الدولة تقوم على أساس الصالح العام للأفراد أي حماية حقوقهم الطبيعية وعدم الإعتداء عليهم ، وقد وجدت نظرية العقد الإجتماعي ، وأفكار الثورة الفرنسية التي ساهمت في نشر الديموقراطية وقد كانت هي المسيطرة على سياسة القرن التاسع عشر 0
لكن ميكيافيلي عمل على فصل السياسة عن المثل والأخلاق ، واعتبر السياسة فنا وجعلها صناعة أو حرفة
وقال بما أن الإنسان بطبعه أناني فالحاكم يعمل بهذا الدافع بالمحافظة على السلطة 0 وقد ركز ميكافيلي اهتمامه على شرح مختلف الوسائل التي يستطيع الحاكم بوساطتها البقاء في الحكم ، وفي هذا المجال كل شيء جائز طالما أنه يؤدي الى النتيجة ، بغض النظر عن المعايير الأخرى التي تلزمه
ولقد كتب هولمز في مجال القانون العام : إن أصل القانون ليس المنطق ، بل التجربة فلا يوجد مقياس موضوعي فوق الرغبات وقرارات البشر يقاس به الحق والباطل والخير والشر ، بل هناك ما يقرره الإنسان
أي تجربته الشخصية ، وبذلك يكون القانون رهنا برغبة البشر ( انظر المستقبل العربي ص84 ع2/96 ) 0
وهكذا بحسب آراء هولمز يكون ما يلائم القوي أو الحاكم هو مقياس الحق والباطل وأساس القانون ، فالذي يمسك الميزان ليس معصوب العينين بل مبصر يرى ويحكم بحسب خبرته ورغبته وما يرى فيه مصلحته 0
وجاء المبدأ القائل من ينجح فهو على حق ، ومن يفشل فهو على باطل ، إذا نجح الثوار أصبحوا أسيادا وإذا خسروا كانوا خونة ، تلك ثقافة السلطة تتقاذفها تيارات مختلفة وتسودها نظريات متباينة وهي تختلف ما بين الغرب والشرق 0 أما الحكم التسلطي فقد الثقة بمن حوله وأصبح هو محور كل شيء تلك مصيبة الحكام العرب الذين ضيقوا الساحة الديموقراطية ، وصادروا منابع الثقافة وسواقيها 0
لذلك نرى في مجتمعنا العربي معظم الحكام يخافون التنوير : فكثير ما تقوم السلطة بمحاصرة الثقافة أو تهميشها وهي بذلك تعمل على تهميش المجتمع ومحاصرته ، لأن المثقف هو حلقة الوصل بين الناس جميعا وقد تقوم بفعل الإقصاء للمثقف وإبعاده عن مسرح عمله ، وهذا يسبب ما يسمى بالإفقار الثقافي ، وهذا هو إفلاس شنيع للدولة ، ومضر بمصالح الوطن والمجتمع ، فلا يمكن أن يعيش المواطن من دون ثقافة ولا الوطن بدون مثقفين ، أما مثقفو السلطة فهم سجود ركوع ومداحة في كل الأوقات 0
مهمة الثقافة المتحركة أنها :
تعمل على بناء المجتمع السياسي الذي يرتكز على قواعد الحرية وسيادة القانون ، كما تؤسس لمجتمع مدني تسود فيه المؤسسات والجمعيات 0 وتقوم على قاعدة التعاون المشترك في الداخل والخارج 0
فهي الثقافة التي تنتقل بين الناس بمختلف شرائحهم وهي التي تدعم الصالح العام ، وتمثل حركة إيجابية في مؤسسات الدولة ، والمؤسسات المدنية ، فهي ثقافة سائلة تغذي بجريانها شرايين الأمة وترفدها بروافد التطور والحراك المجتمعي والثقافي والسياسي ، وهي أيضا ثقافة تهم الأفراد وتعلو بهم الى مستويات التفوق وإنشاء المجتمع العارف الذي يحسن إنتاج الإدارة الصحيحة التي تسعى لتقدم ونهوض المجتمع 0
وأقول ذلك بأنها ليست من نوع العولمة التي تقتحم الحدود ، وتنزع هويات الثقافات الأخرى ، وتلغي الحواجز لكنها من نوع الثقافة التي تتفاعل مع غيرها بحيث تأخذ وتعطي ، تفتح نوافذها وتسمح بدخول جميع نسمات الوعي ، لكن لا تسمح بإقتلاعها من واقعها ومن أرضها 0 وإذا كانت الدول الغربية والولايات المتحدة تسعى لإختراق عالمنا فهذا يدل على ضعف بناؤنا الثقافي ، وعدم صمودنا تجاه الرياح العاتية التي تهب على منطقتنا وعلى ضعف السلاح الذي بين أيدينا 0
وقد قال غاندي لا أسمح لأي ثقافة أن تقتلعني من أرضي 0
وقد قادت الأديان دول العالم في العصر الوسيط وكانت السلطة لرجال الدين والكهنة الذين سيروا العالم بطريقة تفكيرهم ، وحسب ثقافتهم ، ثم طرأت تحولات كبيرة على مجتمعات أوروبا خاصة وأصبح أرباب الثقافة والعلم هم الذين يقودون العالم 0 وتقلصت الأفكار الدينية ، وحلت محلها العلوم والثقافات الحديثة وبدأ عصر جديد ساهم فيه المثقفون بنشر الوعي والحرية والديموقراطية ومبادئ القانون وانسحب رجال الدين بعد صراع طويل وأفسحوا المجال أمام عصر العلوم لتكون الثقافة هي مفتاح تطور المجتمعات 0
وأصبح العلم القائد والأداة أو الوسيلة التي تتشكّل من خلالها المعرفة , ومن ثم الثقافة الإنسانية. وأصبح العلم مسؤولاً عن ذلك لدرجة أن الابتكارات التي يتوصل إليها بشكل شبه يومي , أصبحت تقود الإنسان إلى عوالم قد تكون مصورة في خياله 0 فالحراك الثقافي يقود إلى التطور ثم إلى النهوض والوصول إلى عالم متقدم ومتطور ، ورغم أن الثقافة قد تكون ممثلة للتراث بنظر البعض ، أو قد تكون هوية تميز هذه الثقافة عن تلك لذلك فقد قال لوك بضرورة سيادة القانون والحرية :
لوك يعطي تحليلا خاصا وواضحا وعميقا . إنه يعتبر أن سيادة القانون والحرية هما الأكثر ضرورة من الشروط الأخرى لبناء المجتمع السياسي . هذا المذهب الذي أعطاه لوك شكله النظري سيصبح قلب أو جوهر الليبرالية الحديثة
الحرية عند لوك ليس أن نفعل كل ما نريد وكل ما يرضينا . إنها شيء آخر تماما ، وهي بلوغ حالة لا نخضع فيها لسلطة تعسفية لأي " آخر " : " الحرية الطبيعية للإنسان تؤكد عدم خضوعه لأي سلطة على الأرض . الحرية للإنسان داخل المجتمع تؤكد عدم خضوعه لهيمنة أية إرادة " . بمعنى آخر ، الحرية ليست سلطة ، ولكنها علاقة اجتماعية ، والمناقض أو عكس الحرية ليس الضرورة وإنما القهر أو الإكراه " ".
وهكذا فالثقافة المتحركة هي التي تنتج مجتمعا حرا وديموقراطيا تسود فيه جميع مكونات المجتمع المدني والحراك الإجتماعي المرتكز على النزوع دائما للأفضل ومواكبة التطور 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية