الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟

طوني سماحة

2017 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يصير الحجر خبزا؟ بالتأكيد لا! لكن الحجر يتفتت ترابا، والتراب ينبت قمحا والقمح ينبت خبزا، والخبز يشبع جوع الانسان، ومن ثم يمضي الكثير من الجياع شباعا والشباع جياعا.

كان يسوع صائما في البرية لأربعين يوما، لم يأكل شيئا وجاع أخيرا. أتاه الشيطان، أراد أن يمتحنه، أراد أن يعطيه خبزا من زرعه. خبز الشيطان لم ينبته تراب الأرض، هو أسود اللون لم يعجن بماء االسواقي ولا المطر، بل عجن بدموع الظلم، وخُبزَ على نار القلوب التي عششت فيها الخطيئة. خبز الشيطان لا يغني عن جوع، بل يزيد من جوع الجائع. الخبز الذي يقدمه الشيطان للإنسان مسموم بالطمع والكراهية والحقد والقتل والاعتداء والاغتصاب والانانية وحب الذات، فكيف لمن يأكله أن يحيا؟

وقف الشيطان امام يسوع. رآه جائعا، منهكا، هزيلا. رأى الفرصة سانحة لكي يقتنصه في شباكه. عادة ما ينحني الجائع أمام الخباز من أجل كسرة خبز. الجائع يزحف تحت أقدام من يمتلك الخبز لأجل الفتات. يصنع الجائع كل ما يطلب منه لكي يأكل خبزا ناشفا، يابسا، عفنا. أدرك الشيطان أنه يمتلك عناصر القوة أمام هذا الرجل الخائر القوى في البرية التي لا تنتج سوى شوكا وحسكا. قال له "إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا"، فأجابه يسوع قائلا "مكتوب: أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله".

لم يكن إبليس يدرك أنه يقف أمام صانع الحياة. لطالما استعبد الشيطان الانسان بالرغيف. استغل حاجة الانسان للخبز لكي يجعل من الواحد عبدا للآخر. كان الرجل يشتري اخاه بكيس من القمح. ثمن الانسان لا يتعدى شوال شعير. كم من رجل سجد للشيطان من اجل الخبز؟ كم رجل باع حريته من أجل القمح؟ ومع ذلك بقي الجائع جائعا بغض النظر عن عدد الارغفة التي يأكلها. أراد الشيطان أن يفرض قواعد اللعبة على المسيح، لكن ليس كل من لعب اللعبة لاعبا، ولا كل من جاع يرضى أن يلعب لعبة الموت ليشبع جوعه. كان المسيح شبعانا حتى ولو لم يأكل خبزا من أربعين يوما، وبقي خبز الشيطان مسموما لا يسد رمقا ولا يغني عن جوع.

لم يخب إبليس. أصعد يسوع الى جبل عال. أراه جميع ممالك المسكونة. هناك للحظة من الزمن لاح جبل الجلجثة أمام يسوع وفي أعلى الجبل صليب. لاحت على شفاه الشيطان بسمة المنتصر. كل إنسان يخشى الموت، فما بالك إن كان الموت موت الصليب؟ قال له إبليس "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إليّ قد دفع، وأنا أعطيه لمن أريد، فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع". أراد الشيطان أن يقايض الموت بالألوهة. أراد أن يوحي ليسوع أن "لا حاجة لك كي تموت على الصليب لكي تسترد العالم من قبضتي. هوذا العالم هدية لك على صحفة من ذهب، إن أنت رضيت فقط أن تسجد لي". إن سجد يسوع للشيطان تتحطم فكرة الاله. تموت فكرة الخالق. تندثر فكرة معطي الحياة. إن سجد يسوع للشيطان يموت الله، وبموت الله يموت الانسان، ويزول كل معنى للحياة، وتنحصر الحياة بين لحظة الولادة ولحظة القبر، لا أكثر ولا أقل. إن مات الله تموت فكرة العدالة والثواب والعقاب، ويصبح الموت الغاية القصوى والهدف الابعد للحياة. نظر يسوع وقال "اذهب يا شيطان إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".

لم يتعب الشيطان، أتى بيسوع الى جناح الهيكل. قال له "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". كان هدف الشيطان التشكيك بألوهة الإله. لو توقف الله عن أن يكون إلها، لاختلفت قواعد اللعبة وتغيرت المعايير واختلفت المقاييس وانعدمت الرؤيا. لو توقف الله عن ممارسة دوره، لما عاد هناك من قاض ولا ديان ولا شرائع، إنما لكل رجل إلهه وشرائعه ورؤيته. إن توقف الله عن كونه إلها لما عاد هناك خير ولا شر، فضيلة أو رذيلة، بل تصبح الحياة غابة يأكل قويها ضعيفها دون حساب او عقاب ويصبح الحق في جانب القوي مهما كانت حجة المظلوم قوية. "إن كنت ابن الله!" كل ما كان الشيطان يود إيحاءه للمسيح "أنك لست ابن الله، أو على الأقل،إن كنت ابن الله، اسجد لي ودعنا نتقاسم الألوهة، دعنا نلعب اللعبة حسب قواعدها، وليربح من يربح وليخسر من يخسر". للمرة الأخيرة أجاب يسوع وقال للشيطان "إنه قيل: لا تجرب الرب إلهك".

انتهت اللعبة. لم ينجح خبز الشيطان في سد جوع الجائع، فخبز الموت طعام الأموات، وخبز الحياة طعام الاحياء. ولم تنجح ممالك الدنيا بأن تغري الغني، فالغني لا يزداد غنى بممتلكاته، لا بل كم من غني فقير وكم من فقير غني. كذلك لا يحتاج الله أن يرمي نفسه من أعلى كي تلتقطه الملائكة حتى يثبت ألوهته. فمن كان الله في قلبه يراه ويعرفه، ومن لم يعرف الله لن يتعرف عليه حتى لو رآه يسقط من أعلى على أيدي الملائكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Sami Simo
طوني سماحة ( 2017 / 3 / 15 - 02:20 )
ويبقى المسيح مثالنا الذي نتعلم منه كل يوم. تحية اخي سامي


2 - بولس الرسول
عادل ياغي ( 2017 / 3 / 17 - 09:29 )
هل صحيح أن بولس الرسول هو بالحقيقة جاسوس روماني كما كتب النمري في الرسالات السماوية؟


3 - بولس الرسول
طوني سماحة ( 2017 / 3 / 17 - 21:32 )
الاخ المحترم عادل ياغي
من حق كل انسان ان يكتب ما يريد. لكن لم اقرا في حياتي اي مرجع علمي يذكر ان بولس الرسول كان جاسوسا رومانيا. ولا ننسين ان بولس الرسول قطع رأسه على يد الرومان بحسب التقليد المسيحي. ان كان السيد النمري قد كتب ان بولس جاسوسا، عليه ان يقدم الدليل من مرجع يعود الى العصور المسيحية الاولى. وفي حال لم يكن هناك دليل، يبقى ادعاء السيد النمري مجرد كلام. شكرا لك

اخر الافلام

.. السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلو


.. تكبيرات العيد في الجامع الازهر في اكبر مائدة إفطار




.. شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء


.. 41-An-Nisa




.. 42-An-Nisa