الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [11]

وديع العبيدي

2017 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
ياهودايزم
[11]

لابد ان خبر اعتناق القيصر للمسيحية، وقع كالصاعقة على قلوب اليهود، الذين لم يألوا جهدا للوشاية والتنكيل، بأتباع (الطريق). وكانت السلطات الرومانية هي الوسيلة والاداة التي استخدمها اليهود للقصاص من اعدائهم، فكيف العمل، ورأس الأمبراطورية الاعلى، الان، داعية الدين الجديد؟.
هنا، تقتضي الضرورة التساؤل، لماذا لم يقم قادة اليهود وكهنوتهم، بتنفيذ القتل بأيديهم، وحاجتهم الدائمة لجهة خارجية، تتولى عنهم، تنفيذ توصياتهم/ (القتل بالانابة). وقد طرح بيلاطس النبطي حاكم القدس هذا السؤال على الفريسيين الذين طالبوه بقتل يسوع الجليلي.
"خرج اليهم بيلاطس وسالهم: بماذا تتهمون هذا الرجل؟..
أجابوه: لو لم يكن مذنبا، لما سلمناه اليك؟..
فقال بيلاطس: خذوه انتم وحاكموه حسب شريعتكم!..
فاجابوه: لا يحق لنا أن نقتل احدا!"..- (يو 18: 29- 31)

والان.. ماذا يعني القتل؟.. أليس مجرد الاتهام، أو الاصرار في طلب القتل، قتلا؟.. ان كل اللوائح القانونية المعاصرة، تعتبر الاتهام والتحريض والمساعدة بالقول او الفعل، مساهمة في القتل. فكيف يبرر العقل اليهودي موقفه، في مقتل يسوع الجليلي وسلسلة تلاميذه واتباعه في القرون الثلاثة الاولى.
في محاكم النازية، لم يقتصر الادعاء والقصاص على كبار الدولة ومسؤولي السجون، وانما شمل موظفي القطارات في اوربا الشرقية، لمجرد وجودهم في الوظيفة، خلال تسيير قطارات تحمل معتقلين يهودا. فبالمنظور اليهودي، كل موظف في الدولة والجيش الالماني في عهد ادولف هتلر، هو قاتل ونازي.
بل أن قادة اليهود والصهيونية العالمية، وهم يحملون الجنسية الالمانية، ويعيشون في المانيا، منذ قرون، يعتبرون كل فرد الماني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بما فيهم المواليد الجدد، ممن لم يخدم اجدادهم في الدولة في عهد هتلر، متهما بالنازية، حتى تثبت براءته. وهو ما يتبدى من الدعايات الصهيويهودية السنوية التي تنشرها منظمات وهيئات يهودية مختصة بالتذكير بمعتقلات اوشفتز، واقامة المعارض المتنقلة داخل المانيا على مدار العام، لكي يعرف كل طفل الماني، ما اقترفه اجداده بحق اليهود، بحسب تعبير احد رؤساء تلك الهيئات.
مثل هذا المنطق، ومثل هذا الامتياز، لم يسبق لجهة او فئة او جماعة، الاجتراء على ادعائه او المطالبة به. وبالطبع، ما كان هذا الطرح ليسري، لولا الحضانة الانكلوميركية للفكرة الصهيويهودية منذ 1070م وقبل صدور الماجناكارت في انجلتره.

ثمة أمران يمكن استشفافهما من النص والتطبيق السالف..
1- أمر ديني: التزام اليهود بالقراءة الحرفية والتفسير الحرفي للنص الديني، وبالتالي، امكانية الالتفاف ومراوغة النص اللغوي اللفظي، خلاف معناه. فالقتل هو تنفيذ الفعل بيدك، ولكن الاشارة او التحريض/ الفتوى ليقوم به اخرون، ليس قتلا. وكما سبق، فأن القانون المدني اكثر دقة ورقيا في هذا المجال. والتفسير الحرفي، هو دالة المسيحية اليهودية، عند الطوائف الملتزمة والداعية اليه، مثل انصار الانجليزي جون داربي واتباعه المعروفين بطائفة (الاخوة)/[Brethern] الاكثر انتشارا في مصر، وهيمنة وعاظهم على القنوات المسيحية العربية. ومنهم التعليم المسيحي الاميركي الذي يتصدر الفضائيات المسيحية وشبكات النت الجديدة، ومن بين رموزها يهود متنصرون بروتستانت، يتركز وعظهم على وصايا الاسفار الموسوية أساسا.
2- سياسي عملي: ازدواجية المعايير والقيم الاخلاقية، الدينية والسياسية. وهي الظاهرة التدميرية الاكثر شيوعا في السياسة والديانة العالمية، حيث يحق لي ما لايحق لك، ويحظر عليك ما لا يحظر لي، وهو تطبيق عنصري فاشي، لمبدأ التفوق والتسلط، ذي الجذور الدينية البرجوازية المريضة.

وهذا يقود لفرضية انتشرت عقب تأويلات ما دعي بنظرية التطور وأصل الانواع، تمثلا بمبدأ [البقاء للأقوى] أو [البقاء للأفضل]، التي كانت اساسا تبريريا لحركات الاستعمار وغزو البلاد الاقل تقدما. وفي الحالين، نجد ان الغرب، اعتبر نفسه الاقوى عسكريا، والأكثر ذكاء وتطورا فكريا من بقية العالم. مما شكل جوهر [المركزية الاوربية] التي قادت العالم لتتحول الى [المركزية الغربية] متضمنة الولايات المتحدة الحديثة الظهور، قبل ان تستقر في [المركزية الاميركية] منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والأكثر وضوحا عقب سقوط حائط برلين، والالفية الجديدة. حيث لا يجرؤ -أحد- على معارضتها، او مساءلتها، وتتصرف بوصفها الحكومة العالمية، بزعامة..
1- البيت الابيض- القيادة السياسية.؟
2- مؤسستي النقد والبنك الدوليين- القيادة الاقتصادية.
3- الناتو/ المارينز الاميركي- القيادة العسكرية.
4- التقرير الامريكي السنوي لممارسات حقوق الانسان الذي تصدره الارجية الاميركية- القيادة الاخلاقية.

وهل من دولة اليوم، لا تطبق حرفيا املاءات الامبراطورية الاميركية وتمالئها. مع استثناء وحيد وأوحد، هو دولة اسرائيل، -طبعا-، والعرق اليهودي في العالم.

لا يذكر التاريخ، ظهور محاولة لاغتيال قسطنطين بدالة دينية. واذا حصل، فلا يذكر اليهود وراء كواليسها. ورغم انتشار الاغتيالات العسكرية، لا تذكر مرجعيات الضباط ودوافعهم.

هنا يلحظ انطباع عام في السلوك اليهودي عبر التاريخ، هو (المرونة والليونة). وباستثناء ظاهرة دولة اسرائيل المعاصرة -التي اعلن ديفيد بن غوريون قيامها في خطاب اعلامي في الساعة الرابعة من مساء الرابع عشر من مايو 1947م-؛ لا يوجد ما يشير لاعتماد الشخصية اليهودية العنف الجسدي المباشر- حرفيا، وهو أمر لا ينفي وقوفهم وراء- وتحريضهم، عناصر اخرى على ممارسته لخدمتهم، وهو الاكثر شيوعا.

ان مثل هاته الاشارة، ضرورية جدا، لفهم احداث وظواهر ومنعطفات تاريخية، طالما اعتبرت قضاء وقدرا، او سجلت ضد مجهول، تجاهل التاريخ تحليلها والوقوف عندها. وهذا يتصل، بفقرة سالفة، حول انتشار اليهود في مجتمعات العالم، وتعاونهم الداخلي- العالمي- الوثيق، في سياق تجاري/ ديني/ سياسي. وهذا ما يجعل حدثا في اقصى شرق اسيا، وحادثا في جنوبي اميركا، يكون وراءهما دافع واحد.

وفق منطق المرونة، والليونة، جاء قرار اليهود، بتجاهل امر –اعتناق القيصر للمسيحية- واستمرار تعاونهم واستفادتهم من السلطات، طالما لا يوضعون فيه، في موضع الاتهام. وهكذا، تنازل اليهود عن سياسة الاتهام والافتراء والتحريض، الى موقف آخر، سيكون أكثر خطورة، وأصعب تبعات. الموقف الجديد، هو تسلل عناصر يهودية لاعتناق الديانة الامبراطورية الجديدة، دون تنازل عن عقيدتهم، والتزامهم بطقوس عقيدتهم الام.
وهو نفس الامر الذي اتبعه بعض اليهود في ظل الباب العالي العثماني، واشتهر باسم -طائفة- يهود (دونمه). وقد لاحظت عدم توقف الباحثين والمؤرخين عند معنى تسمية (دونمه) التركية الاصل. (دونمه) لفظة تركية مركبة، تتكون من فعل منفي، بمعنى رجوع/ عودة/ ذوبان. (دون) بالواو المخففة، مثل لفظ -نهر الدون الهادئ،-. معنى (دون)= عودة/ ذوبان. أما المقطع الاخير [مه/ Ma] فهو دالة النفي بالتركية الملحقة بنهاية الفعل. والمعنى الكلي: لا ترجع/ لاعودة، وقد تكون بمعنى (ذوبان)، أي عدم ذوبان، او لا تذب!. ومنه لفظة (دوندرمه) التركية الاصل، التي كانت شائعة في العراق قبل استفحال مفردة (ايس كريم) الانجليزية، (بوظة) بلغة اهل الشام.
ويلزمنا هذا التداخل والتشاكل اللفظي اللغوي، دراسة مصطلح أقدم في صدر الدولة الاموية المشهور بـ(الرجعة)، أو (اللارجعة) وورائياتها الثقافية..

ان توقف ما دعي بعصر الاستشهاد والاضطهاد المسيحي في أدبيات الكنيسة، قابله ما هو أتعس وأزرى، وهو الصراع الدموي المسيحي المسيحي، وسلسلة انقسامات الكنيسة وخلافاتها، الحافلة بمختلف مستويات العنف والتصفية والتهميش والاتهام. وستكون مصر القبطية، في صدارة سيناريو الخلاف والانقسام والعنف داخل البيت المسيحي. والذي بدل الوحدة والاتحاد – كونوا واحدا، ليكن لكم رأي واحد-، اشتعل بالنار من داخله ولم تنطفئ حتى اليوم، حيث يعد عدد الطوائف المسيحية والعقائد الرئيسة والضمنية بالالاف. وتلك هي الظاهرة التي انتقدها الفكر الاسلامي [البقرة 252، النساء 171]، وشكلت احد اسباب ظهوره، وانتشاره تحت راية (التوحيد).

منذ عهد قسطنطين الاول، مؤسس امبراطورية بيزنطه، حتى اخر أباطرتها، كان الانقسام الديني، والمفاوضات الكنسية، والجهود الامبراطورية الشخصية، الشاغل الرئيس للامبراطور بعد فراغه من الاضطرابات الاقليمية. وكانت العامل الأول في سقوط امبراطورية الغرب العالمية في سعيها لتطبيق شعارها الدائم [اله واحد، ديانة واحدة، امبراطور واحد]!..
وفي ذلك سبق ان خاطبهم بولس الطرسوسي: " من سحر عقولكم؟.. أنتم الذين قد رسم أمام أعينكم المسيح وهو مصلوب!.. أريد أن أستعلم منكم هذا الامر فقط، أعلى اساس العمل بما في شريعة موسى – الطقوس- نلتم الروح؟.. أم على أساس الايمان بالبشارة؟.. أ إلى هذا الحدّ أنتم أغبياء؟.. أبعدما ابتدأتم بالروح، تكمّلون بالجسد؟.. وهل كان اختياركم الطويل بلا جدوى، إن كان حقا بلا جدوى؟"!!. – (غلاطيه 3: 1- 4).

وهذا ما يؤكد، ثمة، ان فشل رؤية اباطرة روما في اتخاذ المسيحية الرسمية، اداة لدعم وحدة الدولة والمجتمع، وطريقا لتحقيق الاستقرار والحياة الافضل.
فالدين، كمنظومة وتكنيك، هي افراز لعوامل الاضطراب وعدم الاستقرار، كالقلق والخوف والكراهة، مما يجعلها تفعل عكس ما تقول، وكلما تحدثت عن الوحدة والتوحيد –(عالم المثل/ شعارات)- ازدادت تشرذما وتناحرا داخليا وعنفا نحو الخارج-(الواقع العملي)-. وكما يشكل (الدين) نواة بناء دولة وامة في البداية، يكون هو سبب خرابها وانقسامها وتآكلها من الداخل.
لذلك جاء قرار الدكتور مارتن لوثر في تقويض الكنيسة اولا، واعتماد مبدأ العلمانية تاليا وثانيا، ادراكا للخط
الذي عانت منه التجربة البيزنطية، وتصحيجا لخطأ تاريخي، لا يجوز له ان يتكرر مرتين بالمنظور الاوربي. وما يحدث اليوم، في القرن الثاني والعشرين – الالفية الثالثة- من تصاعد المدّ الديني الذي اساسه الغرب -الانكلوميركي-، وتصاعد العداء للعلمانية والحضارة العقلية، انما هو فعل ثأر وانتقام ، ليس لسقوط الامبراطورية المقدسة، وانما لفقدان الكنيسة سلطتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
المحرك السوسيوثقافي والسايكولوجي لما يحدث في الغرب، هو صورة طبق الاصل- والعكس صحيح-، لشعور العرب بالغيظ لسقوط الامبراطورية العثمانية – دولة الخلافة-، ومحاولة استعاداة بعض صورها عبر الفوضى والتشاكل الدينسياسي، الذي يتبلور تدريجيا في جماعات العنف الديني ونزعة الاردوغانية.

لقد كان (الله) على مدار التاريخ، هو حمالة التسلط والسلطة والاستستغلال والاستبداد، على صعيد فردي وجماعي، حيثما عدمت القيم الاجتماعية الانسانية، كوسيلة وتبرير لاستعباد الناس، باسم (سلطة الغيب)!. والطريف اليوم، ان دعاة الدين وقادته السياسيين والاجتماعيين، هم اكثر فسادا من الناس العاديين، وهم اكثر مخالفة وتناقشا، لما يتحدثون عنه.

قال لي احدهم ذات مرة: كل مشروع ثقافي، وراءه مشروع سياسي!.ز
واقول اليوم: كل مشروع ديني، وراءه مشروع سياسي! والعكس صحيح ايضا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س