الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفسير الثقافي للاسلام

محمد سيد رصاص

2006 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تطوف روح ارنست رينان فوق أجواء الفكر الغربي الذي يستعيد، في فترة (ما بعد 11 أيلول)، أطروحاته التي رددها في محاضرة "الإسلام والعلم"، والتي ألقاها بالسوربون عام 1883: "كل من كان مطلعاً بعض الاطلاع على أحوال زماننا يشاهد بوضوح انحطاط البلدان الإسلامية الحالي، وتقهقر الدول الخاضعة لحكم الإسلام، وانعدام معالم الفكر لدى الشعوب التي اقتبست من هذا الدين وحده ثقافتها وتربيتها".
إن هذا المستشرق الفرنسي، الذي اختلطت عنده النزعة الآرية المحتقرة للساميين مع الاتجاه الوضعي الذي يرى تعارضاً بين العلم والدين، كان يعتقد بأن الدين هو فكر معطى يمكن معالجته عبر ذاته، وهو يفسّر ذاته بذاته كنص فيلولوجي قائم بذاته، وأن هذا الفكر هو المدخل الى دراسة حامله، وليس وضع الأخير كمدخل الى تفسير وضعية ذلك الفكر، الأمر الذي جعله يتعامل مع هذا الفكر كنص منجز غير خاضع للعملية التاريخية، ويُؤخذ، كمعطى ثقافي، بوصفه محركاً ومحدّداً لأنماط التفكير والسلوك ومعّيناً لأحوال الأمم المعتنقة له ولمدى تطورها، وفي هذا الإطار فإن رينان لا يعزو الفلسفة والعلم العربيين الى الإسلام العرب، بل يقول بأنهما "عربيان باللغة فقط، بينما كانا يونانيين ساسانيين بالمحتوى".
نجد هذا عند المستشرق (برنار لويس)، الذي استعاد مكانته الثقافية في السنتين الأخيرتين ودُعي غير مرة الى جلسات "استماع فكرية" في البيت الأبيض عقب (11 أيلول)، وعند دعاة اليمين "المسيحي الجديد"، مثل (بات روبرتسون) و(جيري فالويل): من الطبيعي أن يتلاقى ذلك مع "المحافظين الجدد" الذين، وبغض النظر عن مصالحتهم الأخيرة للفكر المحافظ القديم مع الليبرالية بمعانيها الاقتصادية السياسية، لم يتجاوزوا النزوع المحافظ، منذ (ادموند بيرك) في أواخر القرن الثامن عشر، للبحث عن جوهر "ما" يقيسون عبره الفرد والمجتمع والدولة، وبالتالي السياسة، وهو ما يمكن أن يكون (الله) أو معطاه، مثل (الكتاب المقدس)، الشيء الذي دفعهم الى تفسيرات لـ(الذات) عبر الثقافة، وإلى تقسيم العالم الى أقانيم منفصلة تقوم الثقافات، كشيء منجز ومعطى لمرة واحدة، بملء محتوياتها، الشيء الذي ربما أعطته نظرية هنتنغتون شكلاً مختلطاً مع الثقافي عبر مفهوم (الحضارة)، وبعداً كونياً عبر "الدوائر الحضارية" للعالم، وهو أمر لا يبعد عن جوهر الاستشراق الذي يعزو الفرق بين الغرب والشرق الى أسباب تعود الى (الفكر) و(الثقافة).
صحيح أن الليبرالية تميل الى تفسير (التقدم) و(التأخر) عبر شكل النظام السياسي وحرية الاقتصاد، إلا أن الليبراليين العرب قد مالوا، أكثر من الاعتماد على هذين العاملين، الى التفسير عبر مفهومي (الحداثة) و(التقليد)، اللذين هما مصطلحان ثقافيان، من أجل تقديم رؤية للتأخر العربي وللتقدم الغربي، وإلى عزو الأخير، وكذلك الأول، الى محتويات الثقافتين، ويمكن رؤية مدى الابتعاد عن التفكير الليبرالي بطبعته الغربية، ذات المنحى السياسي والاقتصادي كما عند جون ستيوارت ميل، إذا قارنا بين فكري لطفي السيد وطه حسين والليبراليين اللاحقين للأخير، وكيف كان الأول هو الأكثر التصاقاً بمحتويات وتقاليد الليبرالية الغربية، فيما لم يستطع الفكر الوضعي بطبعته العربية، كما عند سلامة موسى، أن يبتعد عن هذا المنحى عندما لم يأخذ اتجاهاً، كما هو السائد في الغرب منذ العشرينيات، الى تحييد (التقنية) و(العلم) عن (الفكر) و(الثقافة)، بل بقي أميناً لتقاليد (أوغست كونت) في إقامة تناقض بين أقانيم (الدين) و(الفلسفة) و(العلم).
لم تستطع ماركسية الماركسيين العرب أن تتحرر من الرؤية الفلسفية الوضعية التي أصبحت مهيمنة على معظم ماركسيي القرن العشرين، وخصوصاً عبر مفكرين مثل لينين وبوخارين وستالين، فيما ازداد الوضع اختلاطاً عندما وُجد الشيوعيون العرب في تلاقيات سياسية مع الليبراليين، مثل حزب الوفد المصري بين عامي (1946 ـ 1952) أو مع (الكتلة الوطنية) و(الحزب الوطني) في سوريا، وضمن جبهة ثقافية كان فيها الفكر "الحداثي"، بمحتوياته الليبرالية، طاغياً عندهم، ثم ليزداد ذلك، بعد سقوط التجربة السوفياتية، الى درجة أن عناصر التفسير "الثقافي" قد أصبحت مهيمنة عند ماركسيي موسكو السابقين وبالذات أثناء تناولهم للأصولية الإسلامية وظواهرها، وخصوصاً عبر مصطلح (التنوير) الذي يقدم نفسه في شكل ثقافي ـ سياسي بمواجهة "الظلاميين"، ولا يميل الى تفسير هذه الظواهر وتلك الحركة السياسية عبر البنية الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية.
في لحظات المواجهة الكونية بين نظم سياسية أو عقائد متصارعة، لا يمكن أن تنظر واحدتها للأخرى بموضوعية، بل إن تداخل المصالح والأهواء والمخاوف، والأفكار المسبقة، يؤدي الى نظرات تختلط فيها "الهستيريا الفكرية" مع اللبوس العلمي، وغالباً ما يقود ذلك الى إلباس (الآخر) صورة أبعد ما تكون عن الواقع، إلا أنها تتلاقى مع مصلحته التي يقتضي الصراع السياسي إلباسه ذلك: رأينا ذلك، تاريخياً في نظره البريطانيين الى الثورة الفرنسية، وعند النزعة المكارثية الأميركية تجاه الشيوعية، والآن، نراها في نظر الكثير من الأوساط الغربية الى الإسلام، والتي رأت من مصلحتها أن تنظر للإسلام والمسلمين عبر أو في تلاقٍ موضوعي مع نظرية (بن لادن) عن انقسام العالم الى (فسطاطين).
إذا كان ذلك يجد الكثير من التبرير عند من هو في واشنطن ولندن تجاه الإسلام والمسلمين، فكيف يمكن ايجاد التفسيرات والمسوغات لوجود النزعات نفسها عند بعض العرب: هل يعود ذلك الى الاتباعية (أو الالتحاقية) الفكرية ـ السياسية لهؤلاء تجاه الغرب، أم أنه يجب البحث عن أسباب أخرى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الجنة يا رفعت .. رسالة وداع حزينة من جمهور الأهلى للاعب ا


.. صاحب مقولة روح الروح جد الطفلة الشــ ـهيدة ريم يُرزق بحفيدة




.. 167-An-Nisa


.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري




.. 166-An-Nisa