الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مئذنة جامع الفاروق في هيت

قحطان محمد صالح الهيتي

2017 / 3 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا أريد أن أكتب عن تاريخ مدينة تُعد واحدة من أقدم المدن في العالم مازالت ومازال أهلها يعشقون الحياة، بل سأكتب عن أهم معلم وأقدم أثر تاريخي عُرفت به مدينة هيت، وهو مئذنة جامع الفاروق.
-
لقد كتب الكثير ممن يعنيهم أمر المدينة عن مئذنة جامع الفاروق فيها. وقد ذهبوا فيما كتبوا مذاهب شتى؛ فمنهم من قال بأنها بنيت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومنهم من قال بأن كفَّ الإمام علي رضي الله عنه حالت دون سقوطها وأن آثار كفّه باقية عليها. ومنهم من ارجع وجودها الى ما قبل الاسلام، على انها كانت فنارا للمراقبة، ومن ثم أصبحت مئذنة للجامع المذكور بعد فتح هيت عام (16هـ /637م).
-
وحيث ان كتابة التاريخ تعتمد على الوثائق التاريخية بصنفيها: الوثائق الصّامتة وتتمثل في: المباني والأواني والأسلحة والحلي والملابس. والوثائق المكتوبة وتتمثل في: الكتابات المنقوشة على الحجارة أو المخطوطة على الجلد والورق؛ فاستكتب عن كل ما يخص هذه المئذنة معتمدا على ما تيسر لي من المصادر والمراجع التاريخية.
-
لقد سُميت المئذنة بهذا الاسم اشتقاقاً من الآذان، وفي بعض المناطق تسمى (منارة) لانبعاث النور منها؛ ففي الماضي كان الكثير من المآذن مزود بالقناديل مما يجعلها منارات تهدي المسافرين للمدينة أو البلدة. ويرجع استخدم المنارة في الأمور الدينية إلى العصر الجاهلي؛ فقد قال امرؤ القيس في معلقته:
-
تُضيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأَنَّها
مَنارَةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ
-
وسميت أيضاً (صومعة) لأن العرب كانوا يطلقون على أبراج الزهاد اسم (صوامع) وقد انتشرت هذه التسمية خاصة في شمال افريقيا.‏
-
لم تكن هنالك مآذن في بداية الاسلام، بقدر ما كانت الحاجة إلى مكان مرتفع يرفع فيه المؤذن صوته للإعلام بدخول وقت الصلاة. فقد ورد في كتب التاريخ وكتب السيرة بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمر (بلالاً) بأن يؤذن في الناس داعياً للصلاة؛ فكان (بلال) يؤذن من أعلى سطح مجاور للمسجد، وفي بعض الأحيان كان صوت المؤذن ينطلق عالياً من فوق سور المدينة.
-
ويُجمع مؤرخو المسلمين على أن المساجد التي بنيت في الجزيرة العربية وسواها من الأمصار التي دخلت في دين الله كانت بلا مآذن، وتميزت وظهرت المآذن بعد ذلك في عصر الدولة الاموية في بلاد الشام. في دمشق وفي غيرها من بلاد المسلمين. ومن طراز بناء المآذن يعرف الباحثون في أي عصر من العصور بنيت.
-
وقد اختلف المؤرخون في أول مئذنة بنيت في الإسلام، ففي "فتوح البلدان" للبُلاذري أن أول مئذنة في الإسلام كانت على يد زياد بن أبيه الذي عينه معاوية واليا على البصرة عام (45 هـ /665م). بينما ذكر المقريزي أن صوامع جامع عمرو بن العاص الأربع التي بناها مسلمة بن مخلد والي مصر في العهد الأموي عام (53 هـ /673م) هي أول المآذن في الإسلام.
-
ويذكر بعض المؤرخين إن أول مئذنة بنيت في الديار الإسلامية كانت على شكل برج مربع يوحي بالرصانة والتقشف هي التي يطلق عليها اليوم اسم مئذنة (عيسى) في الجامع الأموي بدمشق وإن اختلفت الروايات حول من بناها هل هو عبد الملك أم ابنه الوليد؟
-
وتعد المئذنة الملوية في سامراء واحدة من المآذن الفريدة في شكلها، وقد شيدت أمام الضلع الشمالي للمسجد، وتبعد عنه 25 متراً مخروطية الشكل، وقد بنيت في عهد الخليفة العباسي المتوكل.
-
ومن المآذن المعروفة مئذنة الجامع النوري أو الجامع الكبير نسبة الى نور الدين زنكي في الموصل الذي بناه في القرن السادس الهجري، وتعرف اليوم بمئذنة الحدباء. و يقع هذا الجامع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل. وفي هذا الجامع كانت أول خطبة لزعيم تنظيم داعش الإرهابي ابي بكر البغدادي يوم الجمعة الموافق 4 / 7 / 2014.
-
أما المآذن العثمانية (1299 -1453م) فإنها تمتاز برشاقتها وقاماتها الممشوقة الكثيرة الأضلاع حيث تنتهي بقلنسوة مخروطية مصفحة بالرصاص، وبشرفة واحدة على الأغلب مكشوفة والنموذج الشاهد على هذه المآذن (مآذن جامع أيا صوفيا) في إستانبول.
-
وتتميز المآذن العثمانية بالشكل الأسطواني لبدن المئذنة وهذا الشكل يجعلها لا تعترض التيارات الهوائية، فكأن الهواء ينزلق من عليها ولا يصطدم بها، وبالتالي تكون أكثر ملاءمة وثباتًا. لذلك ترى الكثير منها رشيقة وفارعة في الطول بلا خشية من عوامل الرياح وتيارات الهواء البيئية. كما تميزت بقممها المخروطية الشكل.
-
وبعد أن استعرضنا تاريخ المآذن في العصور الإسلامية يتضح لنا بأن مئذنة جامع الفاروق في هيت ليست كما ذكر بعض الباحثين والمهتمين بشأن تراث هيت. فمن خلال شكل بنائها والمواد المستخدمة في البناء (الجص والحجر) تبين بأنها بنيت في نهاية حكم الدولة العثمانية، وبالتحديد في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، أو في خلال فترة حكم المماليك للعراق (1749-1831م)، وبهذا فإن عمرها لا يزيد على 250 سنة بأي حال من الأحوال، وقد تم إعمارها وترميمها أكثر من مرة.
-
تُعد مئذنة جامع الفاروق في هيت أثرا من أهم الآثار في محافظة الأنبار كلها لا في هيت وحدها. ونظرا لأهميتها التاريخية والدينية فإن كل هيتي يرى فيها ماضي مدينته وبيته وأهله وعزوته، حتى أن بعضهم، يدعو لأن يجعلها شعارا للمدينة.
-
وحيث لم يبقَ لنا من الماضي العريق ما نفخر به من آثار بعد أن صارت القلعة انقاضا. وبعد أن وقفت النواعير وجفّت الدوالي، ولم يبقَ منها سوى بقايا ِسكرٍ وأطلال سيب؛ ولم يبقَ لنا من عبق ِالمدينة إلا ذكريات لا تنسى، ندعو كل المحبين لمدينة هيت الفخورين بتاريخ مدينتهم الى المحافظة على مئذنة الفاروق والاهتمام بها والقيام بحملة للمحافظة عليها، لتبقى شاهدا على مجدهم، وليظل منبر الفاروق صادحا بالحق وبالمحبة، وليظل الصوتُ مؤذناً الله أكبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا