الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة وفريضة البقرة ونجاسة الإنسان ومدبولي !!

خالد سلامة

2017 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكتاب المقدس - العهد القديم

سفر العدد
الأصحاح التاسع عشر

1 وكلم الرب موسى وهارون قائلا

2 هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب قائلا: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها، ولم يعل عليها نير

3 فتعطونها لألعازار الكاهن، فتخرج إلى خارج المحلة وتذبح قدامه

4 ويأخذ ألعازار الكاهن من دمها بإصبعه وينضح من دمها إلى جهة وجه خيمة الاجتماع سبع مرات

5 وتحرق البقرة أمام عينيه. يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها

6 ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفا وقرمزا ويطرحهن في وسط حريق البقرة

7 ثم يغسل الكاهن ثيابه ويرحض جسده بماء، وبعد ذلك يدخل المحلة. ويكون الكاهن نجسا إلى المساء

8 والذي أحرقها يغسل ثيابه بماء ويرحض جسده بماء ويكون نجسا إلى المساء

9 ويجمع رجل طاهر رماد البقرة ويضعه خارج المحلة في مكان طاهر، فتكون لجماعة بني إسرائيل في حفظ، ماء نجاسة. إنها ذبيحة خطية

10 والذي جمع رماد البقرة يغسل ثيابه ويكون نجسا إلى المساء. فتكون لبني إسرائيل وللغريب النازل في وسطهم فريضة دهرية

11 من مس ميتا ميتة إنسان ما، يكون نجسا سبعة أيام

12 يتطهر به في اليوم الثالث، وفي اليوم السابع يكون طاهرا. وإن لم يتطهر في اليوم الثالث ففي اليوم السابع لا يكون طاهرا

13 كل من مس ميتا ميتة إنسان قد مات ولم يتطهر، ينجس مسكن الرب. فتقطع تلك النفس من إسرائيل. لأن ماء النجاسة لم يرش عليها تكون نجسة. نجاستها لم تزل فيها

14 هذه هي الشريعة: إذا مات إنسان في خيمة، فكل من دخل الخيمة، وكل من كان في الخيمة يكون نجسا سبعة أيام

15 وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس

16 وكل من مس على وجه الصحراء قتيلا بالسيف أو ميتا أو عظم إنسان أو قبرا، يكون نجسا سبعة أيام

17 فيأخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطية ويجعل عليه ماء حيا في إناء

18 ويأخذ رجل طاهر زوفا ويغمسها في الماء وينضحه على الخيمة، وعلى جميع الأمتعة وعلى الأنفس الذين كانوا هناك، وعلى الذي مس العظم أو القتيل أو الميت أو القبر

19 ينضح الطاهر على النجس في اليوم الثالث واليوم السابع. ويطهره في اليوم السابع، فيغسل ثيابه ويرحض بماء، فيكون طاهرا في المساء

20 وأما الإنسان الذي يتنجس ولا يتطهر، فتباد تلك النفس من بين الجماعة لأنه نجس مقدس الرب. ماء النجاسة لم يرش عليه. إنه نجس

21 فتكون لهم فريضة دهرية. والذي رش ماء النجاسة يغسل ثيابه، والذي مس ماء النجاسة يكون نجسا إلى المساء

22 وكل ما مسه النجس يتنجس، والنفس التي تمس تكون نجسة إلى المساء.


تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب

العدد 19 - تفسير سفر العدد

فريضة البقرة الحمراء

كانت شكوى الشعب: "من اقترب إلى مسكن الرب يموت" (17: 13)، وجاءت الإجابة في الأصحاح السابق والأصحاح الذي بيدينا. ففي السابق يعلن الرب أنه يمكن الاقتراب لله خلال الترتيب الكهنوتي واللاوي، أما هنا فيكشف عن الحاجة للتقديس الذي بدونه لا يقدر أحد أن يعاين الله.

1. رماد البقرة وماء التطهير

1-10.

2. الحاجة للتطهير لمن مسَّ ميتًا

11-13.

3. طقس التطهير

14-22.

1. رماد البقرة وماء التطهير:
لا أريد الدخول في تفاصيل الذبائح والمحرقات في الطقس الموسوي كرمز لجوانب ذبيحة الصليب، فإني أترك هذا الموضوع لتفسيرنا سفر اللاويّين إن سمح الرب وعشنا، لكنني هنا أود أن أوضح أن الاقتراب لمسكن الرب أو التمتع بالشركة معه والثبوت فيه لن يتم إلاَّ خلال ذبيحة الصليب والدخول في مياه التقديس. ففي الطقس الذي بين أيدينا يعلن الله لموسى وهرون "فريضة التقديس" بإعداد الرماد الذي يستخدم في مياه التقديس أو كما يسميها "ماء النجاسة" [9]، أي الماء الذي يطهر من النجاسة، وينقل الإنسان من حالة الدنس إلى حالة القداسة.

يتلخص هذا الطقس في الآتي:

أولًا: البقرة المقدمة كذبيحة خطيّة (ع 9) حمراء، إشارة إلى السيد المسيح الذي قدم دمه كفارة عن خطايانا، هذا الذي يتحدَّث عنه إشعياء النبي قائلًا: "من ذا الآتي من أدوم بثيابٍ حُمر من بُصرة هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟ أنا المتكلم بالبرّ العظيم للخلاص. ما بالك لباسك مُحمَرّ وثيابك كدائس المعصرة؟ قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 1-3). هذا هو السيد المسيح الذي دخل الآلام بإرادته، واجتاز معصرة الغضب الإلهي عنا فحمل في جسده أجرة خطايانا، مقدمًا لنا خلاصًا هذا مقداره!
ثانيًا: "صحيحة لا عيب فيها ولم يعلُ عليها نير" [2]، فإن ربنا يسوع المسيح هو وحده بلا خطيّة، ليس فيه عيب ولم يسقط تحت نير خطيّة ما. لقد وبخ اليهود قائلًا "من منكم يبكتني على خطيّة؟" (يو 8: 46)، ويقول الرسول بولس "لأنه جعل الذي لم يعرف خطيّة خطيّة لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه" (2 كو 5: 21). يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [نعم، المسيح نفسه يقول: "من أجلكم أقدس أنا ذاتي" (يو 17: 19)، ويقول أيضًا "رئيس هذا العالم قد دين" (يو 16: 11)، مظهرًا أن الذي ذُبح هو بلا خطيّة[141]].
ثالثًا: تقدم ألِعازار الكاهن ليخرج بها خارج المَحَلَّة وتذبح قدامه (ع 3)، لم يكن ممكنًا أن تقدم لهرون لأنه كرئيس كهنة لا يخرج خارج المَحَلَّة لذلك تقدم لابنه ألِعازار. وكأن السيد المسيح وقد ذُبح خارج أورشليم على جبل الجلجثة، كأن في نفس اللحظة داخل قدس الأقداس كرئيس كهنة لا ينفصل عن أبيه، ولا يترك بلاهوته سمواته! إنه على الصليب خارج المَحَلَّة لأجلنا يكفر عن خطايانا، وهو في حضن أبيه ليضمنا إلى برّه.
يقول الرسول بولس: "لذلك يسوع أيضًا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج إذًا إليه خارج المَحَلَّة حاملين عاره، لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة" (عب 13: 12-14). وكأن الخروج خارج المَحَلَّة إشارة إلى الخروج من المدينة الزمنيّة واشتهاء الانطلاق إلى المدينة المستقبلة، أورشليم العليا أمنا.
رابعًا: "يأخذ ألِعازار الكاهن دمها بإصبعه وينضح من دمها إلى جهة وجه خيمة الاجتماع سبع مرات": ما يفعله ألِعازار يشير إلى عمل السيد المسيح الكهنوتي الذي يقدسنا بدمه، ناضحًا الدم على وجه الكنيسة، خيمة الاجتماع الحقيقيّة فتتقدس وتصير لها الدالة أن ترفع وجهها أمام الآب. أما نضح الدم سبع مرات مع أن الذبح تم مرة واحدة فيشير إلى فاعليّة الدم والذبيحة، لقد تمت مرة لكنها ذبيحة حيّة وفعالة تعمل عبر الأجيال لتدخل بنا إلى الكمال. لأن رقم 7 يشير إلى كل أيام الأسبوع كما يشير إلى الكمال، كأن الذبيحة مستمرة عبر أسبوع هذا العالم كله، وفعَّالة بكل طاقاتها لتكميلنا. لهذا رأى القدِّيس يوحنا الحبيب السيد المسيح حملًا كأنه مذبوح (رؤ 5: 6)، فهو حي لا يموت، لكن الدم لا ينقطع فاعليته. وفي سرّ الإفخارستيا نحن لا نكرر ذبيحة الصليب مرات ومرات إنما ندخل بالروح القدس إلى الذبيحة الفعَّالة القائمة بغير انقطاع.
خامسًا: "تحرق البقرة أمام عينيه، يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها" [5]. إذ تحرق الذبيحة لا نرى سوى الرماد الذي يستخدم لتطهير الشعب من الخطيّة، وهكذا إذ حمل السيد المسيح خطايانا مات عنا محولًا خطايانا إلى رماد. أما حرق الجلد واللحم والدم... إلخ فيشير إلى تأكيد موت المسيح حسب الجسد، فلا يقل أحد مثل ماني أنه يحمل جسدًا خياليًا ودخل في الآلام بهذا الجسد الخيالي.
أما إلقاء خشب الأرز والزوفا والقرمز في نارها بواسطة الكاهن (ع 6)، وهي الأشياء التي كانت تستخدم في طقس تطهير البرص (لا 4: 6-7) فإشارة إلى اختلاط رماد الذبيحة بما رسم للتطهير. الخشب يشير إلى الصليب، والزوفا تشير إلى الغسل، والقرمز يشير إلى الدم.
سادسًا: يربط الطقس بين رماد البقرة المذبوحة التي دخلت إلى آلام النار حتى النهاية والماء الذي يقدم لتطهير الجماعة من النجاسة (ع 9)، وكأنه ارتباط بين ذبيحة الصليب ومياه المعموديّة. يقول الرسول: "مدفونين معه في المعموديّة التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو 2: 12).
سابعًا: "الذي أحرقها بغسل ثيابه بماء ويرحض جسده بماء ويكون نجسًا إلى المساء" [8]، "والذي جمع رماد البقرة يغسل ثيابه ويكون نجسًا إلى المساء" [10]. لقد أراد الطقس أن يؤكد أن خطايانا قد حملها السيد المسيح، فإن كانت ذبيحة الصليب هي سرّ تطهيرنا لكنها حملت خطايا العالم كله!

2. الحاجة للتطهير لمن مسَّ ميتًا:
"من مسّ ميتًا ميتة إنسان ما يكون نجسًا سبعة أيام، يتطهر به في اليوم الثالث، وفي اليوم السابع يكون طاهرًا. وإن لم يتطهر في اليوم الثالث ففي اليوم السابع لا يكون طاهرًا".
يقول القديس أغسطينوس: [الجسد الميت فاقد الحياة ليس خطيّة إنما يعني خطيّة النفس فاقدة البرّ ؛ فموت الجسد كان في القديم رمزًا للخطيّة القاتلة للنفس، لهذا إن لمس أحد ميتًا، ولو كان الميت قديسًا أو كاهنًا يصير نجسًا.
أما كونه نجسًا سبعة أيام، أي يصير نجسًا كل أيام الأسبوع، رمزًا إلى عدم التطهر من الخطيّة كل أيام غربتنا ما لم يتدخل هذا الرماد والماء! إذ لا خلاص للإنسان من دنس الخطيئة بدون ذبيحة الصليب والتجديد في مياه المعموديّة.
يتم التطهير في اليوم الثالث بواسطة هذه المياه المرتبطة برماد البقرة الحمراء المذبوحة إشارة إلى التطهير بمياه المعموديّة خلال القيامة مع السيد المسيح (اليوم الثالث) بفاعليّة الصليب. إنه يؤكد أن من لا يتطهر في اليوم الثالث لن يتطهر في اليوم السابع، وكأنه لا تبرير لنا إن لم نتحد مع السيد المسيح المقام من الأموات. أما تطهيرنا في اليوم السابع فيشير إلى استمرار عمل قيام المسيح في حياتنا الزمنيّة، وفاعليتها كل أيام غربتنا حتى نعبر إلى قيامتنا الأخيرة.
من لا يقبل قيامة المسيح لا يتطهر فيحسب قد نجس مسكن الرب وتقطع هذه النفس من الشعب المقدس (ع 13). كأن من لا يحمل قوة قيامة السيد كسرّ تبرير له يفسد جسده مسكن الرب، وتموت نفسه ولا يحسب من عداد أولاد الله.

3. طقس التطهير:
يتلخص طقس التطهير بهذه المياه في الآتي:

أولًا: "إذا مات إنسان في خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجسًا سبعة أيام" [14]. قبل أن يتحدث عن طريقة التطهير أراد أولًا أن يبرز خطورة الموقف، ذلك كالجراح الذي قبل أن يمد يده بالمشرط في جسم المريض يكشف له أولًا الفساد الذي دبّ في جسده حتى يتقبل برضا يدّ الطبيب تمتد لتجرحه وتقتطع من جسده شيئًا. إن وجود ميت في خيمة يجعل من دخل الخيمة بإرادته أو بغير إرادته، عن معرفة بوجود ميت أو عدم معرفة، وأيضًا من كان داخل الخيمة يحسب هؤلاء نجسين أسبوعًا كاملًا، حتى إن تمت الوفاة فجأة، ولم يكن لهؤلاء ذنب! الخطيئة بشعة، خاطئة جدًا لا يطيقها الله القدوس لأنها تخالف طبيعته، مهما قدمنا من أعذار! بشاعتها أيضًا تظهر في بقاء هؤلاء نجسين سبعة أيام أي كل أيام غربتهم، علامة العجز عن التطهير فيها بذواتهم.

ثانيًا: "وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس" [15]. لا تقف النجاسة عند الناس لكنها تمتد إلى الخليقة الجامدة، فالإناء المفتوح يُحسب نجسًا. لعله أراد أن يضع تحفظًا صحيحًا، لئلا يكون الميت قد أصيب بمرض معدي فتنتقل العدوى إلى الذين حوله خلال الآنية التي استعملها قبيل موته. أما من الناحية الروحيّة فإن هذه الأواني تمثل الحواس مثل العينين والفم... الخ، إن كانت الحواس مفتوحة ليس عليها سدادة الروح القدس الذي يضبطها تكون نجسة، تفسد حياة الإنسان.
يليق بالمؤمن أن يجاهد في حفظ حواسه محفوظة بالروح القدس حتى لا تتسرب النجاسة من الأموات بالخطايا إلى نفسه أو فكره أو جسده. ما أحوجنا إلى سدادة الروح القدس التي تحفظ أعماقنا بعيدة عن ميكروبات الخطيئة. لهذا يصرخ النبي قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيّ، لا تمل قلبي إلى الشر". يقول القديس يوحنا سابا: [رتب حواسك أيها الأخ، واحذر لها، إذ منها يدخل موت الإنسان الداخلي. احذر بهذه الحراسة، وانظر إلى ما قاله القدِّيس أنطونيوس: إن كثيرين عملوا أعمالًا عظيمة، لكن لأنهم لم يعملوا هذه الأعمال بإفراز لم يدركوا طريق الله، وذلك الإيمان الطاهر لم يصلوا.

ثالثًا: بعد أن أظهر بشاعة الخطيئة لمن يدخل الخيمة وبها ميت ومن بداخلها، وللأواني المفتوحة فيها، بدأ يوضح أنها تتسرب إلينا ليس فقط خلال الذين يموتون داخل الخيمة، لكنها تنتقل خلال الإنسان الذي يقتل بالسيف في الصحراء، أو خلال الميت في العراء، أو العظام أو حتى مجرد لمس القبر (ع 16).
الذي يموت داخل الخيمة غالبًا ما يكون ذلك بسبب تسلل مرض إلى جسده أو بسبب الشيخوخة، إنها حالة من تتسلل إليه الخطيئة وتهاجمه سريًا في قلبه حتى تقتله، أو حالة الضعف البشري والشيخوخة الروحيّة ثمرة الإهمال والفتور الروحي؛ ). أما الذي يقتل بالسيف في الصحراء، فهو من تهاجمه الخطيّة بكل عنفها في لحظات فتسقطه قتيلًا وهو في حيويته ونشاطه! أما العظام فتشير إلى حالة النفس التي عاشت زمانًا طويلًا في موت الخطيئة فصارت عظامًا يابسة مبعثرة في العراء أو مدفونة في قبر، ليس من يهتم بها بل يريد الناس الخلاص منها. هكذا يصوِّر لنا هذا الأصحاح المرض الروحي المزمن والقاتل للنفس، مقدمًا له العلاج.

رابعًا: أما العلاج فهو: "يأخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطيّة ويجعل عليه ماءً حيًا في إناء" [16]. هذا هو عمل الكنيسة إنها تأخذ ذبيحة الصليب لتقدمها تطهيرًا للنجسين خلال المياه الحيّة في إناء (جرن المعموديّة). يقول القدِّيس يوستين: [يجب أن نسرع في معرفة أي طريق هو لمغفرة الخطايا ورجاء ميراث الخيرات الموعود بها، فإنه لا يوجد سوى هذا الطريق: أن تتعرف على هذا المسيح، وتغتسل في الينبوع (المعموديّة) الذي تحدث عنه إشعياء لغفران الخطايا، وهكذا تبتدئ أن تعيش بالقداسة.
ويأخذ رجل طاهر زوفا ويغمسها في الماء وينضحه على الخيمة وعلى جميع الأمتعة وعلى الأنفس الذين كانوا هناك وعلى الذي مسّ العظم أو القتيل أو الميت أو القبر، ينضح الطاهر على النجس في اليوم الثالث واليوم السابع" [19]. من هو هذا الطاهر إلاَّ السيد المسيح نفسه الذي يعمل بطريقة غير منظورة في المعموديّة، هو الذي يعمد بيد الكاهن. في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الذي يعمد هو ابن الله الوحيد الجنس وليس إنسان (كاهن)]، [إذا ما رأيت جرن المعموديّة ويدّ الكاهن تلمس رأسك لا تفكر في الماء مجردًا ولا أن يدّ الأسقف فوق رأسك، فإنه ليس إنسان هو الذي يفعل ذلك بل نعمة الروح التي تقدس طبيعة المياه وتلمس رأسك مع يد الكاهن.
أما نضح الماء فإشارة إلى المعموديّة التي تتمتع بها الأمم، كما جاء في إشعياء النبي: "هكذا ينضح أممًا كثيرين، من أجله يسد ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يُخبروا به وما لم يسمعوه فهموه" (إش 52: 15)، إذ تمتعوا بسرّ الميلاد الجديد. ويقول الرسول بولس: "لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من خمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" (عب 10: 22). وكأن المعموديّة تدخل إلى الأعماق الداخليّة لتغسل الضمير الشرير كما تقدس الجسد أيضًا. هذا ما أكدته الشريعة التي بين أيدينا فإن الرجل الطاهر الذي يسميه الرسول: "كاهن عظيم على بيت الله" (عب 10: 21)، ينضح المياه المطهرة على الخيمة أي على الجسد، وعلى جميع الأمتعة (ع 18)، أي بجميع طاقاته وغرائزه وعواطفه وعلى الأنفس الذين كانوا هناك، فيمتد أثرها إلى النفوس الخفيّة في الأجساد. وكما يقول العلامة ترتليان: [حقًا الجسد يغتسل لكي تتطهر النفس. الجسد يُدهن لكي تتقدس النفس. الجسد يُرشم بعلامة (الصليب) لكي تتقوى النفس. الجسد يُظلل بوضع الأيدي لكي تستنير النفس بالروح (القدس) ويتحدَّث القديس كبريانوس معلقًا على هذه الشريعة موضحًا أن نضح المياه المقدسة إنما يعني الخلاص، أي يدخل الإنسان كأن الله في طريق الخلاص، قائلًا: [من هنا يظهر أن نضح المياه يقف على قدم المساواة مع غسل الخلاص، الأمر الذي يتم في الكنيسة حيث الإيمان الذي يتمتع الإنسان به والذي يخدمه بطريقة سليمة ويتكمل بعظمة الرب والحق.
أخيرًا، يؤكد أنه لا تمتع بالتطهير في اليوم السابع ما لم يتطهر الإنسان في اليوم الثالث أي يتحد مع السيد المسيح القائم من الأموات.

^^^^^^^^^^^^^^^

هل من الإنصاف أن تقضي المرأة نصف عمرها نجسة (لا 15: 19-24)؟

ويقول الناقد تخيل امرأة يأتيها الطمث لمدة سبعة أيام تكون فيها نجسة، ثم تستمر في نجاستها أسبوع آخر، أي نصف شهر، وهذا يعني أن نصف عمرها تكون نجسة منبوذة كالجربانة، لا يصح أن يلمسها أحد، أو يلمس شيئًا مما لمسته، والأغرب من هذا لكي تتخلص من نجاستها عليها أن تذهب للكاهن بفرخي حمام. تصوَّر يا أخي هذا المشهد مع ما فيه من إحراج للمرأة وهي ذاهبة للكاهن والناس ترمقها بنظراتها المسمومة، والمدهش أن هذا الحيض الذي يأتيها من الله الذي خلقها هكذا يجعلها خاطئة.

ج: 1- لا أدري إن كان الناقد يجهل الحقيقة فيخلط بين حالة المرأة أثناء فترة طمثها الطبيعي وبين حالتها إذا كانت مصابة بمرض معين، أو أن الناقد يعرف الحقيقة ولكنه سيئ النية، وتوضيحًا للموقف نقول أننا أمام حالتين، الأولى: حالة المرأة في فترة طمثها الطبيعية " امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء" (لا 15: 19) فهي تحتاج إلى فترة راحة لا يجتمع بها زوجها، وبعد أيامها السبعة تعود إلى طبيعتها الأولى، وإن كانت مدة الحيض تستغرق ثلاثة أو أربعة أيام، فإن الوحي جعلها سبعة أيام من باب الاحتياط، وقد ثبت أن المرأة في فترة الحيض تكون أشد حساسية، فهي فعلًا تحتاج إلى فترة راحة تعتزل فيها عن المجتمع بقدر الإمكان.
والحالة الثانية: هي حالة المرأة المريضة " إذا كانت امرأة يسيل سيل دمها أيامًا كثيرة في غير وقت طمثها" (لا 15: 25) فهذه تُعتبر نجسة طوال فترة مرضها، وعندما يتوقف نزيفها تنتظر سبعة أيام لتتأكد من هذا، وفي اليوم الثامن من توقف النزيف تقدم ذبيحة " وإذا طهرت من سيلها تُحسب لنفسها سبعة أيام ثم تطهر. وفي اليوم الثامن تأخذ لنفسها يمامتين أو فرخي حمام وتأتي بهما إلى الكاهن إلى باب خيمة الاجتماع. فيعمل الكاهن الواحد ذبيحة خطية والآخر محرقة ويكفر عنها الكاهن أمام الرب" (لا 15: 28 - 30).

2- موقف المرأة لن يكون محرجًا أمام الناس على الإطلاق.. لماذا؟ لأن هذه الذبيحة كانت تُقدم في عدة مواقف، فمثلًا من يريد أن يقدم ذبيحة محرقة يمكنه أن " يُقرب قربانه من اليمام أو من أفراخ الحمام" (تث 1: 14) والفقير الذي يقدم ذبيحة إثم " إن لم تنل يده كفاية شاه فيأتي بذبيحة لإثمه الذي أخطأ به يمامتين أو فرخي حمام إلى الرب أحدهما ذبيحة خطية والآخر محرقة" (لا 5: 7) وبعد ولادة المرأة وتمام أيام تطهيرها " إن لم تنل يدها كفاية لشاه تأخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر" (لا 12: 8).

3- يوضح القمص تادرس يعقوب الفرق بين الحالتين: "الحالة الطبيعية للمرأة: يقصد بالسيل هنا المرض الشهري " فترة الطمث".. وقد حسبها نجسة لمدة سبعة أيام لكي تتمتع بفترة راحة جسدية، وقد منع العلاقات الزوجية في تلك الفترة، ربما لسببين: أولًا لأجل راحة الزوجة في فترة تعبها، وثانيًا لكي يقدس العلاقات الزوجية فلا تكون عن شهوة غير مضبوطة خاصة وأن المرأة لا تحمل في هذه الفترة، فتكون العلاقة خارج هدف الإنجاب.
الحالة المرضية للمرأة: يقصد بها النزف المستمر.. وقد حسبها نجسة مادامت تنزف، حتى تدرك خطورة الموقف وتهتم بالعلاج. إذا شفيت تبقى تحت الفحص سبعة أيام أو تقدم ما يقدمه الرجل عند تطهيره من سيله في اليوم الثامن.

^^^^^^^^^^^^^^^
لماذا تظل المرأة نجسة لمدة أسبوعين إذا أنجبت بنتًا، بينما تُعتبر نجسة لمدة أسبوع واحد إذا أنجبت ذكرًا (لا 12: 1-7)؟ وكيف تختلف أيام الطمث مع المرأة الواحدة باختلاف ما تلد؟ وهل هذا الكلام يتفق مع العلم والمنطق؟! وهل يفضل الله الذكر على الأنثى؟!

ج: 1- قال سفر اللاويين " إذا حبلت امرأة وولدت ذكرًا تكون نجسة سبعة أيام.. ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يومًا في دم تطهيرها. كل شيء مقدَّس لا تمسَّ وإلى المقدَّس لا تجئ حتى تكمل أيام تطهيرها. وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها. ثم تقيم ستة وستين يومًا في دم تطهيرها" (لا 12: 2-5) والحكمة من الحكم بنجاسة الأم عقب فترة الولادة أن الشعوب الوثنية كانت تمزج عبادتها بالجنس، حتى أنها اعتبرت البغاء والعهارة جزء لا يتجزأ من طقوس العبادة، فأراد الله على النقيض أن ينأى بشعبه إسرائيل عن هذه الانحرافات، ولذلك منع الأم التي تلد من العبادة لفترة محددة، حتى يصرف شعبه عن فكرة ربط العبادة بالجنس.
2- تضاعفت مدة نجاسة الأم عندما تكون المولدة أنثى، بهدف تذكير البشرية بالخطية الأولى الجدية، فالمرأة هي التي أُغويت أولًا، وهي التي أغوت آدم، فالحية القديمة أسقطت حواء أولًا، وبحواء اصطادت آدم في شبكة الموت. ولم يذكر سفر اللاويين أن أيام الطمث بالنسبة للمرأة تختلف في حالة إذا كان المولود ذكرًا أو أنثى، وبالتالي لا محل لتساؤل الناقد وقوله: هل هذا الكلام يتفق مع العلم والمنطق؟!
3- يقول القمص تادرس يعقوب " لعل هذه الشريعة التي جاءت تعلن عن نجاسة المرأة التي تلد تجتذب الأنظار وسط الفرح بالمولود الجديد إلى الخطية التي تسللت إلينا أبًا عن جد. لهذا يصرخ المرتل: "هآنذا بالآثام حُبل بي وبالخطايا ولدتني أمي" (مز 51: 5) وكما قال أليفاز التيماني لأيوب البار " من هو الإنسان حتى يزكو أو مولود المرأة حتى يتبرر؟!" (أي 15: 14) وبوضوح يقول الرسول بولس: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12).. ربما يتساءل البعض: لماذا ضوعفت المدة بالنسبة لولادة البنت؟
أولًا: في دراستنا السابقة كثيرًا ما رأينا الذكر يشير إلى النفس والأنثى إلى الجسد، فإن كانت النفس تحتاج إلى تطهير روحي فالجسد.. يحتاج إلى مجهود مضاعف..
ثانيًا: لم يكن هذا التمييز يعني تمييزًا بين الجنسين، فإن الذبيحة المقدمة عن الولد هي بعينها التي تقدم عن البنت، وكما يقول الرسول أن الرجل والمرأة هما واحد في المسيح يسوع ربنا (غل 3: 28، كو 3: 11) إنما اختلاف المدة ربما يحمل استنكارًا لغواية إبليس لأمنا حواء.
4- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس أن السبب في مضاعفة مدة النجاسة في حالة ولادة أنثى أن المجتمع كان يفرح بولادة الذكر دون الأنثى، مما كان يؤثر على الحالة النفسية للأم التي أنجبت أنثى، ولذلك شاء الرب برحمته أن تكون فرصة النقاهة لهذه الأم أطول. كما أن المدة المضاعفة تُذكّر البشرية بأن حواء أُغويت أولًا " وآدم لم يُغوَ لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (1تي 2: 14)(3).
5- لم يفضل الله الذكر على الأنثى، بل ساوى بينهما في الميراث، والشهادة، والزواج.. نعم لم يميز الرجل عن المرأة.

^^^^^^^^

ما حكم من اضطجع مع امرأة طامث؟ هل يكون نجسًا سبعة أيام (لا 15: 24) أم أن يُقطع كلاهما من شعب الله (لا 20: 18)؟

ج: 1- إننا هنا أمام حالتين مختلفتين:
الأولى: قد يجتمع الرجل مع زوجته، وفي أثناء ذلك يأتي الطمث فجأة، فهذا يكون نجسًا لمدة سبعة أيام عبر عنه سفر اللاويين " وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسًا سبعة أيام" (لا 15: 24).

والثانية: إن كل من المرأة والرجل يعلمان بحالة الطمث، ومع ذلك يستهينان بالوصية، فيحسبان كمستبيحين، فيقطعا من شعبهما، وهذا ما عبر عنه السفر قائلًا " وإذا اضطجع رجل مع امرأة طامث وكشف عورتها وعرى ينبوعها وكشفت هي ينبوع دمها يُقطعان كلاهما من شعبهما" (لا 20: 18).
لقد أراد الله أن يرقى بشعبه لذلك جاءت الوصية " لا تقترب من امرأة في نجاسة طمثها لتكشف عورتها" (لا 18: 19) وقال الوحي الإلهي في سفر حزقيال عن الإنسان البار " لم يقرب امرأة طامثًا" (حز 18: 6) وعندما ذكر خطايا أورشليم قال " فيك أذلوا المتنجسة بطمثها" (حز 22: 10).
2- يقول القديس مارافرآم السرياني " والامرأة التي يسيل دمها، ليست خاطئة ولا نجسة، لأنه أمر بغير اختيارها، من فعل الطبيعة، ولا يتنجس من يدنو منها سوى رجلها، لأنه متى جامعها أخطأ جدًا.. وتحذير الله من دنو كل الناس منها، وتسميته ذلك نجسًا مع كونه خالقه، وهو لم يخلق شيئًا نجسًا، وإنما هو فعل ذلك لكي يفزع رجلها أن لا يدنو منها.

^^^^^^^

لماذا دقَّق سفر اللاويين على أن من يلمس إنسانًا مصاب بالسيلان يصير نجسًا إلى المساء (لا 15: 1 - 7)؟ ولماذا لم يقدم السفر علاجًا لمرض السيلان؟ ويقول الناقد هل سمعتم عن رجال يحيضون وتأتيهم الدورة الشهرية؟!

ج: 1- أراد الله أن يعلم الإنسان التدقيق في السلوك، فعلَّمه ذلك من خلال حياته اليومية، سواء عن طريق الأطعمة التي يتناولها أو التي يمتنع عنها، أو عن طريق اللمس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقال له أن من يلمس نجسًا يتنجس " كل رجل يكون له سيل من لحمه فسيله نجس.. ومن مسَّ لحم ذي السيل يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء" (لا 15: 2، 7) بل أن كل فراش يضطجع عليه، وكل متاع يجلس عليه الرجل الذي له سيل يكون نجسًا، وكل من يمس هذا الفراش أو ذاك المتاع فيجب أن يستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء (راجع لا 15: 3 - 6) بل أن الإنسان المريض لو بصق على إنسان طاهر فإنه ينجسه (راجع لا 15: 8) والإناء الخزف الذي يمسه ذو السيل يُكسر، والإناء الخشب يُغسل جيدًا (راجع لا 15: 12).
ومن الجانب الآخر علَّم الله الإنسان أن كل من يلمس شيئًا مقدَّسًا يتقدس، فمثلًا تقدمة الدقيق " كل من مسها يتقدَّس" (لا 6: 18) وذبيحة الخطية " كل من مسَّ لحمها يتقدَّس. وإذا انتثر من دمها على ثوب تغسل ما أنتثر عليه في مكان مقدَّس" (لا 6: 27)
2- لم يذكر الكتاب المقدَّس أن الرجال يحيضون وتأتيهم الدورة الشهرية، إنما تكلم عن مرض عُرف قديمًا ومازال موجودًا للآن وهو مرض السيلان، وأعراضه تختلف عن أعراض الدورة الشهرية، فمرض السيلان يصيب الرجال أو النساء بينما الدورة الشهرية أمر طبيعي للنساء فقط، ومرض السيلان يلازم المريض دائمًا حتى يشفى منه فيفارقه، أما الدورة الشهرية فإنها تتكرَّر كل شهر وحتى تصل المرأة نحو الخمسين من عمرها، فلماذا يخلط الناقد الأمور إلى هذه الدرجة إلاَّ إذا كان سيئ النية؟!
3- الكتاب المقدَّس ليس كتابًا طبيًا يُشخص الداء ويصف الدواء، ولهذا لم يذكر علاج مرض السيلان، ولكن الله منح الإنسان العقل المفكر المبتكر الذي سيكتشف فيما بعد علاج مثل هذه الأمراض. أما هدف الكتاب فكان تعليم الإنسان من خلال هذه الظواهر، فعلَّم الإنسان من خلال عدم لمس المريض بالبرص أو السيلان البعد عن كل شر وشبه شر.
4- نلاحظ في عرض هذا المرض الأسلوب الراقي الذي أستخدمه الكتاب المقدَّس إذ يقول " كل رجل يكون له سيل في لحمه " فلم يذكر حتى مجرد أسماء الأعضاء السرية، بل استعاض عنها بكلمة " لحمه"، وقال " من مسَّ لحم ذي السيل يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء" (لا 15: 17) وهو يقصد من مسَّ عضو التناسل، حتى لو كان طبيبًا بقصد تشخيص المرض فأنه يسري عليه نفس الحكم.
5- يقول القمص تادرس يعقوب " ما عنته الشريعة هو اهتمام الإنسان بنظافة الجسد، لأجل سلامة صحته وصحة من هم حوله، فكما رأينا في الله أنه أهتم بكل ما يمس أولاده في العهد القديم حتى من جهة أنواع الأطعمة وسلامة الثياب والمسكن، فبالأكثر صحة جسده.. السيل الذي يصيب الرجل أو المرأة يحمل رمزًا للنفس التي بلا ضابط الساقطة تحت الشهوات الدنسة.. لذا يحتاج الأمر إلى تلاقٍ مع القدوس الذي لمسته المرأة نازفة الدم.. (ويُعلِق قدسه على عدم لمس المصاب أو ما يخصه فيقول:) هذا الإجراء وقائي ضد العدوى من الأمراض التناسلية، إذ كما نعلم أن بعض هذه الأمراض شديدة العدوى، يمكن أن تنتقل من خلال لمس المريض أو ثيابه أو الأدوات التي يستخدمها. أما بقاء الشخص نجسًا طوال اليوم.. إنما يعني أن من يتلامس مع الخطية ويتدنس بالشر لن يتقدس طوال حياته مادام مرتبطًا بالدنس حتى يبدأ مع الرب يومًا جديدًا فيه يترك الماضي وينطلق نحو حياة أفضل"
6- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " أن الله كان يضرب أحيانًا بعض اليهود بهذا المرض (السيلان) نتيجة بعض الخطايا، خصوصًا خطية النجاسة. ولقد دعا داود على يوآب ونسله بهذا المرض بسبب قتله القائد أبنير اغتيالا حيث قال {لا ينقطع من بيت يوآب ذو سيل وأبرص وعاكز على العكاز وساقط بالسيف} (2 صم 3: 29) والخطية كثيرًا ما تجلب على أصحابها الأمراض والأسقام كنتيجة طبيعية وكعقاب أو تأديب من الرب"

^^^^^^^^
كيف أمر الله بعزل المريض بالبرص، وفضحه إذ حكم عليه بشق ثيابه وكشف رأسه وتغطية شاربيه وتحذير كل من يقترب منه بأن يصيح "نجس.. نجس" (لا 13: 45)؟ هل يفضح الله الرحوم عباده المرضى؟ أين محبته؟ أليس الله محبة؟
ويقول الدكتور مصطفى محمود " ما هذه اللعنة الغريبة التي أنزلها الله بالأبرص؟! {والأبرص الذي فيه الضربة تكون ثيابه مشقوقة ورأسه مكشوفًا ويغطي شاربيه ويناديا نجس نجس. كل الأيام التي تكون فيها الضربة (المرض) يكون نجسًا. أنه نجس يقيم وحده. خارج المحلة يكون مقامه} (لا 13) وهي لعنة لا تفسير لها إلاَّ ما كان يُشاع في الأزمان القديمة من أن البرص مرض معدي ووراثي.. وبالتالي لا بُد من نفي الأبرص وعزله إيثارًا لسلامة مخالطيه. وهو رأي ثبت فساده. والذي نعلمه الآن من علوم الطب الثابتة أن البرص مرض غير معدي ولا وراثي. وتبقى لعنة التوراة وماضيها من إجراءات عزل شديدة.. أمورًا غير مفهومة.

ج: 1- إذ كان شعب إسرائيل عند خروجه من مصر يُعدُّ شعبًا بدائيًا، لذلك كلف الله الكهنة بالرعاية الروحية والجسدية لهذا الشعب، والتكفير عن خطاياهم والحكم بينهم في النزاعات.. إلخ وكان مرض البرص يرمز للخطية التي تفضح الإنسان، وليس في مقدرة الإنسان الفكاك منها بمفرده بدون تدخل إلهي، وكان الأبرص يُعزل عن المجتمع مثل الميت، وإذا أقترب منه إنسان يصرخ " نجس.. نجس " ليحذر من يقترب إليه حتى لا يلمسه فيتنجس.
2- كان الأمر الإلهي بعزل الأبرص وكل ذي سيل وكل من يتنجس لميت خشية من العدوى ولاسيما أن الشعب كله كان يعيش في معسكر ضخم واحد في الصحراء، فمن السهل جدًا انتشار المرض بينهم، ولذلك كان الأمر حازمًا بعزل الأبرص حتى يُشفى، وجاء الحكم بعدم لمس الميت حتى لا يقدس الشعب الموتى ويعبدونهم، وأيضًا كان البرص والموت يرمزان للخطية والموت الروحي " كلم الرب موسى قائلًا أوصِ بني إسرائيل أن ينفوا من المحلة كل أبرص وكل ذي سيل وكل متنجس لميت. الذكر والأنثى تنفون إلى خارج المحلة تنفونهم لكي لا ينجسوا محلاتهم حيث أنا ساكن في وسطهم" (عد 5: 1 - 3) وعندما ضُربت مريم أخت موسى بالبرص سرى عليها نفس الحكم " فقال الرب لموسى ولو بصق أبوها بصقًا في وجهها أما كانت تخجل سبعة أيام. تحجز سبعة أيام خارج المحلة وبعد ذلك تُرجَع" (عد 12: 14) وأيضًا عندما أخطأ عزيا الملك إذ تعدى على الكهنوت سرى عليه ذات الحكم " لأن الرب ضربه. وكان عزيا أبرص إلى يوم وفاته وأقام في بيت المرض أبرص" (2 أي 26: 20، 21) وفي مراثي أرميا صوَّر الوحي الإلهي الأنبياء الخطاة والكهنة الذين يرتكبون الآثام بأنهم نجسون وينجسون من يلمسوه " حيدوا نجس ينادون إليهم. حيدوا حيدوا لا تمسوا" (مرا 4: 15) وفي سفر ملاخي وصف الوحي الإلهي الأنبياء الذين انحرفوا عن جادة الصواب " فيخزى الراؤون ويخجل العرافون ويغطون كلهم شواربهم لأنه ليس جواب من الله" (مي 3: 7) فمن كل ما سبق نلاحظ الارتباط الوثيق بين مرض البرص ومرض الخطية.
3- كانت هناك عدة أمراض تُدرج تحت اسم مرض البرص، والبعض منها كان معديًّا، والبعض كان يدمر جسم الإنسان، فالكتاب المقدَّس أستخدم البرص بمعنى واسع ينطوي تحته عدة أمراض تصل إلى الجزام، ولم يكن الطب قد تقدم حتى يكتشف علاج مثل هذه الأمراض، ولذلك أوضح الكتاب أعراض هذا المرض مثل " ناتئ أو قوباء أو لمعة" (لا 13: 2) أو " لحم حي" (لا 13: 14) أو " دُمَّلة" (لا 13: 18) أو " كي نار" (لا 13: 24) أو " ضربة وإذا منظرها أعمق من الجلد وفيها شعر أشقر دقيق" (لا 13: 30)، وأوصى الله بعزل المريض حتى يُشفى، وحتى لا يتم انتشار المرض في الشعب كله، وكان الكهنة هم الذين يُشخّصون المرض، وأيضًا هم الذين يحكمون بشفاء المريض.
يقول القمص تادرس يعقوب " إذ ينظر إلى البرص كرمز للخطية وثمر لها، جاء الحكم على الأبرص أن تعلن نجاسته قاسيًا إذ يفقده طعم الحياة ويعزله تمامًا عن الجماعة المقدَّسة.. لماذا تُشق ثياب الأبرص؟ كثيرون يخفون مرض جسدهم باهتمامهم بارتداء ملابس ثمينة وجميلة.. لذلك حذرنا القديس يوحنا الذهبي الفم من الرياء بكونه الثوب المزركش الذي تلبسه النفس المريضة فيلهيها عن معالجة المرض الحقيقي الداخلي.. وبينما يطلب فضح الجسد المريض بشق الثياب وكشف الرأس إذ به يطلب تغطية الشاربين، أي الفم، فالنفس المصابة ببرص الخطية يلزمها أن تنصت للوصية ولا تعلم الآخرين.. جاءت كلمات الحاخامات عن المصابين بالبرص تعلن نظرتهم إليهم كأنهم موتى، ليس لهم حق الحياة وسط الجماعة المقدَّسة.. يعلق العلامة أوريجانوس على إقامة الأبرص خارج المحلة بقوله {كل دنس يلقي الإنسان خارج مجمع الأبرار، أنه ينفيه بعيدًا عن الجماعة ويعزله عن موضع القديسين} أما مناداته: نجس نجس، فإشارة إلى دنسه الداخلي ودنسه الخارجي، أو دنس النفس والجسد معًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ