الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماء على كرسي الخلافة 4

علي مقلد

2017 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دماء على كرسي الخلافة 4

بقلم علي مقلد
يطيب للبعض إطلاق عبارة "إن هؤلاء لا يمثلون الإسلام" ، على الجماعات الإرهابية التي ترتكب جرائم القتل وقطع الرقاب وانتهاك الحرمات وتفجير الطرق والمواصلات العامة وغيرها ، من الجرائم التي يشيب من هولها الولدان ، مثلما تفعل داعش وعصابات "أنصار بيت المقدس" والإخوان والسلفيين والجهاديين وبقية ما يسمى بالجماعات الإسلامية ،والقائلون بهذه العبارة السالفة الذكر ، معذورون ،فهم يرون أن تلك الجرائم بعيدة عن سماحة الأديان وعظمتها وعلو شأنها ،لكن أغلبهم لا يدري أو ربما يدري ويكابر ، أن ما يشاهده من فظائع وقتال بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم ، ما هو إلا تكرار لما حدث في القرن الأولى من صدر الإسلام ،عندما تقاتل المسلمون الأوائل على السلطة ، وسفكوا الدماء المحرمة وقطعوا الرقاب وضربوا الكعبة بالمنجنيق واستباحوا الأعراض ، حتى أصبح بأسهم بينهم شديد ، يحسبهم "مسلم اليوم" أنهم كانوا على قلب رجل واحد ، لأن الوعاظ والخطباء في المساجد وكتب التاريخ المنقحة في المدارس ودعاة الفضائيات ، أوهموه بذلك ،لكنه لو قرأ وتفهم وتمعن وتدبر في دروس التاريخ ، لعلم أن قلوب الأوائل لم تكن كذلك ،وأن سيوفهم لم ترفع في الحق بقدر رفعها في سفك الدماء المحرمة ، بحثا عن السلطة والثروة إلا من رحم ربي ،وما يثير العجب العجاب ،أن البعض لا يزال يتوهم أن خلاص هذه الأمة في استعادة "دولة الخلافة" .

كنا توقفنا في المقال السابق ، عند موقعة الجمل التي حدثت في مدينة البصرة العراقية عام 36 هـ بين قوات ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ،والتي أسفرت المعركة حسب بعض الروايات عن مصرع نحو سبعة عشر ألفا من الطرفين أبرزهم طلحة والزبير .. وهنا نحن اليوم نصل إلى معركة أخرى لا تقل بشاعة ودما ، حدثت أيضا بين المسلمين الأوائل المتقاتلين على السلطة ،وهي معركة صفين ، التي نشبت عندما أعلن معاوية بن أبي سفيان - والي الشام في عهد الخليفة الثالث عثمان- رفضه تنفيذ قرار العزل الذي أصدره الخليفة الرابع علي ، كما امتنع معاوية الأمير المتمرد ومن معه ، عن تقديم البيعة للخليفة الجديد غير المسيطر على الدولة التي ورثها عن سابقيه، وطالب الأمير المعزول من الخليفة بالثأر لابن عمه عثمان، قبل الحديث عن الطاعة والولاء ، وهو موقف يراه البعض الرواة مجرد مماحكة من معاوية للاستقلال بحكم الشام عن دولة الخلافة أو الطمع في الخلافة نفسها وهو ما تحقق له فيما بعد، لكن بن أبي طالب حين رأى أن معاوية يتمرد ويرفض الرضوخ ، توجه بجيشه من العراق إلى الشام لتأديب الأمير المتمرد وإرغامه على المبايعة والنزول على الطاعة ولو تحت وطأة السيوف ... وفي منطقة "صفين" على الحدود السورية العراقية – الآن أيضا ، مسلمون يذبحون مسلمين في تلك المنطقة بحثا عن راية الخلافة ، لذلك لم يجرؤ أحد على أن يكفر "داعش " فهي ابن شرعي لتراث الصراع على السلطة .

نعود للتاريخ ، عندما التقى المسلمون في جيشين متصارعين ،كل منهما يريد رقبة الآخر ، في البداية حاول بعض العقلاء من الطرفين ،لشدة هول المشهد إيجاد وسيلة للتفاهم والتفاوض بين الفرقاء ، أملا منهم في إيقاف نزيف الدم الذي ملأ أرجاء الإمبراطورية الإسلامية الوليدة ، حيث كانت القلوب لا تزال معتصرة على ما حدث في "موقعة الجمل" التي لم يمض عليها في ذلك الوقت أكثر من عام، ومن ثم بدأت مفاوضات مارثوانية بين الطرفين عبر الوسطاء ، استمرت لمدة مائة يوم، لكنها لم تأت بنتيجة ، فقد طرف يرى أنه على الصواب وأن صاحب الحق ،وأنه يقتل منافسه على السلطة لإعلاء كلمة الدين ، وكأن لم يكن في الطرفين رجل رشيد يقول إن دماءكم بينكم حرام ، وأنكم تخسرون الدنيا والدين لأجل كرسي الحكم ، لكنها السلطة حينما تتمكن من شخص أو مجموعة أيا كانت تواجهاتها وأفكارها ورجالها ، لا تبقى ولا تذر ، ويسلك طالبها كل الطرق شرها قبل خيرها في طريقه للوصول إلى مبتغاه.

حين فشل الوسطاء في تقريب وجهات النظر بين علي ومعاوية ، بدأت مناوشات بين الجيشين استمرت نحو تسعة أيام سقط فيها خلق كثير من الطرفين ،هكذا وصف الرواة ففي خضم المعارك يموت الأتباع بلا حصر وبلا ثمن ... كل يوم تبدأ المعارك بعد صلاة الفجر – فكلا الطرفين يدعو الله خاشعا متضرعا أن ينصره لأن في نصرته نصرة للحق - حتى يحل ظلام الليل ،فيأوي كل فريق إلى مكانه ،يتقلب على جمر الانتظار للغد لعلها تكون ساعة إجابة وينتصر ويفرض سلطته، ولكنها كانت في الأيام الأولى معارك صغيرة ،تخرج فرقة من هنا وفرقة من هنا ويتقاتلان وترتوي الأرض بدماء القتلى ، لكن لم يلتحم الجيشان في معركة فاصلة إلا في اليوم التاسع حسب أغلب الروايات ، وفيه خاض علي ومعاوية حربا ضروسا أدت إلى مقُتل نحو سبعين ألف مسلم، منهم خمسة وأربعون ألفاً من جيش معاوية ، وخمسة وعشرون ألفاً من جيش علي ... "يا الله" ، كل هذه الدماء من أجل أن يجلس أحد الرجلين على كرسي السلطة ، لذلك عندما أرى ما يفعله "الإسلاميون" اليوم من استحلال دماء المسلمين وغير المسلمين في حربهم لإقامة دولة الخلافة ،لا أتعجب ولا تتعجب أنت أيضا عزيزي القارئ ، هم فقط يستعيدون التاريخ المر ،وكما يريدون استعادة الخلافة ،يعيدون أيضا نفس الطرق القديمة للوصول إليها.

في تلك المعركة الدامية ،تولد قصة أخرى ،تؤسس لمبادئ الانتهازية السياسية ،والخداع باسم الدين ، والتطرف والمزايدات واحتكار الحقيقة، وهي المبادئ التي تشربها بعد ذاك كل "دعاة الخلافة" حتى يومنا هذا ، وكأن التاريخ يهزأ بنا ، فيكرر نفسه ،ويضحك على خيبتنا أننا طيلة أربعة عشر قرنا ،نلف وندور في نفس الساقية ،ساقية الدم والصراع اللامتناهي،ولم نستطع أن نطور أفكارنا وأساليب حياتنا والبحث عن طرق حديثة للحكم ، وفصل الدين المقدس عن الحكم المتغير بتغير الأزمنة والأمكنة ، إنها قصة التحكيم بين علي ومعاوية ،حين رفع أنصار معاوية المصاحف على أسنة الرماح طالبين الاحتكام لكتاب الله ،وقبل الطرفان بعد شد وجذب ، وبعدما فقد كل منهما الآلاف من رجاله ،وأيقن كلاهما أنه لا مفر عن التفاوض ، اتفقا على مبدأ التحكيم، فاجتمع الحكمان على جبل التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل جيش معاوية بن أبي سفيان، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل جيش علي بن أبي طالب، كتبا وثيقة التفاوض على النحو التالي: "هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، أننا ننزل عند حكم الله، وكتابه، ونحيي ما أحيا الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنّة العادلة الجامعة غير المتفرقة" ، ثم ذهب كل من الحكمين إلى كل فريق على حدة، وأخذا منهما العهود والمواثيق أنهما أي الحكمان آمنان على أنفسهما، وعلى أهليهما، وأن الأمة كلها عونٌ لهما على ما يريان، وأن على الجميع أن يطيع على ما في هذه الصحيفة، فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان ، وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وقرأ الكتاب على الفريقين، فوافق الجميع على هذا الأمر، وبدءوا في دفن القتلى ويقول بعض الرواة: كان يُدفن في كل قبر خمسون نفسًا لكثرة عدد القتلى.

انتهت الحرب وتوقف القتال ، وأذن علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده ، ولم يحسم أي الفريقين المعركة ،على أمل العودة مرة أخرى ،بعد التحكيم وانتهاء المعركة مؤقتا بين الطرفين ، لكن علي بن أبي طالب كان على موعد جديد مع قتال آخر ضد فريق انشق عن جيشه ،وهم الجماعة الذين أسسوا فيما بعد مذهب الخوارج فقد زايدوا على أميرهم ورماه بعضهم بالخنوع تارة ، وكفروه تارة أخرى ، ومن هنا بدأت بذرة التطرف المؤسسة لجماعات الإسلام السياسي ففي كل فريق هناك من يزايد على الآخرين مهما كان علمهم وسابق فضلهم ، ويرفع هؤلاء المغالون شعارات براقة تجذب المتطرفين والإرهابيين في كل عصر وفي كل مكان .

في المقال القادم نتابع شلالات الدم التي انفجرت في التاريخ الإسلامي على أعتاب "كرسي الخلافة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط