الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبيٌّ يبحثُ عن أتباعٍ

سامي عبد العال

2017 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نبيٌّ بدون نبوةٍ... تلك هي الماركة الأخيرة لتجاوز مشكلات الدين وأزماته. فالعنوان المطروح أعلاه يناوش كلَّ شؤون المقدس. إنْ لم يهدف إلى زعزعة أساسه التاريخي. لأنَّ النبوة هي قناة اتصال سري للاعتراف بالإله. وتشمل طرفين متباعدين. أحدهما متعالٍ فوق الإدراك بينما الثاني ينقل رسالته إلى الآخرين. إذن يصبح الطرفان ثلاثةَ أطرافٍ معاً: الإله- النبي- البشرً. وتمثل إقراراً بحدوده القصوى التي تشمل الكائنات على امتداد الخط. ذلك تبعاً لكون التعاليم والنصوص المرسلَّة تحدد رؤاها الخاصة بالحياة والعالم.

أيضاً العنوان نفسه يتحرش بما له علاقة بالسماء. وهو من الطرافة بمكان لدرجة وجود تحولات جوهرية لمفهوم النبوة وأتباعها وحقيقتها والحوارات التي أحيطت بها. سواء أكانت متمثلة في أشخاص ادعوا النبوة أم في ظروف تاريخية ألقت ريباً عليها رأساً أم في الرسالة التي تحملها.
لعلَّ أعمق تحدي لمفاهيم "الإنسانية / العلمانية/ الدنيوية" هي مقولات الدين. تلك التي تشهد تجريفاً وحفراً في محتواها اللاهوتي كي يجد الإنسان موطئ قدم داخلها. وأقول أعمق لأنَّ التحدي يصبح على صعيد التأسيس لا مجرد التعلق بالنتائج. وأن المفاهيم السابقة لا تنجو بسهولة من الآثار المترتبة على نقد الدين. فما بالنا إذا كان رفضها(مقولات الدين) إجمالياً.

وفوق هذا وذلك عادة ما جاء رفضها من الخارج. كأنَّ الرافض يدفع عربة ضخمة بحجم التاريخ البشري إلى الآن، إلى الغد. اعتقاداً بأنَّ نقلها من موضع إلى موضع سيحل المعضلة. لكنه يعني أن ترك العربة الكونية –بعيداً- قد يدفعها لدهس معارضيها كحال الجماعات الدينية المتطرفة. فهم إطارات العربة الطائشة دينياً التي تقتل من يخالفها.

القضية من الخطورة بمكان بحيث ينبغي معرفة علامات الاستفهام القابعة في جوفها. وليس الأمر مجرد قلب الصورة(وضعية النبي) في شكل بشري راهن أو غير راهن. فلئن جرى هذا العمل السطحي لن يتم لصالح الإنسان. المقولات الدينية جزء من خريطة غارق في جميع التفاصيل كجبل الثلج الغارق بأعماق المياه. والاستدارة حوله لا تعني تجاوزاً له ولا خرقاً إياه. إن تفتيته يحتاج تقنيات حياتية ودنيوية أكثر ذكاء ورؤية تنفذ إليه من الداخل. وليس تكراراً له بمعطى ثان أو ثالث أو رابع. المصطلحات ذاتها كفيلة باجترار بقاياه وتخليق نواة تالية.
إنَّ التعامل مع الدين تحديداً يختلف عن التعامل مع أية قضايا أخرى. هكذا قبل كل شيء ينبغي التساؤل: كيف يفرِّغ الإنسان مقولات النبوة بلا سقف ميتافيزيقي؟ ولماذا يجب الاحتياط من دروبها الخفية؟ وبأي طرائق يستطيع الإنسان تجاوزها؟ وهل يمكن ترويضها بالطريقة التي تأسست بها؟ أما الخطوة الأبعد فهي: كيف نتناول النبوة بشكل نقدي جذري لا بشكل ادعائي؟

فالنبوة مقولة عابرة للتاريخ والمجتمعات. إنها قارة في أعماق المجتمعات الدينية وسواها تحت أسماء مختلفة. وربما تعد نموذجاً دلالياً يُطرح وراء السلطة والقوة والعبقرية والإلهام والمذاهب والطوائف. في المقابل يخُص الإله نفسه بإرسال الأنبياء. وهو اختيار خارج قدرة البشر على الاختيار النسبي. وبالتأكيد يعتبر الوحي(بألف ولام التعريف) من متعلقات الإله. ويمثل رجوعاً إلى حاضنته الميتافيزيقية عند الاعتراف برسالاته. وهذا الوضع راسخ في مجمل الثقافات القديمة والحديثة. ليس ذلك دفاعاً عن النبوة أو انكارها بل كشفاً لطبيعة عملها على صعيد اللاوعي الجمعي.
إذن بالنسبة للديانات لم تكن النبوة لتأتي اتفاقاً بناء على رغبة صاحبها. هكذا كانت طوال مسار الوحي. حيث يأتي نبي ليخبر قومه بكونه مرسلَّاً من قبل الله. والمعروف أنه يحمل علامات بعينها سواء إذا كانت معجزات تخترق قوانين الطبيعة أم رسالة تتحدى سواها. وهي غالباً عبارة عن كتاب هو الأهم في حياة النبي الجديد. وكذلك يضع الأخير الناس في اختبار خطير بواقع التحولات التي ستحدث. فهم قد يتحينون ظهوره بناء على إمارات معينة كما جرى بصدد المسيح ونبي الاسلام وما سبقهما. وفي الحالين قيل بوجود ارتباط بينهما وبين إشارات كونية كظهور بعض النجوم والكواكب.

هل تحتم الاوضاع المزرية نبياً جديداً؟ ربما هذا السؤال يحتاج إلى حياة مختلفة لا رسالة مختلفة. لأنَّ الحل الأخير لن يقدم شيئاً مغايراً. بل ربما سيكون هو الأسوأ مقارنة بسواه. على غرار القول الشائع" المشرحة مليئة بالجثث". هؤلاء الأنبياء الجدد الباحثون عن رعايا وعبيد تاليين. جميع الكوارث في تاريخ البشر ارتكبت بأسماء الأنبياء وإن تناقضت رسالاتهم.

أولاً: ستخلق تلك الفكرة الطبقية اللاهوتية ذاتها. فما سنراه تواً أن يبحث كل نبي عن اتباع بحكم القول بمعرفة جديدة. وهذه الحالة أشبه بوضعية ثقافية تتأقلم مع الظروف الاجتماعية حتى النهاية. ومن غير المجدي كون النبي لن يغدو عنيفاً.

ثانياً: يستحيل التخلص من التاريخ الدموي. فدعوة النبوة الجديدة لا تحذفه تماماً. وإلا لكانت النبوات التقليدية قد ألغت الديانات الأرضية والسماوية على حد سواء. وهذا لم يحدث. بل ازداد الناس (المؤمنون) تمسكاً بما لديهم من معتقدات قديمة. ومازالت الديانات تتناحر وتتعايش في جميع بلدان العالم.

ثالثاً: سيخضع النبي الجديد إلى هيكل السلطة السائدة. فطالما قد احتفظ بحاشية النبوة على ما بها من عوالق وحيثيات سيكون مصيره التقديس. في دوران لا ينتهي حول نواة الرسالة. وستصبح الجدة المبتغاة تبديل اشخاص بأشخاص. وكأن النبوات هي تبادل للكراسي الموسيقية ليس أكثر. أين الانفتاح الإنساني مع التحطيم الداخلي لمركزية وأيديولوجيا الديانات؟!

رابعاً: بأي منطق سيكون فهم وتأثير الرسالة الجديدة. فإذا كانت النبوات السالفة قائمة على الرؤى المصاحبة للحياة والآخرة، للثواب والعقاب فما المنطق الجديد سوى السلب لثروات الديانات الأخرى.

خامساً: يبدو أن الذهنية الدينية ليست فقط هي ما تعلن عن إيمانها بالمعتقدات حتى وإن كانت خاطئة. بل هي تقولِّب سواها من ذهنيات على غرارها. فهي لا تترك الملحدين وشأنهم إنما تدفع نحو الخروج من أقطارها بنفس أساليبها في تكوين الأفكار. ولذلك تضمن أن تجد صورها المشوَّهة في أكثر المناطق نأياً عنها. فما الحكمة من جراء العمل على غرار الأسس الدينية؟

سادساً: هل الرسالة الجديدة ستخلق إلهها كذلك. لأنَّ (النبوة) لن تكون سوى بإله. ولا يتم تجاوز النبوات القديمة أو تقارع أزمات البشر إلا بسلطة ليست لها. سلطة خارج نطاق الحياة. على الأقل يجب أن يظل سؤال الإله مطروحاً؟

سابعاً: تخلط النبوة الجديدة بين مهمة الرسالة الكاشفة لأشياء خاصة بها، مثل علاقة الأفراد داخل الإطار الميتافيزيقي والاخلاقي للمجتمع، وبين قدرتها على تثوير الثوابت. وقد يسبب ذلك انحرافاً في مسار الدين. لكنه غير ذات أهمية بدون أدوات فلسفية ومعرفية تدمر حدود التمايز وتحول دون العنف الديني.

إن سردية النبوة قد تأثرت - دون شك - بالأحداث السياسية والاجتماعية المتلاحقة. واعادة صياغتها تتطلب فكراً إنسانياً ابداعياً. وهو فكر يشرط ذاته بقدرته على حل المشكلات وأنسنة العالم. إنه من خامة وآفاق مغايرة تماماً. بحيث يملأ فراغاً مهولاً كثقب أسود يمتص ما سيخلفه المقدس... أم أن البديل ليس أكثر من ترقيع لثوب بالٍ؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تُدخل الاحتلال في ا


.. محبوب عبد السلام : مشاركة الحركة الإسلامية ضرورة لوقف الحرب




.. كارلو أكوتيس: كيف أصبح قديساً في الكنيسة الكاثوليكية؟


.. محبوب عبد السلام : مشاركة الحركة الإسلامية ضرورة لوقف الحرب




.. يهود من الحريديم يتظاهرون في تل أبيب احتجاجا على قانون التجن