الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرة الاجتماعية ومقاييس التطور

خالد حسن يوسف

2017 / 4 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عادتا ما نرى البعض من قومنا ينشرون صور لمعمار مملوك من قبل شخص صومالي, منبهرين ان مثل هذا المبنى قائم في الصومال.

بالطبع رأس المال قادر على الكثير الى انه لا يسعف البسطاء الذين لن يغير حضور هذه المباني الخاصة شيئا في حياتهم ولن يكون ذلك على الامد القريب بامر يغير من ملامح اقتصاد البلد, وجمال البلد ونهضته سيتم تكريسه حينما توفر الخدمات العامة للمواطنين ويتسنى لهم تعمير مساكن لائقة بالسكن الآدمي.

مثل هذه المباني عادتا تعود الى فاسدين متوزعين ما بين القطاع الخاص او العام.

قبل انهيار الدولة الصومالية في عام 1991 تحصلت شخصيات على قروض من البنوك الصومالية بضمان مبانيهم ولم يكونوا يعيدون هبات القروض وصولا الى حين النهاية المشار اليها وقد ساهم ذلك في التراجع الذي تعرض له البلد.

وجود مثل هذه المباني ليس مقياس على تطور البلد بقدر ما يؤكد ان المناخ العام تطغى عليه الروح الاستهلاكية.

ما تقدم منشور قصيركتبته في صفحتي على الفيسبوك, وقد رافق المنشور تعقيبات اصدقاء استدعت تناول النقاش, كمثال:

- "كنت اناقش في رسالة الماجستير سالني الدكتور عن ماهية التخلف بمثال هو :- هل يقاس التخلف أو التقدم بالثروة ؟ ترددت كثيراً ولم استطع الإجابة ... فرد قائلاً :- أن كان الامر يقاس بالثروة ... كم هي قيمة ما يملكه البدوي فى البادية من ابل وكم هي قيمتها النقدية ؟ قلت هي طائلة فعلاً ..... قال آلا تشتري عدداً من المباني الفخمة جداً فى العاصمة ؟ قلت نعم ... قال اذا كان المقياس صحيح فهو اثري من ذاك الذي نحسبة متحضراً في العاصمة ... ونعده متخلفاً وهو فى البادية ... وقتها ادركت ليس المعمار أو الثروة هي المعيار الحقيقي الذي يمكن ان نعتمد عليه في مسائل التقدم والتخلف في مجتمع ما."

طبعا المعمار ليس المعيار الوحيد او الاساسي لتقدم, حيت هناك مجتمعات تعيش في ظل نهضة عمرانية متطورة بينما تعاني من التخلف في بنيتها الاجتماعية وامثلة على ذلك مجتمعات الخليج العربي وليبيا, وفي اتجاه آخر اكد التاريخ ان النهضة العمرانية قد اكدت على مدى تطور مجتمعات تاريخية مصرية,نوبية,فينقية,امازيغية,بابلية وغيرها, اذ عكست حالة العمران مدى واقع التطور في تلك الحقب التاريخية.

الاشكالية هنا ان الدكتور الذي يناقش رسالة الماجستير, انه يقيس واقعان اجتماعيان من خلال اداة الملكية والتي لا يمكنها ان تكون بحد ذاتها كمقياس مقارنة مع حالتان اجتماعيتان هناك مفارقة وتناقضات واضحة بينهما.

فالبدوي في المقام الآول ينتمي الى واقع بدائي متواضع في معرفته للكون والمحصورة على محيطه الاجتماعي الريفي.
ثروة البدوي لا يتجاوز استثمارها محيطه الريفي وعادتا ما تكون معرضة لهجمات الطبيعة والأمراض.
عدم اهتمامه بقيام حضارة وتكريسها وتركيزه محصورعلى المؤامة مع محيطه الريفي.
امثلاك البدوي لثروة لا يعفيه من ان يدرج ضمن بيئة المجتمع ذو الاقتصاد الريعي, نظرا لطبيعة هذا الاقتصاد وان كان من دائرة المنتجين.
لا يصنف البدوي اجتماعيا ضمن فئة الطبقة الوسطى والتي تمثلك قدرا من الدخل والملكية الفردية والعلم وحياة اجتماعية متطورة مقارنة مع البدو.
البدو يفتقدون الى اساسيات الحياة رغم ان الكثيريين منهم ذوي ثروة, وغياب هذه الاساسيات يصنفهم في دائرة الجماعات الاجتماعية الاكثر تخلفا في المجتمع.
الفقيرالمدني في حال حصوله على الثروة النقدية يمكنه اداراتها مقارنتا مع البدوي في حال حصوله على هذه الثروة ذاتها.
البدوي اكثر تعرضا للامراض والأوبئة مقارنتا مع فقراء المدن الذين يملكون قدرا من اساسيات الحياة.

- "وهذا ما يسمونه بالاقتصاد الاستهلاكي."

هنا اقول عموما ان العمران يشكل بجزء اساسي من التطور الاقتصادي لبلد ما, الى ان الحالة موضع النقاش هنا هي فعلا تأتي في سياق اقتصاد استهلاكي, اذ ان العائدات المالية لتأجير مثل هذا المباني عادتا يتم ترحيله الى خارج الصومال ولا يصب الجزء الأكبر منها في الاقتصاد الصومالي, كما ان هذه المباني تؤجر بعملة الدولار الامريكي والذي يتم ترحيله مباشرتا ولا يصب في اطار تكريس استقرار في سوق العملات المالية في الصومال ويسهم في تراجع واقع معيشة المجتمع لكونه يسحق باستمرار العملة الوطنية التي اصبحت بجزء من ذاكرة تاريخية.

- "المهم في الناتج ان البلد الذي فيه ابنية فخمة افضلا حالا بكل المقاييس من البلد الخرابة."

طبعا البنية الفخمة افضل حالا من الخربات, الى ان الامر الذي انطلق منه المنشور يستدعي التوقف عنده ونقاشه وبتالي لا يمكن تسطيح الأمر ببساطة المقارنة ما بين بنايات فخمة واخرى خرابة.

- "في نظري العقار فى الإقتصاديات الناشئة حيث التقلبات عنيفة و العملات المحلية تتعرض من حين لأخر لضغوط شديدة و معدل البطالة غالبا مرتفع، لذا حين تمتلك شقة أو أرض أو بيت فهناك إحساس نسبى بالامان ينتابك، البيت سعرة يزيد مع الوقت و يوفر لك مسكن بدون ما تدفع إيجار, المسكن يصبح "العقار أضمن إستثمار". و كمان حماية عائلية فى إستقرار فى بيت بدون تكلفة إيجار قد لا تستطيع دفعها فى يوم من الايام توليفة العقار إستثمار.
لإن الإقتصاد لا يتيح أى بدائل تحميك من التضخم و تقلبات التوظيف، فلا تأمين يحميك حين تفقد وظيفتك، و لا منظومة صحية قوية تضمن حد أدنى من الرعاية الصحية لك بغض النظر عن دخلك، لا يوجد منتج مالى يحمى مدخراتك من التضخم ، ولا توجد سندات محلية أو لشركات مضمونة يشتريها الفرد, إلخ إلخ إلخ ..... بإختصار كأى إنسان عادى تسعى لتأمين المستقبل لا يوجد امامك إلا العقار. مساحة عمل اقتصاد خدمي تكاد تكون معدومة في البلد يا صديقي، لست مع التباهي في المباني لكن هي على الأقل محاولة للتأمين و ليست في خانة الاستهلاكيات."

مؤكد ان العقار يمثل بحماية وضمان مادي على المستوى الفردي امام تقلبات الاقتصاد والحياة عموما, الى ان الحالة محل النقاش هنا يؤخذ عليها انها تصب في اطار خدماتي حصرا, لم يتحرر منه الصومال حتى الراهن بدلا من الاتجاه الى اقتصاد داعمته الانتاج ولاسيما في ظل العديد من الموارد,ثروة حيوانية,بحرية,نهرية وزراعة ومياه انهار.

والقول هنا باهمية التركيز الرأس المال الوطني على المشاريع الانتاجية ولاسيما الصغيرة في سبيل اقامة بنية اقتصادية تعمل على تحقيق واقع تطور مادي ينعكس بدوره على الواقع الاجتماعي والسياسي والامني للبلد, وتمكين استقطاب استثمارات خارجية غير متوحشة ويمكنها ان تدفع من عجلة التطور الانتاجي تحديدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فندق فاخر في أبوظبي يبني منحلًا لتزويد مطاعمه بالعسل الطازج


.. مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية بغزة | #راد




.. نتنياهو يزيد عزلة إسرائيل.. فكيف ردت الإمارات على مقترحه؟


.. محاكمة حماس في غزة.. هل هم مجرمون أم جهلة؟ | #حديث_العرب




.. نشرة إيجاز - أبو عبيدة: وفاة أسير إثر قصف إسرائيلي