الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماء على كرسي الخلافة 7

علي مقلد

2017 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الأمور المؤلمة في صراع الرعيل الأول من المسلمين على "كرسي الخلافة " ، هي تقاتل الأشقاء على السلطة ، حيث تفرقت الأسر والعائلات ، بين مؤيد لهذا ومتحالف مع ذلك ، وضاعت الألفة والأخوة بين المسلمين ، فإن كان النبي محمد ، قد آخى بين الأعداء ،ها هو ذا كرسي الخلافة ، يفرق بين الشقيق وشقيقه والأخت وأخيها ، كل منها يستل سيفه ، ويناطح أخاه من أجل أن يجلس أحد المتصارعين على سدة الحكم ، ولعل أسرة الخليفة الأول أبو بكر الصديق ، من تلك الأسر التي تفرق شملها ، بسبب الصراع الدموي بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على الخلافة ، فقد شهدت "معركة الجمل" وقوف أم المؤمنين عائشة زوجة النبي محمد في جيش ، يقاتل جيشا آخر يضم شقيقها محمد بن أبي بكر ، كما شهدت المعارك التي خاضها جيش معاوية لانتزاع ولاية مصر من سلطة الخليفة الرابع ، وقوف عبد الرحمن بن أبي بكر مع الجيش الأموي ، ضد شقيقه محمد الوالي على مصر بأمر علي بن أبي طالب ... إنها كارثة الصراع على السلطة .
كنا توقفنا في مقال سابق ، عند اتفاق علي و معاوية على مبدأ التحكيم ، ووضعا "وثيقة هدنة" – إن صح التعبير - ، واتفقا على أنهما سوف يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان الوقت حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان ، وقد شهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وهكذا توقف القتال وأذن علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده بعد مقتل عشرات الآلاف من الفريقين ، لكن بن أبي طالب لم يهنأ بالهدنة فقد كان على موعد مع حروب أخرى خاضها ضد نفر من جيشه ، وهم الخوارج وقد رأينا في المقال السابق ما حدث في معركة "النهروان" وما ترتب عليها من تشعب وتفتت في جيش الخليفة الرابع ، وكذلك رأينا كيف ولدت بذرة التطرف والغلو التي نعاني منها الآن بسبب فكر الخوارج ، لكن في المقابل كان الأمير المتمرد معاوية بن أبي سفيان أكثر حظا فقد احتشد حوله أهل الشام ، مما أغراه للطموح في أن يوطد ملكه بضم ولاية مصر إلى سلطانه ونفوذه ، ليقوى شوكته في مواجهة الخليفة غير المسيطر .
صحيح أن مصر كانت بعيدة عن ساحات القتال بين علي ومعاوية في بداية الأمر ، لكن المتتبع للسياق التاريخي يرى أن دخولها معترك الصراع ، كان أمرا حتميا وإن طال الوقت بعض الشيء ، لعدة أسباب ،أولها قربها من الشام الخاضعة والتابعة لمعاوية ، وبعدها عن الخليفة الحاكم من العراق ، والذي يعاني من اضطراب في صفوف جيشه ، الأمر الثاني وجود محمد بن أبي بكر على عرش مصر ، وهو متهم أساسي في مقتل عثمان بن عفان – علي الأقل - من قبل الأمويين ، وهو أحد الذين كان معاوية وعشيرته يطالبون برقبته، ثأرا لعثمان ، الأمر الثالث ضعف سلطة محمد على مصر ووجود معارضة شرسة له وعدة قدرته على السيطرة على زمام الأمور لصغر سنه وقلة خبرته ، أما الأمر الرابع في حتمية دخول مصر معترك الصراع ، تكمن في وجود عمرو بن العاص ضمن رجال معاوية ،وهو الذي كان يرى أنه الأحق بحكم مصر خاصة أنه أول من دخلها وضمها للإمبراطورية الإسلامية ، وكان يرى أن مصر "تعدل أربعة أركان الخلافة" كما أنه كان موعودا من معاوية بأن يجعل له مصر "طعمة خالصة طول حياته".
إذن قضي الأمر ،وحسم معاوية وعمرو القضية، بضرورة انتزاع ملك مصر من تحت ولاية علي ، فأرسل معاوية جيشا قوامه ستة آلاف للسيطرة على الأمور في مصر بقيادة عمرو بن العاص ، وكان خبيرًا بالبلاد وأهلها ، وانضم الستة آلاف الذين معه إلى عشرة آلاف أخرى كانت مع معاوية بن حديج الذي كان يقود المعارضة المسلحة ضد الوالي ، فصاروا ستة عشر ألفًا، وتعاونا معًا، واستنفر محمد بن أبي بكر أهل مصر للخروج معه، وكان الكثير منهم من أهل اليمن ممن يسكنون مصر، فأبوا عليه، ورفضوا، فلم يخرج معه على أكبر تقدير ألفان ، فلما علم عليا أن رجله في مصر يواجه مصاعب جمة ، أرسل قوة كبيرة بقيادة أحد أبرز رجاله في الحروب وهو الأشتر النخعي ، لمساندة محمد بن أبي بكر ومن معه، فلما وصل الأشتر النخعي إلى مصر ، وفي منطقة "القلزم" السويس حاليا ، استقبله أحد الناس، وأعطاه شربة عسل، فلما شربها مات، فقد كانت مسمومة، وتشير روايات تاريخية كثيرة إلى أن معاوية هو من دس ذاك الرجل لوضع السم في شراب قائد جيش علي ، ويقال أن معاوية فعل ذلك لسببين، الأول : قطع المدد عن محمد بن أبي بكر ،مما يسهل عملية الانقضاض عليه، والثاني أن الأشتر النخعي متهم أيضا بأنه كان ممن حاصروا عثمان "يوم الدار" وممن شجع الناس على قتله ، وقد كان معاوية يستحل دماء كل من شارك في ذلك ، كما أنه بقتل الأشتر ، يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد ، أضعف خصمه وأخذ بثأر قريبه ... ولما علم معاوية، وعمرو بن العاص أن الأشتر مات بالسم ، قالا قولتهما المشهورة "إن لله جنودًا من عسل".
خلاصة القول أن الجيش الأموي وصل مصر وألحق بواليها المعين من قبل الخليفة هزيمة نكراء ، ومما يؤسى له أن الجيش الأموي كان يضم بين جنابته عبد الرحمن بن أبي بكر ، والذي شهد بنفسه مقتل أخيه ، ولم تقبل شفاعته عند رفقاء سلاحه.. فعندما " استطاع معاوية بن خديج وهو من أصحاب عمرو بن العاص أن يظفر بمحمد ابن أبي بكر وهو يكاد يموت عطشاً، فوثب أخوه عبدالرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص، وكان في جنده، فقال: لا والله، لن يُقتل أخي ؟ ابعث إلى معاوية بن خديج فأنهه عن قتله، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد، فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي، وتطالبونني أن أخلّي عن محمد، هيهات، ثم قرأ "أكفّارُكم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر " .. ولعل هذا الموقف يكشف حجم المأساة التي انزلق لها إليها المسلمون في صراعهم على السلطة .

تذكر الروايات حديثا طويلا دار بين الوالي المهزوم وأمراء الحرب المنتصرين ، جاء فيها أن محمدا بن أبي بكر قال بعدما ظفروا به: اسقوني قطرة من الماء، فقال له معاوية بن خديج: لا أسقاني الله إن سقيتك قطرة أبداً، والله أقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن، ويسقيك الله من الحميم والغسلين، فقال له محمد: يا ابن اليهودية النسّاجة؛ ليس ذلك اليوم إليك، إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه، الذين هم أنت وقرناؤك ومَن تولاك وتولّيته، والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم، فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك ؟ سأدخلك في جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار، ويقال في أغلب الروايات إنه كان في المغارة التي ألقي القبض فيها على محمد ، جيفة حمار ميت، فقال بن أبي بكر : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً، كما جعلها الله على إبراهيم خليله، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك يقصد معاوية، وهذا وأشار إلى عمرو بن العاص ، بنار تَلَظّى، كلّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيراً، إلى آخر ما دار من حوار بينهما، ثم غضب معاوية بن خديج، فقدّمه وضرب عنقه، ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار.... يا لبشاعة المنظر ، وجرم الحدث ... للأسف البعض يتساءل من أين جاءت داعش ، يا هؤلاء وأولئك ، إن داعش ، ولدت من رحم التراث الذي ترفضون تنقيته وتوعية الناس بما فيها ، فهؤلاء متصارعون على السلطة ، وليسوا حجة ، فلماذا نقدسهم فنسيء للمقدس ذاته.
بهزيمة محمد بن أبي بكر ومقتله ، ضعفت شوكة علي بن أبي طالب في مواجهة معاوية الذي أصبح يحكم الشام ومصر ، وقد حزن علي بن أبي طالب على مقتل محمد بن أبي بكر لأسباب سياسية واضحة ، فقد خسر واحدة من أهم الولايات، كما أن شعبية منافسه زادت ورقعة حكمه اتسعت ، كما أن القتيل ليس فقط واليه على إحدى الإمارات بل هو ربيبه ، فقد تربى محمد في حجر علي ، فقد تزوّج عليّ من أسماء بنت عميس بعد وفاة زوجها أبي بكر الصديق ، وربّى الطفل محمد آنذاك في بيته وكنفه بين أولاده وقد كان محمدا من أخلص رجال علي له وخاض معه كل الحروب ، واصطف مع علي ضد أخته وأخوه ، كذلك حزنت السيدة عائشة رضي الله عنها حزنًا شديدًا لقتل أخيه ، وضمت إليها أولاده لرعايتهم وكان من أبرز أبنائه القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة الذين أخذ عنه الفقهاء والمفسرون علوم الإسلام.

أما عبد الرحمن بن أبو بكر الذي قاتل في جيش معاوية ضد أخيه ، فقد جاء له يوم واختلف مع معاوية أيضا ، عندما أراد الأخير أن يأخذ البيعة لابنه يزيد دون مشورة المسلمين ، فرفض عبد الرحمن ذلك وقال قولته المشهورة : "و الله ما الخيار أردتم لأمة محمد ولكنكم تريدون - يقصد بني أمية- أن تجعلوها هرقلية ، كلما مات هرقل قام هرقل"و قد أيده فريق من المسلمين على رأسهم عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وغيرهم، وقد ظل عبد الرحمن يجهر ببطلان بيعة يزيد ، لدرجة أن معاوية بعث إليه من يحمل مائة ألف درهم يريد أن يؤلف قلبه، فألقاها عبد الرحمن في الأرض ، وقال لرسول معاوية : "ارجع وقل لمعاوية إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه" ولما علم عبد الرحمن أن معاوية يريد أن يأتي إلى المدينة ،فر إلى مكة ولم يكد يبلغ مشارف مكة حتى فارق الحياة ودفن في أعالي مكة سنة 53هـ ، وهو معادي لمعاوية الذي حارب معه ذات يوم ضد شقيقه.

إنه الصراع الدموي على كرسي الخلافة الذي دفع الأخ ليقاتل ضد أخيه ، وأن يفترق الحلفاء ويتحالف الأعداء ،في سبيل الوصول للسلطة ... في المقال المقبل نصل إلى أبرز نقطة جوهرية في الصراع على كرسي الخلافة وهي مقتل علي بن أبي طالب ، وكيف سارت الأمور إلى حكم وراثي لبني أمية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah