الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر

طوني سماحة

2017 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنه سبت آخر، سبت يهودي، ولكل سبت معركته. في أورشليم، عند باب الضأن، بركة يقال لها "بيت حسدا". وإن كانت بيت حسدا تعني بيت الرحمة، إلا أنها كانت شاهدا على آلام الناس. كم من الدموع ذرفت هناك فامتزجت بمياه البركة التي كان يتلاعب بها الهواء. كم شهدت هذه البركة على أنات المتألمين والمرضى والسقماء.

في ذلك السبت، أتى يسوع البركة. هناك كان مضطجعا جمهور كثير من عرج وعمي وعسم ومرضى. كانوا يأتون بعاهاتهم ويتوقعون أن ينزل ملاك ليحرك الماء، فمن نزل أولا برأ. كانت الثواني تبدو لهم ساعات والساعات أياما. كانوا يجلسون على ضفاف البركة يزاحم واحدهم الآخر. المعركة بالنسبة لهم كانت معركة بقاء، لا مكان للرحمة فيها. المرضى كثيرون والذي يشفى واحد. وراء هؤلاء المرضى، كان الكثير من أهلهم يقفون ولديهم لهفة لشفاء أحبائهم قد تفوق أحيانا لهفة المريض نفسه: أطفال يريدون أن يراهم آباؤهم للمرة الأولى. زوجات أنهكهن العمل الذي يقمن به لسد احتياجات رجل مشلول. آباء وأمهات كسر الهم قلوبهم على ابن لم يسمع صوتهم يوما. هناك، كان الكثيرون يعودون الى مأواهم يجرون أذيال الخيبة. كانوا يذرفون الدموع، دموع الأسى والمرارة.

في ذلك السبت، أمّ يسوع البركة. نظر حوله فلم ير سوى الدموع ولم يسمع سوى الأنّات والآهات ولم يشعر بغير الحزن. نظر حوله وشاهد رجلا به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة. سأله يسوع "أتريد أن تبرأ؟" نظر هذا السقيم الى الرجل الغريب الواقف أمامه واتقد الأمل في قلبه. "أينتظر هذا الغريب الى جانبه تحريك الماء كي يرميه أولا؟" قال له "يا سيد، ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء. بل بينما أنا آت ينزل قدامي آخر". لم يكن الرجل مريضا فحسب، لكنه كان وحيدا متروكا. خذله الانسان والإنسانية. خذله الدين والمتدينون. خذله المجتمع والناس. قال له يسوع "قم، احمل سريرك وامش"، فحمل الرجل السرير وهم بالسير.

كانت كلمة يسوع كافية لخلق بلبلة وهيجان وسط الجموع. اعترض اليهود طريق المشلول. قالوا له " إنه سبت، لا يحل لك ان تحمل سريرك ". أجابهم "إن الذي أبرأني قال لي "احمل سريرك وامش". أما الذي شفي لم يكن يعلم من هو، لأن يسوع اعتزل. وبعد ذلك وجده يسوع فقال له "ها أنت برئت، فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر". فمضى الانسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه" لذلك كان اليهود يطلبون ان يقتلوا يسوع لأنه عمل هذا في السبت.

حكاية يسوع مع السبت والمرض والفريسيين حكاية عمرها من عمر الناس. المرض والألم مكونان أساسيان للحياة، قد نفهم الهدف منهما حينا ونجهله أحيانا. لكن وجود الألم والمرض بيننا يستدعي وجود الرحمة والعطف. فالرحمة تخفف من معاناة المريض والعطف يكفكف دموع الباكي. يبقى ان الرحمة والعطف قد يصطدمان بالمقدسات في حياتنا. ماذا ترانا نعمل عندما يقف السبت الذي قدسناه في وجه الرحمة. "أخلق السبت من أجل الانسان أم الانسان من اجل السبت"؟ قال يسوع لمعارضيه. المنطق يقول "خلق السبت من اجل الانسان" والوثنية التي رعرعناها في قلوبنا، أكانت دينا أم معتقدا أم فكرا أم خشبا وحجرا، تقول "خلق الانسان لأجل السبت". المنطق يقول "الانسان سيد الخليقة، يجلس على رأس هرمها، يديرها حسنا، يعتني بها ويعمل لخيره وخيرها"، أما التحجر الفكري والديني والفلسفي والاخلاقي فيقول "حياة الانسان وخيره العام يأتيان ثانية في درجة الأولويات ويتم التعامل بهما وفقا للظروف والتقاليد والعادات التي بناها الانسان وقدسها.

إن كان السبت عائقا أمام شفاء مريض نظرا لقدسيته، فكم من سبت في حياتنا يحكم على الانسان بالموت والشقاء والدموع. جريمة الشرف سبت، ختان الفتيات سبت، زواج القاصرات سبت، قتل وتكفير الآخر سبت، العنصرية سبت، الخيانة سبت، الاتجار بالجنس سبت، واغتصاب الفتيات والقاصرين سبت. كان السبت عند اليهود يوما في الأسبوع، لكنه في حياة الكثيرين منا يمتد على مدى العمر.

عالمنا اليوم تغير عما كان عليه في زمن الفريسيين. لكننا ما زلنا فريسيين بنمط حياتنا وفكرنا. ما زلنا نبني حيطانا بيننا وبين الناس. ما زلنا نقدس السبت، مهما اختلف شكله، على حساب الانسان. عالمنا اليوم بأمس الحاجة لمنقذ يزيل هالة القدسية عن السبت ويهدم الحيطان التي بنيناها بين الرحمة والانسان. سوف يسقط السبت عندما نسقط السيف، سيف الحديد وسيف الكلمة، من أيادينا لنستبدله بقبلة ومغفرة ورحمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما