الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجير كنائس المحروسة، خط دفاعها الأخير

محمد زكريا توفيق

2017 / 4 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"لا يحزنني فعل الأشرار، إنما صمت الأخيار" مارتن لوثر كنج
من هو المسؤول عن هذا الحادث البشع؟ هل هو الشملول الذي فجر نفسه أو الذي وضع العبوة الناسفة، لكي يقتل العشرات ويجرح مئات الأبرياء، ويريق دماءهم الطاهرة، ويفسد على كل المسيحيين الأقباط فرحتهم بعيدهم؟ أي رجولة في ذلك أو شهامة أو نخوة؟

لماذا نفعل مثل هذه الأعمال القذرة؟ ألكي تتطهر أرواحنا وتتبوأ مكانا مرموقا في الجنة؟ التي تجري من تحتها أنهار من لبن وعسل مصفى، حيث الحور العين، الإثنين والسبعين؟

هل سنكون سعداء ونحن نحتسي الخمر ونضاجع الحور العين، بينما نجلس على الأرائك، لابسين ثيابا سندس خضر وإستبرق، ونحن نعلم أن ثمن هذا النعيم المقيم، هو قتل الأبرياء من أطفال ونساء وكهول. لا ذنب لهم ولا جريرة. كل ما يطلبونه ويرجونه من هذا الوطن البائس، هو تركهم في حالهم يعبدون ربهم بالطريقة التي يريدونها.

لا يا سيدي، السبب سياسي وليس ديني. أعتقد أن سبب حادثي كنيسة طنطا أو كنيسة الإسكندرية الحقيقي، هو شعور قوى الظلام والتخلف الرهيب أن، أقباط مصر، هم خط دفاعها الأخير والوحيد، قبل أن تسقط مصر في براثن الوهابية والأصولية الإسلامية. مصر في سبيلها لكي تكون ولاية وهابية. الاستماته في تسليم الجزر، تيران وصنافير، إلى السعودية، خير دليل على ذلك.

ماذا يفعل المسيحيون الأقباط بعد أن تخلت عنهم حماية الدولة وعدلها وإنسانيتها، وبعد أن شاهدوا طناش السيد الرئيس وكبير وزرائه ورئيس مجلس نوابه وكبار المسؤولين وصمتهم الرهيب؟

ماذ نفعل ونحن نرى أحشاء الوطن تتمزق إلى أشلاء وشيع وأحزاب وملل ونحل دينية وعنصرية؟ دوائر جهنمية ملوثة بأصباغ الطائفية والتفرقة والتمييز وعدم المساواة؟

كل دائرة جهنمية يقول من بداخلها: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا – متى أضع العمامة تعرفوني. كل من بداخل الدائرة لنا، وكل من بخارجها علينا. حجاب ونقاب وجلابيب فوق الركبة وسبح ولحى طويلة وشوارب محفوفة، لا للعبادة ولكن لتمزيق أحشاء الوطن وتقطيع أوصاله.

متى كان الإسلام له زي مخصوص ولباس مميز؟ إذا تميز المسلمون بلباسهم بمحض إرادتهم، بات المسيحيون الأقباط مميزين بغير إرادتهم، ومن ثم أصبحوا عرضة للعسف وللاضطهاد.

نحن المصريون، إن لم نستطع حماية أنفسنا ووحدة أوطاننا، فهذا يعني أن هناك شئ خاطئ في تكويننا الحضاري والإنساني. المصري، الذي أوجد أجداده الضمير الإنساني بأسمى معانيه، يجب أن يعيش في بلده آمنا على نفسه وأسرته وممتلكاته ومعتقداته ومؤلفاته ومخترعاته، مهما كانت ديانته وأفكاره. غير مهدد من رجال الأمن أو من جاره أو من سائقي التاكسي أو الميكروباص أو من بلطجية الشوارع أو من الروتين الحكومي أو من أي شئ آخر.

المرأة المسيحية القبطية يجب أن تخرج إلى الشارع وهي آمنة، فخورة بنفسها ووطنها. فخورة بكونها مصرية تنتمي إلى هذا الشعب العريق. فلا يجب أن تتوارى خجلا من كشفها لوجهها وشعرها، في مجتمع يتجه بخطى ثابته إلى الوراء والتخلف والتطرف والهاوية.

الطفل القبطي لا يجب أن يشعر بالغربة والإزدراء في مدرسته عندما تأتي حصة الدين، حيث يجد نفسه وحيدا فريدا مختلفا عن باقي الأطفال المسلمين. كذلك، التفرقة لا يجب أن تكون بسبب الدين في الوظائف العامة والمناصب القيادية والجيش والشرطة.

هذه أمراض اجتماعية ولى عهدها منذ زمن بعيد. لم تعد موجودة إلا في بلاد التخلف والانحطاط. لسنا في حاجة لبعث سلفي جديد، يعيد إلينا أيام الخوارج والقرامطة والحشاشين والخناقين.

التفرقة بين المواطنيين بسبب الدين جريمة أبشع من الخيانة العظمى. الخيانة تعرض الوطن للهزيمة، لكن التفرقة بسبب الدين تعرض الوطن للضياع والفناء والتمزيق والحروب الداخلية.

من قال أن الشعب المصري ينقسم إلى قسمين، مسيحيين ومسلمين؟ أين حدود القسمة بالضبط؟ إذا كانت موجودة، أريد أن أراها أو يدلني عليها أحد. الفرق بين القبطي والمسلم لا توجد إلا في عقولنا المريضة وقلوبنا السوداء.

إذا جلس مسلم مصري بين مسيحيين أقباط، هل تستطيع أن تعرفه وتميزه وتقول هذا هو المسلم؟ وإذا حدث العكس، هل تستطيع أن تتبين المسيحي من بينهم؟ ومن من المسلمين لم يتعلم على يدي أستاذ مسيحي، أو يعالج بطبيب مسيحي، أو العكس؟

أربع رضعات، أو خمسة مشبعات من نفس الثدي، تجعل الطفلين أخوين. هذا ما يقوله فقهاؤنا ويصدعوا به رؤوسنا، فما بالك بمن يأكلون من خيرات نفس الأرض ويشربون من نفس النهر جل عمرهم. أليسوا إخوة وأخوات. وما دخل الخلطابيطا والبالوظا الموجوده فى رؤوسنا وشغلانة الوطن والمواطنة؟

يا سيدي الوطن أهم من الدين. الوطن(Hardware) والدين (Software). الوطن حقيقة، والدين خيال. الوطن ثابت، والدين متغير.

شوف كام دين مروا بمصر منذ فجر التاريخ. لكن ظلت مصر وطنا واحدا بحمد الله. إنك تستطيع أن تعيش بدون دين، لكن لا تستطيع أن تعيش بدون وطن. اسألوا الفلسطينييين إن كنتم فى شك.

الحيوانات ليس لها دين، وليس لها هذا الكم الهائل من الكتب والفتاوي والتفاسير الدينية، التي تسمم الفكر وتكبل العقل. لذلك هي أسعد حالا منا. لكن لها وطن تدافع عنه حتى الممات.

ماذا يضير المسلمين لو حول كل قبطي داره إلى كنيسة؟ لماذا العسف في موضوع بناء الكنائس هذا؟ أليس من حق كل واحد ممارسة دينه بحرية وأمان؟ ولكم دينكم ولي دين. ولماذا التسويف والمماطلة في إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد؟ شيخ الأزهر كان قد اعترض على مشروع القانون. لذلك، ووفقا للدستور، هذا القانون لن يرى النور.

إيه موضوع الخط الهمايوني اللي عامل الدربكة الفارغة دي؟ يا ناس عيب. وعيب التخلف الشديد ده. هذه بواقي ورواسب العصور الوسطى، وعصور الانحطاط أيام السلطان بهلول وكبير وزرائه شملول. المطلوب قانون واحد وبس. ينظم بناء دور العبادة. ينطبق على الجميع. صعبة دي؟

إيه لازمة خانة الدين فى البطاقة الشخصية أو بطاقة الرقم القومي؟ علشان وعلشان. طيب ياسيدي إعمل بطاقتين. واحدة خاصة بالزواج والوفاة والمستشفيات، الخ. وأخرى عامة للوظائف والأمور المدنية. الهدف من إزاحة هذه الخانة الرديئة من بطاقة الرقم القومي، هو محاربة التفرقة البغيضة بسبب الدين، والتي لا نستطيع إنكارها.

لماذا الإصرار على النص فى الدستور، على أن يكون للدولة دين؟ عمري ماشفت دولة لها دين. الدين يكون للأفراد وليس للدول. الدول لها قوانين ودساتير وميثاق وطني وعقد اجتماعي، لتنظم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. لكن أن يكون للدولة دين، فهذا أمر عجب.

يعني الدولة تقدر تصلي وتصوم وتحج وتقيم الشعائر زينا؟ وهل الدول العلمانية، سكانها كفرة لا دينيين؟ إيه رأيك أن الدول العلمانية، هي التي تحمي الأديان، وهي التي تمارس فيها شعائر الأديان وطقوسها بحرية وأمان.

إذا كان دين الدولة الإسلام، فما هو وضع الإخوة المسيحيين الأقباط وغير المسلمين؟ في هذه الحالة، هم ليسوا مواطنين مصريين، إنما متسللين أجانب. فمن يرضى بهذا الوضع المزري.

لو كانت الأغلبية من الأقباط، فهل يقبل المسلمون أن يأتي دستور أو قانون، يصنفهم على أنهم غير مواطنين وخارج اللعبة، أي خرج متاع، وشرابة خرج. هذا البند يحرم المصري الغير مسلم من مجرد الحلم بأن تكون له حقوقا سياسية متساوية مع أخيه المسلم.

ما يمنعنا من إصدار قانون يجرم التفرقة بسبب الدين، كما هو الحال فى كل بلاد الدنيا؟ تكون عقوبته رادعة لكل النفوس المريضة الغبية، التى تتسبب بغبائها فى ضياع الأوطان.

هل هناك سبب بيولوجي أو منطقي أو نفسي، يمنع أن يكون رئيس الدولة أو رئيس الوزراء مسيحي قبطي، متى ثبتت كفاءته لهذا المنصب الجليل؟ الرئيس الأمريكي أوباما، أسود من أصل أفريقي. تم انتخابه عندما تبين للشعب الأمريكي أنه الأكفأ بين المرشحين. ونحن لا نقل كفاءة عن الشعب الأمريكي كأفراد، وجذورنا الحضارية أعمق وأصلب.

عندما يحدث خلاف بين مسلم ومسيحي، ويعتدي أحدهما على الآخر، تقوم الدنيا ولا تقعد. يحضر رجال الدين من كلا الجانبين، ووزير الداخلية أو كبير الأمن، وكبار الأعيان والعائلات. الكل يدلي بدلوه ويلقى من الشعر أعذبه وأكذبه. وينتهي الهرج والمرج بالمصافحة والأحضان وكله تمام. ولا يأخذ الجاني جزاءه.

يظل المواطن المسيحي يغلي بسبب إحساسه بالظلم والغبن. يا سادة هذا تهريج وفوضى. إذا إعتدى مواطن على آخر، ما دخل هذا بمنظومة المسيحي والمسلم واليهودي والبهائي. لماذا لا يأخذ الجاني عقابه وفقا للقانون وينتهي الأمر.

مشكلة المسيحيين الأقباط موجودة لأن الدولة ليست ليبرالية وعلمانية. كيف تكون علمانية والبند الثاني من الدستور يقول عكس ذلك؟ الدول الليبرالية والعلمانية ليس فيها هذا الهراء.

مطالبة المسيحيين الأقباط بحقوقهم خارج إطار الدولة العلمانية، هو مضيعة للوقت. يعرض أمن الوطن للخطر. لأنه يعمق الاستقطاب بين المسيحيين والمسلمين. فهل يكون الأقباط سعداء إذا أخذوا حقوقهم، وتحولت مصر إلى دولة وهابية؟

القضية هنا أكبر من أن تقتصر على حقوق المسيحيين الأقباط المهضومة. بقدر ما هي حقوق المصريين المسلوبة. الدفاع عن الحقوق هنا لا يجب أن يقتصر على فئة معينة. إنما يجب أن يكون لكل المصريين.

الحق لا يتجزأ. والعدل ليس له دين. حقوق الإنسان قضية عامة تنطبق على كل الأفراد. رجل أو إمرأة، مسلم أو قبطي، بهائي أو شيعي أو يهودي. وعلينا أن نثبت للعالم أننا شعب أرقى من شعوب كثيرة.

جهود المسيحيين الأقباط، وجهود باقي الشعب المصري، يجب أن توجه في اتجاه علمانية الدولة وليبراليتها. لكي نرجع كما كنا قبل عام 1952م.

عندما تغرز العربة فى الوحل، يكون من الأفضل الرجوع للخلف أولا، قبل التقدم فى الطريق الصحيح. لأن الضغط على البنزين سوف يجعل العجلات تدور على الفاضي، ونظل فى مكاننا محلك سر، أو نغرز أكثر وأكثر في الوحل والطين.

هناك مشاكل كثيرة بجانب مشكلة المسيحيين الأقباط. وهي مساواة المرأة بالرجل، وحقوق الأقليات الأخرى الدينية، اليهود والبهائيون وغيرهم. وهي قضايا هامة أيضا، تنتظر من يثيرها ويتبناها.

إذا لم تتحقق هذه الأمور بأسرع ما يمكن لإنقاذ الوطن، سوف تتمزق مصر ونكون مثل السودان أكثر من دولة. وسيقول التاريخ أنها كانت في يوم من الأيام دولة واحدة اسمها مصر، يحكمها ويسكنها جهلة أغبياء. هكذا تفعل كل الدول المحترمة. ولا نحتاج إلى فهامة صلاح جاهين حتى نفهم الخطر المحدق بنا.

إن أعاصير السموم تهب علينا من كل واد. ولا تجد مأوى ومرتع إلا الجانب المظلم من نفوسنا. قوى الشر تحيق بنا من كل حدب وصوب. توشك أن أن تقضي على ما تبقى لنا من أمن وخير. وتأبى إلا أن ترانا فى أسوأ حال وأحط منزلة.

ماذا يراد بنا بعد أن فقدنا هويتنا وأصالتنا؟ وصرنا كالعجماوات، نقلد بغير إدراك أو فهم. ماذا يبغي أعداؤنا بنا؟ بعد أن فقدنا الصدارة، ورضينا قانعين بمكان هزيل غير مريح آخر الصفوف. أليس من حقنا وواجبنا التساؤل؟

عزاؤنا للإخوة المسيحيين الأقباط لمصابهم الأليم.
وكل عام وحضراتكم بخير وعافية بمناسبة حلول أسبوع الآلام وعيد الفصح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزاء
محمد البدري ( 2017 / 4 / 10 - 07:58 )
للاسف وبكل مرارة لم يعد أحد في مصر (المحروسة) بخير وعافية بمناسبة حلول اي اسبوع او عيد أو شهر أو مناسبة.

تحياتي وعزائي لكل مصاب او شهيد أو مكلوم في وطن مجروح من ثقافته الحالية وسلطته التي لا تعرف عن الثقافة شيئا.


2 - كم أعجبني توصيفك
أحمد السيد علي ( 2017 / 4 / 10 - 22:39 )

الأستاذ محمد زكريا
محبتي

أنا من متابعِ كتاباتك العلمية بشغف، أتضامن مع شعب مصر وأرفع يدي احتجاجا للضحايا أقباط مصر وهم الأصل في مصر ، أما الاعراب فهم دخيلون أ عجبني جدا توصيفك الوطن هو الهارد ور والأديان هي السوفت ور، فالوطن للجميع هو المعطيات والأديان للأفراد العالم الافتراضي البرمجيات

تحياتي


3 - المرة ديه كنت وعظي جدًا يا دكتور محمد!!!
أفنان القاسم ( 2017 / 4 / 11 - 09:14 )
وكنت غلطان أوي! عاد السيسي من واشنطن بأوامر: مقابل المليار وتلاتميت مليون دولار للجيش الجيش لازم يثبت إنه جيش، يعنى لازم يفرض حالة الطوارئ، ونظام عسكري فاشي متل ده أوسخ من نظام مبارك -والا نسيت بجا- لن يتردد، حالة الطوارئ ما تنزلش من السما، يلزمها دماء كتيره، والبلطجية كتار، انت شفته الانتحاري؟ مجرد إنهم قالوا انتحاري، يعني بدون أي أثر، يعني هم من وراء ذلك، فيضعون الأنابل تحت كراسي المؤمنين، نعم، بكل بساطة! أما عن رئيس قبطي، فما أحب وأعز على قلبي، كمان هنا المسألة متعلقة مش بمسلم أو بمسيحي، المسألة مقررة سلفًا، الرئيس عسكري دموي وبس... ربنا يسامحك أخي الكبير محمد، انت لفيت الدنيا كلها، وبقيت بعيد أوي عن المجرم الحقيقي، الصامت، اللي بعمل العملة وبجلس يتفرج، وأنت بهذا لعبت الدور -دون أن تعلم- اللي بده اياه الفكر السائد!

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا