الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجير كنائس المسلمين!!

سامي عبد العال

2017 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



هل الموت يُميّز الناس حينما تُعْصَب عيناه؟! فالتفجيرات الأخيرة بمصر لم تفرق بين مسلم ومسيحي. وربما امتزاج الدماء لدليلٌّ على (رابطة الحياة) بصرف النظر عن ترصُد الارهاب. كم يفني العنف أصحابه الأفظاظ قبل مداهمته للآخرين. إذ يتوهمون ابتعادهم عن النيران بينما هم يمثلون الحطب الهش لإضرامها. لأنَّ عنواناً دينياً بعينه للقتل لا يترك أيَّ مخالفٍ مهما يكُن اعتقاده. إنَّ تفجيرات الانتحاريين مجنونة، لا تعترف بالمجتمع، ولا العقل، ولا الإنسان. وهي معبّأة بكم هائل من الكراهية السوداء تجاه المسيحيين قبل إطلاقها.

ألاَ يمكن لإرهابي (عقله داخل حذائه) أنْ يتراجع عن كراهيته للأديان الأخرى؟ ربما ما كانت لتُصفى الكراهية بهذه الخفة التي يصنعها الاسلاميون. إنَّهم - رغم أعمالهم الكارثية- يصنعون ايديولوجيا هلامية، ضبابية. باتت عقولُهم بلا أي وزن نسبي. لا خلفية نقدية، لا قدرة على التفكير الحر، لا منطق مفتوح للحوار والتواصل. فصارت الأدمغة حجرية تمتثل بأوامر السمع والطاعة لقياداتها. وقد أفرزوا جيلاً جديداً من أجيال الموت.

وليس هذا استثناء راهناً بل طوال تاريخ الاسلام السياسي تُظهِر اجيالُه تلوينات غريبة في هذا النفق المظلم. عناصر الجماعات الاسلامية يخضعون لعمليات غسيل أدمغة، جميع الأفكار والتصورات ملغمة بسفك الدماء وانتهاك الحياة. منذ يومهم الأول يفهمون أنهم في مهام مقدسة دونها القتل. وتصبح أعمال العنف هي التعبير المباشر عن الولاء. ليس للجماعة بل لله ولرسوله وللإسلام. وأن أي انحراف - كما يرددون- عن هذا المنهج الرباني إنما يعد خطيئةً لا تغتفر. حتى غدا الاسلام موازياً لمسيرة الجماعة واختزل في سحنات أفرادها وشيوخها.

إنَّ صورة الاسلام هي ما تحترق يومياً جراء جرائم كهذه. يتساءل الناس: ماذا فعل هؤلاء المسيحيون الأبرياء حتى يحصدهم الدمار؟ إنهم بمنطوق القرآن رهبان وقسيسون. ولا تخفى الإشارة الضمنية إلى وداعتهم وأخلاقياتهم النبيلة. فإذا كان الاعتقاد أساسياً للتصنيف فالإيمان خارج كل تصنيفٍ سطحي. الكنيسة تنتمي إلى الإله بالمقام الأول. والإله يستحيل تصنيفه وإلاَّ ما كانت لتتعدد الديانات. فهؤلاء الموتى المغدور بهم ذهبوا للعبادة لا للحرب. ولم يعتدوا على أحد لدرجة كونهم فارغي الوفاض من نوايا العنف. كيف يصبحون بين لحظةٍ وأخرى مضرجين بدمائهم؟!

لقد وقع ما وقع من ضحايا وأُريقت ما أريقت من دماءٍ لكن الضحية الأبرز: هم من خطط وحرَّض وأفتى باستباحة هذه الدماء. المسيحي المصري هو المسلم المصري، يقطعهما التاريخ بكل عصوره ويؤثر عليهما الظرف الاجتماعي. الآثار على الآثار، والأقدام حذو الأقدام والدين مختلط بالدين من خلال أجراس الكنائس وأصوات الآذان. أي مصري لا يخلو من هذا التماهي بين المعتقدات. إنْ لم يكن واقعاً حياً فتراثاً وثقافة. في دماغ المصريين ترقد طباق من الطقوس باختلافها. حتى قيل إنَّ أكثر شعوب الأرض تديناً هم هؤلاء المتحلقون حول شريط النيل!! عبارات التقديس الشعبي والمزارات لا تفرق. معجم الحياة اليومية مليء بكلمات مأخوذة من الموروثات الفرعونية والقبطية.

إنَّهم المصريون المتسلقون للحافلات العامة والقطارات والحاملون لفؤوس القدر بحثاً عن لقمة العيش والواقفون بطوابير الأفران انتظاراً لأرغفة الخبز. مصر أرض الإله في أبعادها الفرعونية قبل أنْ تكون أرضاً للمسلمين والمسيحيين أو سواهما. وكان الخبزُ الشمسي ينضج بعيون الإله(أتون) ليأكله المصريون معاً. ولذلك هي البلد الوحيد تقريباً الذي يطلق على الخبز اسم: العيش. فالخبز هو قرص الحياة الذهبي كما تمثل الشمس قرص الحرارة الدافئ. عين واحدة يرى المصريون من خلالها الآفاق البعيدة.

مصر رغم أنف جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة رأسمال ثقافي عتيد. أودع فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون واللا دينيون مدخراتهم الإنسانية. وأن سلْخ هذا الجلد التاريخي الحي يعرى جسد المجتمع. ويجرِّف الحياة الممتدة بامتداد طمي النيل منذ آلاف السنوات. وارتفاع الكنائس بجوار المساجد لا يعلن جوار الأحجار أنما جوار الأرواح. وفي الوقت عينه يبرز ثراء المشاهد المتبادلة في المناسبات والأعياد.

لكن مع زحف التطرف الديني أصبح القتل علامة لكل فكر إرهابي. وغدت الجماعات والتنظيمات الاسلامية أدوات فاشلة إنسانياً مع الجرائم التي ترتكبها. وما أقبح المعايير التي يقيمون بناء عليها أفعالَّهم. فجذب الأنظار وإبادة المسيحيين والانخراط في الجهاد هي أبرز اللافتات. لكن أليس ذلك يكشف المسلمين بوجههم الدموي؟!

الكنائس توجد في أرض محاطة بأعداد غفيرة من المسلمين. على الأقل تعطيهم صوراً من التعايش ولو كان زائفاً. الحقيقة أنَّ الارهابين ليسوا وحدهم من أوصل الساحة المصرية إلى هذا الحال. إنَّهم أحد ممولي الاستبداد السياسي المطلوب لإدارة الشأن العام وتبرير إجراءات القمع الطائش. وهم- بحسب تلك المفارقة- يمرحون في خريطة زلقة بالفقر والجهل والتخلف وثقافة القطيع. وتلك المعطيات تضرب كافة التيارات الدينية والسياسية. والساحة ذاتها مهددة بانهيار بناءها الفكري إنْ وجد. كيف سيخرج أحدها سالماً من هذه الأجواء؟
في الواقع ما يفعله الاسلاميون إنما يلخص الحالة فقط. ولا يحُول دون انتشارها مع فئات أخرى لا علاقة لها بالتطرف الديني. فالجهل بأنسجة المجتمع المصري وأطيافه أخذ يضرب الوعي لدى الناس العاديين. جعله مثقوباً لا يشعر بضرورة التنوع في المجال العام. ومن ثم لم تأت فكرة محاربة المختلف من جانب دعاة إحياء الخلافة وتطبيق الشريعة والسلفية فقط، بل اتسعت رقعتها مع ارتفاع نسب العنف وضيق العيش. وكذا كان في مجال الدراما، والتعليم والصحة والعلاقات الاجتماعية.

وإذا قيل إنَّ ذلك قد يُفهم في السياسة فكيف يكون بتلك المجالات؟ هنا يجب ألاَّ نغفل أن الارهاب الديني لا يدور حول نفسه كأفعوان ضخم ملتف بشكل رخو. لقد نجح هذا الارهاب مع الظروف السياسية على التغلغل ضمن كافة القطاعات الخدمية. ونظراً لغياب الدولة المصرية منذ عهود سبقت كان الاسلاميون يقدمون "بدائل وظيفية" تتعلق بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين وإرسال الحملات الطبية. مما ربطهم بحركة الواقع اليومي في كافة المناحي. وأمدهم بقوائم الاحتياجات المهمة التي إنْ وفروها كانت كفيلةً بحصاد أصوات الناس الانتخابية. وقد استغل الاخوان هذا في انجاح مرشحيهم خلال عهدي السادات ومبارك. وعرفوا أنَّ الخدمات هي "السلة الفعلية" لأنشطة السياسة. وسار على الدرب ذاته جماعات أخرى مثل السلفية وأنصار السنة والدعاة الجدد.

أية انسانية ستموت عندما يغدو الدين قنبلة تنفجر في شركاء الحياة؟ لم تعد لتجدي فكرة المواطنة التي تتجاوز الاقصاء ما لم تكن هي والحياة شيئاً واحداً. ولا يوجد هناك أيُّ مبرر لإضافة مساحة التسامح وقبول التنوع إن لم تصبح مساحة للجميع. إنَّ قتل مسيحي واحد – وكذا أي صاحب ديانة أخري- يعيد عقارب الساعة إلى درجة القيامة لكل عناصر المجتمع. لأن الآخر مسؤولية لدى جميع الأفراد.
إنَّ نسيج الإنسانية قبل أي شيء آخر هو الأهم. فأنت حين تقتل إنما تقتل نفسك. لأن المقتول يجسد آلام الآخرين، يقطف حياتهم. كان يجب أنْ ينال حياة رحبةً لا نهاية مأساوية. فأنت تنتمي إليّ قبل أن انتمي إليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق على الاحداث المؤلمة
صباح ابراهيم ( 2017 / 4 / 10 - 13:09 )
لقد تكررت عمليات تفجير الكنائس في المدن المصرية المختلفة وفي المناسبات الدينية و الاعياد المسيحية . واكثرها دموية ما حدث من تفجير دبرته وزارة داخلية حسني مبارك بقيادة وزيرها المجرم حبيب العادلي في كنيسة القديسين في القاهرة بليلة راس السنة قبل سنتين لأشغال الشعب المصري عن المشاكل السياسية الداخلية ، وردع الكنيسة المصرية. و تنفيذ تفجير انتحاري
داعشي بداخل الكنيسة البطرسية في حي العباسية قبل عدة اشهر

الحكومة المصرية باجهزة مباحثها العريقة ، ومخابراتها الشهيرة بخبرتها الواسعة ، تعرف جيدا جميع عصابات الفتنة و التكفير والاجرام في مصر ، ولديها سجلات وملفات كثيرة للمنظمات الارهابية و شيوخ الارهاب ومثيري الفتنة الطائفية والدينية بين المسلمين والاقباط لكنها لا تتخذ اجراءات رادعة ضدهم .
ان لم تحم الحكومة الشعب بكل مكوناته فمن يحميهم ولماذا تؤسس الشرطة والجيش في الدولة ان لم تقم بواجبها ؟


2 - الكارثة
ابراهيم القشلان ( 2017 / 4 / 10 - 21:11 )
الارهاب صناعة سياسية في المقام الأول. لأن النظام السياسي ليس له مصلحة في محاربته رغم كل ما يقال عن خطورته. ويساعد الحاكم على فرض سطوته. ولا يستطيع أحد أن يساءله أو يطالبه بالديمقراطية والعدالة. كما أن الارهابيون ينبتون في بيئة حاضنة. هناك فقهاء الظلام، شيوخ الفتنة وسلفيو التكفير. جميعهم يمارسون قتلاً بشكل ما. والمسيحيون هم الحلقة الضعيفة.

اخر الافلام

.. بايدن: يجب أن نقضي على -حماس- كما فعلنا مع -بن لادن-


.. يحيى سريع: نفذنا عملية مع المقاومة الإسلامية بالعراق ضد هدف




.. عشرات اليهود الحريديم يغلقون شارعاً في تل أبيب احتجاجاً على


.. بابا الفاتيكان يحذر من تشريع المخدرات ويصف التجار بـ-القتلة-




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: المسلمون خائفون واليهود منقسم