الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فلسفية للحظات المسيح الاخيرة

يوسف شوقي مجدي

2017 / 4 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"نفسي حزينة حتي الموت".. هكذا تحدث المسيح الي تلاميذه قبل الموت بساعات ، و لن نلتفت الان الي البحوث التاريخية العلمية الاكثر عددا التي كتبت عن المسيح ، و التي انهت تقريبا الخلاف علي تاريخية يسوع " historicity of jesus "باعلان وجود شخصية تاريخية حقيقية عاشت في ذلك الزمان تسمي يسوع ، و سنهتم بالجانب النفسي و اعادة رؤية النظر الي حياه المسيح و اعادة تخيل لشخصية ابن الانسان من وجهة نظرنا او وجهة نظر اخرين قد سبق و اقتنعنا بها، و يعتبر ما سنقوم به تشويها للقصة الحقيقية اي كانت ، و التشويه هنا ليس بمعني اضافة اشياء سيئة للقصة ، ولكن هو تشويها بناء ، فما سنزيله من الصورة القديمة ، سنضع مكانه ما يخلق صورة جديدة.
لنعود الي تلك المقولة التي اسلفنا ذكرها ، فنري المسيح الذي قال" تعالوا اليّ يا متعبين و ثاقلي الاحمال و انا اريحكم " ، يصف حالته الي تلاميذه و كأنه يشتكي لهم ، و هاهو الرجل الذي ظن الناس علي مر العصور انه وُلِد من اجل الاخر و له ايضا ، لكننا نري انه في تلك اللحظة يرتد الي ذاته و يتكلم مبتدئا بكلمة " نفسي" و كان المسيح يصلي في ذلك الوقت العصيب حتي لا يجربه الشيطان في لحظة من اشد لحظات ضعفه و تقهقره ، فتلك المرة لن تكون كتلك التي جُرِب فيها علي الجبل عندما كان صائما ، ففي المرة الاولي كان التحدي جسديا و كان التحدي سهلا للغاية بالنسبة له ، و لكن المرة الثانية ، كان الامر نفسيا ، و نحن نعلم مدي تحكم المسيح في جسده ، فعندما كان علي الجبل ، كانت نفسه ملؤها التحدي و الانتصار فانصاع الجسد و لا نقصد هنا بكلمة "انصاع" مقصد انفصال النفس عن الجسد ، و لكن بمعني ان جسد و نفس المسيح كانا متحدين او بمعني اخر لم يكن هناك جسدا او نفس ، و لنعد لحالة المسيح قبل الصلب ، كانت نفسه حزينة لدرجة الموت ، اي كما اثرت روحه المعنوية علي جسده في تجربة الجبل ، هكذا ايضا في جثماني ، حيث تاثر الجسد تاثرا شديدا حتي قارب علي الموت و كانت الدموع تنزل من عينيه كانها قطرات دم ، و كل هذا يدل علي الاتحاد الوثيق بين النفس و الجسد ، و كان التحدي الاخير و الاصعب ، و هو الصليب و لست بالطبع اقصد الالم الجسدي الذي كان الاهون بين جميع تلك الالام التي قاساها ، و بالطبع لا اقصد ما يعرف بالالم الكفاري المزعوم لمغفرة الخطايا .. و لكن ما يعرف بالازمة الوجودية اللحظية ، التي انهالت علي المسيح في اخر لحضاته ، ان الالم الاخير كان بصورة اغواء اي ان الشيطان قد شكل في خيال المسيح علي الصليب صورة الحياة الهانئة الهادئة لرجل في السبعين من عمره ، يلعب من حوله احفاده ، و هو يجلس بينهم يتذكر ايام ريعان شبابه ، و هذا الفرض نري انه منطقي ان يحدث لرجل عاش حياة مثل حياة يسوع ، ولكن قبل ان يحدث الإغواء الأخير ، بالطبع تحدي الوجود ابن الانسان ، فساله ، هل كل ما قمت به من اعمال له معنى ؟! ، هل لكل ذلك اهمية كي يصل بك الحال إلى الجلجثة ؟!.
عاش المسيح حياة ملؤها الهدف والمعنى ، و لكنه قرب النهاية ، صرخ قائلا "الهي الهي لماذا تركتني " ، فالاله الذي كان يرافقه دائما و الذي يرمز الي وجود المعني و الهدف في حياته يتركه في اشد لحظات حياته الما ، و هي لحظاته الاخيرة ، و كأنه يتعجب من ان المعني لم يظهر في الوقت الامثل لظهوره في تلك اللحظات العصيبة ، و لكن اتضح ان الامر لم يكن غريبا ، فكل ذلك كان يمثل التجربة الاخيرة.
ما هو هدف المسيح ؟.. بالتأكيد يتبادر ذلك السؤال الي اذهاننا الان ، و كل ما سبق كان تقديما لذلك السؤال ، و سنجد الاجابة عند هيجل ، لعلك تفاجئت ، فذلك الفيلسوف صاحب السمعة السيئة بسبب كلامه المعقد ، هل نجد عنده اجابة لهذا السؤال؟!
اذا نظرنا لفلسفة هيجل عن "الاخر"او الوعي الذاتي ، سنري انه يقول (و لكن بالطبع باسلوبه المعقد ) انه لكي يعي الانسان نفسه يجب ان يجد شيئا مميزا عنها و هو الاخر ، و عن طريق ذلك "يكتمل" وعي الانسان و وعي الاخر ، و هكذا ايضا تسلك "الفكرة الكلية " عند هيجل ، بما انها تمثل الوعي الكلي لكل الافراد الموجودين ، فلكي تكتمل الفكرة الكلية يجب ان تتجسد في العالم فيتحقق كمال العالم ، و كمال الفكرة ، هكذا ايضا فعل المسيح ، عاش في العالم و مر بكل تحدياته الجسدية و النفسية و الوجودية، و في التحدي الاخير ادرك المسيح مقصد ومغزي التحدي و حينها صرخ قائلا "قد اكمل " ، اي قد انتهت مهمته و تحقق كماله ، و ها هو العالم يسير بخطي بطيئة الي نفس الهدف ، احيانا يسرع و احيانا يتعثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن