الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماء على كرسي الخلافة -10-

علي مقلد

2017 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في لحظة تاريخية فارقة ، تهيأت الظروف للمسلمين الأوائل أن يحقنوا الدماء ، ويؤسسوا لنظام سياسي جديد في الحكم ، قائم على التوافق وليس على مقارعة السيوف ، فقد رأينا في المقال السابق كيف تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان ، بعدما رأى الأول أن جيشه يتخاذل وأن قياداته يخونون طمعا وجزعا ، كما أن الثاني امتلك من أساليب القوة والحنكة والدراية بالحروب ، خاصة حرب الشائعات ،ما مكنه من النصر ، حتى وصلا الفريقان إلى الهدنة ، والتى تضمنت عدة شروط بين أمراء الحرب بحيث يخرج كلاهما ظافر غانم من حربه ، ويمكن تقسيم شروط الصلح كما أسلفنا في المقال السابق إلى ثلاثة أقسام ، أولا الشروط المتعلقة بالحكم مثل:العمل بكتاب الله وسنة نبيه ، أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن ثم الحسين ، أن لا يقضي بشيء دون مشورته ، ثانيا الشروط الأمنية والاجتماعية والدينية:ألا يُشتم علي وهو يسمع ، و ألا يذكره إلا بخير ، وأن لا يلاحق أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق مما كان في أيام أبيه،أن لا يناله بالإساءة ، ثالثا الشروط المالية:ألا يطالب أحداً مما أصاب أيام أبيه، أن يعطي معاوية للحسن خراج فارس، وكذلك إعطاؤه ما في بيت مال الكوفة.

لكن معاوية ما أن تنازل له الحسن عن السلطة حتى تراجع عن كل الاتفاقيات والشروط ، فقد نهب بيت مال الكوفة من العامة ، ويقال أنه بتحريض من معاوية ، وكان مبلغه نحو خمسة آلاف ألف ، كما أن أهل البصرة منعوه من خراج دار " ابجرد فارس" وقالوا : هو فيئنا لا نعطيه أحداً ، وكان منعهم أيضا كما تقول الروايات بأمر من معاوية ، أما شرط الحسن بأن لا يشتم علياً ، فقد كان مرفوضا من قبل معاوية ، وقد ظلت شتيمة "علي " على المنابر سنة عند بني أمية حتى زالت دولتهم ، فلما رأى الحسن أن معاوية مصر على شتم على والاستهزاء به والتقليل من شأنه ، لم يكن أمامه وهو يعقد الهدنة من مقام المهزوم بعد خذله من أنصاره إلا أن يطلب من خصمه ألا يشتم أباه وهو يسمع ، فأجابه معاوية إلى ذلك ، ثم لم يف به أيضاً، فقد روي أن معاوية خطب في الناس وشتم عليا في حضرة الحسن والحسين.

تمت الهدنة وحقنت الدماء مؤقتا ، لكن معاوية الذي أصبح خليفة للمسلمين بعدما كان أميرا متمردا ، راح يخطط لدولته الجديدة فنقل مقر الخلافة إلى دمشق الشام ،حيث أنصاره وعزوته وقوته ،فيما ترك الكوفة التي كانت مقرا لعلي وابنه الحسن كما ترك المدينة المنورة التى حكم منها النبي وأبو بكر وعمر وعثمان ، كما أن معاوية قد أفصح منذ الوهلة الأولى عن طريقته في الحكم وعن تنصله من الاتفاقيات المبرمة ، ويقال أنه لما نودي في الناس إلى المسجد بعد الصلح وخطب معاوية في الجموع فقال : يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ؟ ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلي رقابكم وقد آتاني الله ذلك ، وأنتم كارهون ، ألا أن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول ، وكل شرط شرطته ، فتحت قدمي هاتين ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله وإقفال الجنود لوقتها ، وغزو العدو لداره فإن لم تغزوهم غزوكم ، وروي بطريقة أخرى أن معاوية قال في تلك الخطبة "ألا أن كل شيء أعطيته الحسن بن علي ، تحت قدمي هاتين لا أفي به".. ولأن الناس قد ملت الحروب ، ورأوا أنهم ليسوا أصحاب قرار أو مصلحة مباشرة في النزاع القرشي القرشي على السلطة اجتمعوا على معاوية ،وصار ما يعرف تاريخيا بعام الجماعة .

بعد الهدنة ، انفض الناس عن الحسن فمنهم من بايع معاوية عن قناعة أو طمعا في رضا الحاكم ، ومنهم من كتم أمره حتى حين وهو ما يتضح فيما بعد من شق عصا الطاعة على الخليفة ووريثه في الحكم ، لكن كثيرا منهم ، أعلن غضبه على الخليفة المتنازل عن العرش ، فبدلا من شكره على حقن الدماء، لعنوه وسبوه ،بل استحلوا دمه ونهبوا أمواله ، حتى لم يبق معه من يأمن غوائله إلا عددا قليلا من اصحاب أبيه، لذلك لم يبق الحسن طويلاً في الكوفة مقر حكمه السابق بعد عقد الصلح وغادر نحو المدينة المنورة بأهله ومعه أخيه الحسين ، وتورد كتب التراث أن معاوية أرسل إلى الحسن باعتباره نائبه وولي عهده أن ارجع لتقاتل طائفة من الخوارج ، أعلنوا العصيان والتمرّد لكن الحسن أبى أن يرجع وكتب إلى معاوية " لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك قبل أي أحد من الناس".

عاد الحسن إلى المدينة المنورة واستقرّ فيها نحو عشر سنوات ،ويقال أنه انصرف لشئونه الخاصة وترك الحكم مؤقتا ، أملا في الوصول إليه بعد معاوية ، لكن يبدو أن ديوان الحكم الأموى ، كان يرى أن الحسن منافسا قويا ، وأن الحكم قد يضيع منهم مرة أخرى ،إذا توفي معاوية أو قتل ، ولأن صاحب السلطة قلما يفرط فيها خاصة إذا ما وصل إليها بحد السيف ، فقد كان حتما التخلص من الحسن ، ليخلو لبني أمية الحكم بدون منازع ، وبالفعل تم قتل الحسن بوضع السم في طعامه، ويقال أن معاوية سجد شكرا لما علم بموت الحسن .

تذكر الروايات التاريخية أن الحسن بن علي قتل متأثراً بالسم، وأن جعدة بنت الأشعث ، هي التي دست السم بأمر من يزيد بن معاوية حسب بعض الروایات ، ورواية أخرى تقول أن معاوية بنفسه هو الذي أمر جعدة ان تسقيه سماً ، و يعتقد البعض أنّ معاوية حاول مرات عديدة لتسميم الحسن وذلك ليجعل ابنه يزيد خليفة له بخلاف ما نص عليه الصلح ،لكن مساعیه فشلت في ثلاث مرات و في مرة الرابعة تآمر مع جعدة بنت الاشعث ، زوجة الحسن ، فأَرسل لها مائة ألف درهم ووعدها بالزواج من ابنه يزيد شرط أن تدسّ السمّ للحسن ، فاستجابت و قبلت أن تسمه فوضعت السم في شربة من لبن ، و كان الحسن صائمًا فسقته اللبن المسموم في وقت الافطار فشربه ، وقد مات بعد مرض استمر أربعين یومًا،ويقال أن معاوية أوفى لجعدة بالمال، ولكنّه لم يزوجها من ابنه وقال :" من لم تفِ مع الحسن فلا وفاء لها مع يزيد ،وتلك رواية الشيعة .

أما أهل السنة فلا يقرّون بهذا الأمر ولا يحددّون بالضبط من قتل الحسن ويعتبرون ذلك أمرًا مجهولاً غير معروف، إلا أن بعض مؤرخي السنة يرجحون أن أهل العراق متورطون في الأمر، لبغضهم للحسن بعد أن تنازله لمعاوية وتسيد الشوام عليهم ، حيث كانوا يدعونه بـ مذّل المؤمنين وقد قال لهم الحسن يومًا : يا أهل العراق مما زهّدني فيكم ثلاث ، قتلكم أبي ، وانتهابكم متاعي ، وطعنكم لي.

لكن بعيدا عن القاتل الحقيقي والمحرض صاحب المصلحة ، فقد كان في موت الحسن ،بشرة خير لبني أمية ، الذين حاربوه حيا وميتا ، فقد رفض مروان بن عبد الحكم ، أن يدفن الحسن بجوار جده النبى صلى الله عليه وسلم ،ويقال أن بني أمية وأنصارهم رشقوا جنازة الحسن بالسهام حتى لا تدخل المسجد النبوي ، ولكن الحسين لم يأذن لأحد من الهاشميين بالردّ عليهم ، عملاً بوصية أخيه الحسن، فقطع النزاع وقضى على الفتنة مبكرا ، ثم حُمل جسدُ أخيه إلى البقيع ودُفن هناك إلى جوار جدّته .

في المقال القادم نرى كيف استقرت الأمور في عهد معاوية ،لكنها تفجرت مرة أخرى عندما عهد بالملك لابنه يزيد وهو الأمر الذى ترتب عليه أكبر مآسي الأمة الإسلامية فيما بعد ، فولاية يزيد هى السبب في مقتل الحسين بتلك الطريقة البشعة في "كربلاء" وأبشع من ذلك الهجوم على المدينة وحصار مكة وضرب الكعبة بالمنجنيق مرتين وصلب عبد الله بن الزبير ، وغيرها من الحوادث التي تشيب لها الولدان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah