الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت بين التحديات العلمية و الإشكالات الفلسفية:

محمد ادريسي

2017 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الموت بين التحديات العلمية و الإشكالات الفلسفية:
منذ أن ثار كوبيرنيكوس على المبادئ و القوانين الأرسطية التي كانت تحكم الأرض في الثبات، وغير الثبات بالحركة، تغيرت العقليات و اتسعت دائرة المعقولية، و عرف العالم تحولات عميقة مست مختلف المجالات، و مست الإنسان بشكل أكثر عمقا، بحيث أصبح الإنسان خاضعا لتحول غير مسبوق من كائن يتموضع بين الإله و الحيوان في السلم التفاضلي للوجود، إلى كائن أزال القدسية للإله و تملكها هو ذاته، و التغير في المواقع هو تغير في منطق التحكم و التدبير، و في منطق القيم ، إذ أصبحت الذات الإنسانية هي البوصلة الموجهة للإنسان نفسه و خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحن الوجودية التي يفرضها المصير و القدر، يتعلق الأمر بالموت كغاية نهائية يمكن و لا يمكن التحكم فيها، المر يبدو في ظاهره يعارض تماما قواعد المنطق، لأنّه يجمع بين الإمكان و عدم الإمكان في قضايا [ كالموت ] و التي كانت في السابق موكولة لقوة إلهية سماوية متحكمة في أرواح البشر، إلى قوة بشرية أصبحت تنظر إلى الموت كمرض يمكن علاجه.
إنّ البشرية مقبلة على نقطة تحول عملاقة ستحدد لنا مدى قوة وقدرة الإنسان على التحكم في مصيره، يتعلق الأمر بأول عملية جراحية في العالم لزراعة رأس كامل و التي ستجرى نهاية العام الجاري " إنها ثورة كوبيرنيكية جديدة في مجال الطب " ، هذه العملية شبيهة من حيث الدلالة و أكثر تعقيدا من حيث التطبيق مقارنة مع اول رحلة فضائية إلى سطح القمر، عندما خطى " نيل ارمسترونغ " على سطح القمر قال : " هذه خطوة صغيرة لإنسان لكنها خطوة عملاقة بالنسبة للبشرية " ، و هذا الأمر ينطبق على العملية الجراحية التي ينتظرها عالم الطب و البيولوجيا بشغف، و التي ستحظى باهتمام إعلامي كبير، و كذا بغلاف مادي يصل إلى حوالي 10 ملايين دولار،و التي ستكون تحت إشراف الطبيب الايطالي سرجيو كنافيرو بالإضافة إلى 150 مختصا و مساعدا، أمّا الشاب الروسي " فاليري سبيريدونوف " البالغ من العمر ثلاثين سنة والذي تطوع لنقل رأسه إلى جسد شخص اخر فهو جد متفائل بنجاح هذه العملية، و أنّه سيخرج في رحلة استجمام بعد نجاح العملية.
هذه العملية ستدوم 36 ساعة ، ويؤكد الطبيب المشرف على أن نسبة نجاح هذه العملية يقدر بنسبة 90 في المائة وقدم كانافيرو شرحا للطريقة التي سيستخدمها لإجراء العملية، وتتلخص في قطع رأس الشخص الذي سيخضع للجراحة بشفرات حادة، ثم تبريد رأس المستقبل وجسم المتبرع قبل إجراء العملية بهدف إطالة فترة حياة الخلايا بدون أوكسجين، إذ سيتم تشريح الأنسجة القريبة من العنق، كما سيتم توصيل الأوعية الدموية باستخدام أنابيب دقيقة وسيتم قطع النخاع الشوكي لكلا الشخصين، ونقل رأس المستقبل إلى جسم المتبرع، وهذا يشمل وصل الأوعية الدموية في العنق والأعصاب والمجاري التنفسية.

هذه العملية ستطرح رهانا كبيرا على المستوى العلمي و الديني و الفلسفي، و ستطرح إشكالا ميتافيزيقيا خطيرا، أين يوجد مبدأ الحياة و الحركة في الإنسان؟ هل الدماغ أم الروح في أبعادها الدينية؟ و هل الأنا بلغة ديكارت ستبقى هي هي، على اعتبار أنها ستظهر أنا جديدة تمزج بين دماغ وجسد لذوات مختلفة؟
إن إعادة الجسد إلى الحياة، هو قلب للتراتبية الموجودة بين المادة و الفكر، و ستصبح المادة لها دور مركزي بعدما همشتها الديكارتية و أنصارها، و سيصبح الدماغ باعتباره حاملا للفكر يقبل بأي جسد كيفما كان من أجل الاستمرار، و هذا يتعارض إلى حد بعيد مع المساعي الهايدجرية التي تجعل من الموت غاية نهائية للوجود الإنساني، فإذا كان هايدجر يقول: " أنّ الإنسان كائن لا يكتمل إلاّ بالموت لأنّه يعيش في أفق الموت "، لكن الإنسان عندما يقترب من الكمال يفقد ذاته، فالكمال لا يتحقق إلاّ في ردح الزمان، و تدفق الحياة بلغة هنري برغسون، فالكمال البشري رهين بخلوده و استمراره إلى ما لا نهاية، و هذه هي النتيجة و المحصلة التي يسعى لها العلم.
إن القول الهايدجيري صائب في جانب ما، لأنّ الحياة مبنية على أنقاض الموت، و ما على الإنسان إلاّ ان يكون مستعدا لها، و هذه رؤية مبنية في أساسها على الرواقية التي تدعو إلى عدم التعلق بشيء نحن عرضة لفقدانه، بمعنى لا ينبغي التعلق بالحياة إذا كنا سنستقبل الموت، فالرواقية تسعى إلى إعداد الإنسان لمجابهة المحن الوجودية التي يفرضها المصير.
تزامنا مع التطور العلمي رفع الإنسان شعار " تحدي الموت "، وتمرد على القضايا اللاهوتية الغيبية، و تمرد أيضا على تاريخ الفلسفة و أصبحت مسألة الخلود قابلة للنقاش عندما أصبح يُنظرُ إلى الموت كمرض يمكن علاجه، أقول إنّ الخروج إلى رحلة استجمام برأس طبيعية و جسد مستعار لهو ضرب من الجنون حتى وإن كانت هذه العملية ستنقد ملايين البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر