الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أولوية الناسوت على اللاهوت

خلوق السرغيني

2017 / 4 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في أولوية الناسوت على اللاهوت:
تطفو اليوم في حياة الناس العملية وواقعهم المعيش الذي يتسم بالتعقيد بين الحين والآخر إشكالية تتعلق بالمرجعية التي تعطي للفعل الانساني مشروعيته: هل هي مرجعية لاهوتية أم ناسوتية؟ بعبارة أخرى هل الانسان وهو يسلك فعلا يعمد إلى الأرضية اللاهوتية ويعتبرها قوته التشريعية الفاعلة، وهو ليس سوى تابعا لها في آخر المطاف، ومنه يعطيها الأولوية والأسبقية في التأسيس النظري لسلوكه العملي أم أنه يرجح ويختار الأرضية الناسوتية التي تجعل من الانسان وقيمه الأرضية المشرع الأكبر لحياته العملية على صعيد عالم عيشه؟
غالبا ما يركن الانسان(خاصة الكائن المسلم) إلى المرجعية الأولى التي تجعل من المعطى اللاهوتي مشرعا للسلوك الانساني في مختلف مناحيه، على أساس أن علاقة الحياة واللاهوت ليست علاقة انفصال قط، بل قوامها الترابط، بل التماهي. فالسلوك العملي يجب أن يكون متماهيا مع المرجعية الدينية وإلا عد من الأمور الباطلة أو السيئة على الأقل. ومن هذا المنطلق يجعلون أصحاب هذه الدعوى المعطى (الديني) اللاهوتي فوق أي اعتبار وبالتالي إعطائه الأولوية على أي تشريع إنساني، بل إن هذا الأخير يُترك لاحقا.
أكثر من ذلك، تذهب الأطروحة الترابطية هذه إلى إرجاع الأخلاق نفسها إلى اللاهوت، فلا أخلاق دون دين، إذ هي جوهره كما يدعون أصاب هذا التوجه. لكن هل فعلا تصمد هذه الأطروحة أمام هذا الواقع المعقد؟
يبدو أن القول بالترابط الحاصل بين اللاهوت والفعل الانساني هو قول يحتاج إلى نظر، ذلك أن المتأمل في الحياة المعاصرة ليجدها أكثر تعقيدا مما يظن المرء، بحيث إن دعوى الربط لا تصلح تماما لإقامة المجتمعات الحديثة بما هي مجتمعات رهانها الاساسي هو خدمة الانسان كيفما كان نوعه وعرقه ولونه ومعتقده... وبالتالي المراهنة على مجموعة من القيم جمالية كانت أو أخلاقية، وخاصة القيم السياسية حيث تعتبر العدالة أسماها، هذه المجتمعات التي يطبعها الاختلاف والتنوع الحاصل على المستوى الفكري والثقافي والديني... إذ كيف يمكن لنظام سياسي مثلا أن يكون عادلا بين أفراده ومساويا لهم وهو يشرع للفعل السياسي المجتمعي من المنطلق اللاهوتي الضيق؟ أليس حضن الانسانية أرحب من الحضن اللاهوتي؟
إن دعوى الربط السابقة تسقط من حيث لا تدري في تكريس النظم ذات الطبيعة الشمولية والكلية على المستوى المجتمعي ذلك أن التصور اللاهوتي هو تصور أحادي لا يوسع دائرة نظره لتشمل الجميع، إنه يريد التوحيد والتنميط والتشابه...وفي سيادة هذه القيم سيادة للتخلف لاشك، وللقهر الاجتماعي، هذا الذي يمارس على كل مختلف عن الجماعة، وهو ما تعكسه المجتمعات العربية االاسلامية سواء على الصعيد السياسي العام، حيث لا قول فصل سوى قول الزعيم المبرَّر لاهوتيا، أو حتى على الصعيد السياسي الخاص، أي على مستوى الأسرة والتجمعات...حيث إن السلطة والقهر والاستبداد بالرأي هي السمات البارزة لأصحاب الزعامة في هذه التجمعات...غير أن الخطير ليس هو الزعامة القولية الحاصلة على صعيد الكلام، بل حينما تصبح هذه الزعامة منتجة ومؤسسة لسلوك مجتمعي، وإذا كان الأمر ممتوحا من الارضية اللاهوتية فهل يكون هذا السلوك المجتمعي في خدمة المخالفين والمختلفين، علما أن هذه المرجعية من طبيعتها واحدية وإقصائية؟
من البديهي أن الجواب سيكون بالنفي، ولما كان الامر كذلك فتأسيس السلوك الانساني على أرضية إنسانية هو المخرج الأساسي الأوحد في عالم يوسم بالمتعدد، ومن هنا ضرورة التأكيد على أولوية الناسوت على اللاهوت، أي أن القيم الانسانية ذات أولوية برغماتية على كل ما هو (ديني) لا هوتي، لا سيما وأنها تأخذ في الحسبان هذا التعدد الحاصل في عالم العيش الانساني المعاصر.
غير أن التأكيد على أولوية الانساني أو الناسوت على الإلهي أو اللاهوت لا يعني نقض المعطى الديني وإعدامه، بل يجب الحفاظ عليه، لكن في حدوده الدنيا، أي يجب أن يبقى معطى وشأنا شخصيا، أما المجال العام فهو مجال إنفاذ القانون من جهة، ومجال أخلاق الضمير ذات المرجعية الانسانية من جهة أخرى، وهذا يلزم عنه التأكيد على أولوية علاقة الانسان بالانسان على أي علاقة أخرى ذات طبيعة ميتافيزيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة