الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والالحاد والتطور

رفعت عوض الله

2017 / 5 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين والإلحاد والتطور
الدين حاجة إنسانية ملحة . الدين موجود بوجود الإنسان ، فهناك تلازم بين وجود الإنسان والدين. ورغم ان الإنسان في مسيرته الحضارية استطاع أن يؤكد وجوده بل سيادته علي الطبيعة بل تسخيرها لخدمته وتحقيق رفاهيته بالعقل وبالعلم ، إلا انه ليس بالعقل والعلم وحدهما يعيش الإنسان. فهناك جوانب في الروح والنفس الإنسانية لا يصلح معها التعامل العلمي والعقلي . وهناك أسئلة وجودية تتجاوز نطاق العقل والعلم لا يٌستطاع الإجابة عليها إلا من خلال الدين .
السكينة والطمأنينة اللتان هما مطلب إنساني صميم لا سبيل لهما إلا عبر الدين ووجود الله .
من هنا مهما بلغ الإنسان من تقدم وتطور عبر التاريخ والعقل والعلم فأنه سيظل بحاجة وحاجة ماسة للدين ولوجود الله في حياته .
عرفت البشرية منذ البداية أديان وآلهة شتي ، لها تعبد الإنسان وتضرع لها أن ترضي عنه وتحميه من الأخطار المحدقة به ، وان تُنجح طريقه ، وان تنصره علي اعدائه من اخوته البشر ومن الطبيعة القاهرة والضواري الحية التي تترصده وتعمل علي افتراسه .
إلي أن ظهرت ما تُسمي بالأديان الإبراهيمية نسبة لإبراهيم الذي وُلد بجنوب العراق ثم ارتحل ليعيش في فلسطين بناء علي رؤية إلهية .
علي التوالي ظهرت اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام ،هذه الأديان الثلاث تشترك في مضامينها انها وحي من قبل الله لرسله ،وتشترك في أنها تقدم صورة للإله الواحد اللا منظور ، والذي هوروح بيده كل شيئ . وهوالذي خلق الكون وكل ما فيه . وهو إله خًير وصالح ورحيم ، وقوي وجبار ،يرضي عن عباده من البشر حين يعبدونه بصدق وإستقامة وضمير حي . وهو يريد له كل خير وصلاح .
هناك إختلاف وتمايز بين كل دين من تلك الأديان الثلاث رغم القاسم المشترك بينهم . فالإله الذي تقدمه المسيحية هو إله محب حتي إنه هبط للأرض في صورة إنسان ، كاشفا عن محبة ورحمة الله ونور الله الذي يرفع ويحرر الإنسان حتي يحل اله فيه فيصير سكنا له .
انطوت تلك الأديان وخصوصا اليهودية والإسلام علي شرائع ، وُصفت بأنها شرائع إلهية مما أضفي عليها طابع القداسة والثبات والخلود والصلاحية لكل زمان ومكان .
الدين رسالة مكتوبة في التوراة والإنجيل والقرآن ، يقرأونها البشر في المكان والزمان ، ويفسرونها من خلال عقولهم الخاضعة لجملة الظروف الحضارية التي يعيشونها فكرا وثقافة وإجتماع وتاريخ وجغرافيا وعادات وتقاليد .
وهذا يعني أنه لا يُوجد تفسير مجرد لما يُسمي بالوحي المكتوب ، التفسير يتلون ويتشكل برؤية إنسانية محكومة بظروف المفسر الحضارية .
في العصور الوسطي اسس المسلمون دولة الخلافة الإسلامية في الشرق المسلم ، وكذا اسس المسيحيون في اوروبا ممالك وامبراطوريات مسيحية .
دولة الخلافة الإسلامية قامت علي أساس ان الخليفة الذي هو حاكم الدولة . هو في نفس الوقت أمير المؤمنين وخليفة رسول الإسلام ، ومن ثم هو يمثل الله ورسوله ، ويحكم بإرادة الله ، وهو حارس للعقيدة الدينية التي يمثلها ، يزود عنها ، ويدافع عنها بالجيوش والقوة المسلحة ، ويقرر شرع الله بالجبر والقوة والفرض والقهر .
روح العصور الوسطي روح لا إنساني ، ليس فيه حرية ولا حقوق إنسان ، فيه طغيان مطلق ،وعصف مطلق وعبودية وجبر وإذلال .
هذا الروح السائد في تلك العصور المظلمة شكلت الوعي بالوحي المكتوب فخرج الفقه الذي هو فهم بشري للوحي وتنظيم وتنظير له ،عاكسا ومجسدا لتلك الروح .
فالمؤمنون هم المسلمون فقط وباقي العقائد كفر وشرك . من هنا المركز الحرج الذي كان فيه غير المسلمين بل والمسلمين الذين كانوا علي مذهب آخر غير مذهب الدولة الرسمي " الشيعة"
ومن هنا إنتفاء حرية العقيدة وإستحالة الخروج من الإسلام ، والنظر لكل معارض للخليفة علي انه ليس مجرد معارض سياسي فهو معارض للدين ولله والرسول وبالتالي وجوب قتله والخلاص منه.
هذ ا روح شاع فيه القهر والجبر والتسلط والعنف والخوف والترويع وتوكيد سيادة الحاكم الذي هو ممثل الله .
لم يكن الحال مختلف في الممالك المسيحية . الملوك المسيحيون حكموا وفقا لنظرية التفويض الإلهي ، وبالتالي لا يجوز دينيا وسياسيا معارضتهم . المعارض لهم معارض لله ذاته ،وعقوبته الموت المسبوق بالتعذيب البشع .
في تلك الممالك الحاكمة بإسم المسيحية ، الملك حارس للعقيدة ، والمؤمنون هم المسيحيون فقط وكل اليهود والمسلمين ليسوا مؤمنين وبالتالي لا حقوق لهم .
لسان الحال في ذلك الوقت هو القهر والجبر والتسلط والطغيان .
علي الرغم من خلو نصوص الإنجيل من العنف والجبر والإكراه إلا أن الكنيسة والسلطة السياسية مارست العنف والقتل والرمي بالهرطقة مع المعارضين والعلماء والمفكرين ، لسبب أساسي أن تلك طبيعة وروح العصر التي لونت نظرة الإنسان بلونها القاتم للدين .
بفضل العقل والعلم وثورة الإصلاح الديني في اوروبا وعصر التنوير استطاع الغرب الخروج من كهف العصور الوسطي المظلم . بدأت مسيرة الحداثة من حرية وحقوق للإنسان ومبادي الديمقراطية والليبرالية وإعادة تأسيس الحكم علي اسس بشرية "العقد الإجتماعي " الذي نزع عن الملوك والحكام رداء القداسة والحكم بإسم الله فصاروا بشرا يحكمون نيابة عن بشر وبتفويض من البشر وخضوع للمساءلة و العقاب حين يخرجون عن ما هو مقرر ومشروع .
في ظل الظروف الحضارية الجديدة والتطور الحادث في حياة البشر في الغرب أعادت الكنيسة النظر في توجهاتها ومواقفها من البروتستانت والتي ناصبتهم العداء فيما مضي ، والتي شهدت اوروبا حروبا دموية بين الكاثوليك والبروتستانت راح ضحيتها مئات الالوف من الأبرياء ،فاعتذرت عن مواقفها السابقة واقرت بصحة إيمان الكنائس البرتستانتية ، وكذا اعتذرت عن ما فعلته بالعلماء والمفكرين الذين خالفوا تفسيرها للكتاب المقدس . بل ورأت في المسلمين واليهود إيمانا وان الله يقبلهم . فمن نحن حتي نحكم علي خليقة الله "قرارات مجمع فاتيكان المنعقد ما بين 1962 و1965 "
الدين في الغرب استوعب الحداثة وغير منظوره القديم واصبح منسجماً ومتلاءماً مع روح العصر الحديث .
أما عندنا في الشرق مازلنا فكرياً نعيش في ظلال العصور الوسطي ، وبالتالي مازالت المنظومة الدينية الفقهية الخاصة بتلك العصور هي سيدة الموقف في فهمنا للدين واجوبتنا علي أسئلة الواقع المعيش ، وكأن ليس هناك تغير وتطور وحداثة وقيم جديدة .
مازال رجال الدين يعودون لإبن تيمية ، وابن القيم الجوزية ، وابن الصلاح . مازالوا يتخذون موقف الغزالي المعادي للعقل ، وإعماله في النص . مازلنا مع تغييب العقل ونفي الحرية والإرادة. مازلنا ننظر لأنفسنا نحن المسلمين علي إننا وحدنا المؤمنون والمرضي عنهم من قبل الله . مازلنا نكفر اهل العقائد الأخري ، ونريد أن نعاملهم وفقا لفقه معاملة غير المسلمين الماضوي اللا إنساني . اهل تلك العقائد لا يتساوو بالمسلمين ،هم اهل ذمة .
مازلنا نقول بقتل المخالفين وبث الرعب والفزع بينهم . مازلنا نريد تطبيق الحدود كما هي موصوفة في القرآن من قطع للأيادي وحز الرقاب بالسيوف ورجم الزاني والزانية .
مازلنا نصلي عبر الميكروفونات الزاعقة ونستمطر اللعنات علي غير المسلمين . مازلنا ننظر لليهود علي انهم احفاد القردة والخنازير وليسوا بشرا مثلنا لهم كرامة انسانية .
مازلنا نعادي العلم والحضارة رغم استمتاعنا بمنجزاتها التي لا غني عنها .
مازلنا علي نظرة ابائنا القديمة البالية التي لم تعد مناسبة لعصرنا .
فماذا كانت النتيجة ؟ النتيجة هي وأد كل جهد تنويري ، والتنكيل بكل من يُعمل عقله ، ويحاول ان يبدع فهما جديدا وتفسيرا مغايرا منسجما ومستلهما روح عصرنا الحديث .
والنتيجة الثانية هي شيوع الإلحاد ورفض الدين ورفض ممثليه المتمسكين بالقديم .
فإما أن ننظر نظرة جديدة للدين ، نظرة تستوعب عصرنا ، وتقدم صورة إنسانية للمكتوب او يشيع الإلحاد ويندثر الدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاديان سرطانات الشعوب
ملحد ( 2017 / 5 / 5 - 12:21 )
الاديان سرطانات الشعوب
تقول: ( فهناك جوانب في الروح والنفس الإنسانية لا يصلح معها التعامل العلمي والعقلي) ??????!!!!!!!!
تعقيب: وما هو تعريفك لما اسميته ب (الروح والنفس) ??

اقتباس: ( وهناك أسئلة وجودية تتجاوز نطاق العقل والعلم لا يٌستطاع الإجابة عليها إلا من خلال الدين) ????????!!!!!!!!

رد: اذا (عَجِز) العقل والعلم عن الاجابة على تلك الاسئلة الوجودية, فهل تعتقد ان الخُرافة الدينية البائسة تستطيع الاجابة على تلك الاسئلة ??????!!!!!!!!!

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه