الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتعد العمائم الى مساجدها

طلال شاكر

2006 / 1 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تاريخ الممارسة السياسية العراقية، لعب رجال الدين العراقيون، دوراًكبيرأ وأستثنائياً، فمنذ مقاومة الغزوالبريطاني عام 1914 الى ثورة العشرين 1920كان حضورهم قويا وفاعلاً في التأثير على الاحداث رغم ازدواجية موقفهم من المشروع التحديثي وسلبيته. وكان واضحاً في نشوء الدولة العراقية،
وبخاصة رجال الدين الشيعة،الذين تجلت مواقفهم الوطنية قولاً وفعلاً من اجل انشاء كيان عراقي موحد
قدموا التضحيات في سبيل أنجازه. وقد يحتاج المرء الى مجلدات لشرح وانصاف ذلك الدور الكبير الذي
لعبوه في تاريخ العراق، وعندما تأسست الدولة العراقية في الظروف المعروفة،عاد رجال الدين سنة وشيعة الى شؤونهم وواجباتهم الدينية وتركوا السياسة وامور الدولة الى السياسين، ومنذ ذلك الحين لم
نلحظ وجودا مكثفاً لهم بأستثاء الرموز الدينية التي اضطهدها واغتالها نظام صدام، وكانت الاحزاب
الشيعية الدينية تسير شؤونها بلباس مدني عندما كانت في المعارضة اي ان كوادرها واغلب قادتها هم
من المدنييين وليس رجال الدين. بيد ان الامر اختلف جذرياً بعد التاسع من نيسان 2003 فالعاصفة التي احدثها، قلبت الموازين والمفاهيم رأساً على عقب، فنشأ على اثرها نمط غير معهود في الممارسة السياسة
العراقية هو الدورالاستثنائي للمؤسسات الدينية، في تقرير مصير البلاد من خلال قوة تأثيرها على قطاعات كبيرة من الشعب العراقي، وكما شهدنا تاثير مرجعية السيد السيستاني والوقف السني وهيئة علماء المسلمين وغيرها، وهذا بالتأكيد يعكس قوة العامل الديني في الحياة السياسية والذي منح قوة
استثنائية من خلال الاستقطاب الطائفي الحاد( سنة وشيعة). غير ان الوضع سار بشكل مغاير ومتطرف
نحو ترسيخ ادوار وتدخلات غير مبررة لاليات هذه المؤسسات ورموزها التي اصبحت سلطات خارج
مفهوم سلطة الدولة،فرجال الدين لم يكتفوا بالتأثير على المواقع الرسمية للدولة،بل صار المجتمع ميدانا
مفتوحا لسطوتهم من خلال التديين القسري للحياة المدنية والتدخل بشؤون الناس والضغط على اختياراتهم وحريتهم. الملفت للانتباه ذلك التكاثر الغريب لرجال الدين المعممين في المدن العراقية وتوسعهم في ثنايا
المجتمعات التي يعيشون فيها والمثال الصارخ لهذا الوجود الواضح هو مدينة العمارة والناصرية بغداد والبصرةناهيك عن مدينة النجف وكربلاء والكوفة، وقد لايوجد جيش للمعمين حاكماً في العالم الاسلامي
مثلماهو موجود في العراق وايران. لست متوهما وغافلاًعن قوة وتأثيرًالاسلام السياسي في العمليةالسياسة
في بلادنا، لكن رغم ذلك، فهو لايحظ بنفس التأثير والقوة في بناء وادارة حياة مدنية تستجيب لمقتضيات التطور والحداثة،لانه بكل بساطة لايملك مشروع تحديثي لاعادة اعمار العراق وتنميته من خلال منطوقه
ورؤيته التي نحس بعقمها وتخلفها في ادارة البلاد حاليا.المشكلة ان المعممين اصبحوا عالةعلى المجتمع وعبئاً اضافيا مركباً على مجتمعاً يعاني اصلاً من المعضلات، فالامر لايتعلق بوجودهم خارج العملية
الانتاجية فقط بل بدورهم المعرقل لهذه العملية.في هذه الرؤية لااود اثارة إشكالية تصطنع العراقيل و تنثر الشكوك بشكل غيرعادل نحومواطنين عراقيين يمتلكون حق العمل والنشاط السياسي من خلال اجواء ، الحرية والديمقراطية المكفولة قانونياً؟ لكنني في الحالة هذه اتحدث عن دورووظيفة لايستحقونها وهي
تقع خارج مواقعهم وواجباتهم، فليس من حق رجل الدين ان يملك وظيفة مزدوجة وظيفة سياسية تتعلق
بأدارة دولة تخضع لقوانين وضعية واساليب ادارية تتجاوزالحلال والحرام بالطريقة التي يأولها الفكر الديني ويصدم بأليتها المتناقضة مع رؤيته وخطابه المقدسين، بينما وظيفته ودوره المحدد يكون من خلال الهدايا والاحكام الشرعية الي يستند عليها، وهذا ما يجعله في تناقض لاطائل منه مع الشؤون العصرية والمدنية المتحركة، فمثلا لايمكن لرجل الدين ان يكون عميدا لمعهد الفنون الجميلة، ولايمكن ان
يكون مديرأ لبنك تجاري وهلما جراً وهذه بديهيات.غير ان الوضع الحالي وبراغماتيا السياسة جعلت الاحزاب الشيعية تتغاضى عن التدخل الفض لرجال الدين في شؤون الناس وهذا ينطبق الى حدما على الاحزاب التي تتحدث، بأسم السنة أيضاً. ان مقالتي هذه كتبتها من وحي مايعاني الناس منه في المدن الذي ذكرتها، وذكرت لي العشرات من الامثلة على الدور المعرقل والغير مرغوب فيه لرجال الدين في شؤون الناس وأدارة الدولة، من خلال التساهل الذي يقدمه الوزراء والمسؤولون في اجهزة الدولة المختلفة لرجال الدين، وهذا ليس في الجنوب فقط،. بل يمتد أيضا الى الموصل والى المنطقة الغربية. لقد لعب رجال الدين في الحملة الانتخابية الاخيرة دورامؤثراً( كدعاة نموذجيين)،لصالح مختلف الاحزاب المتنافسة شيعية كانت أم سنية، وسايرتهم الاحزاب العلمانية في هذا المنحى بدرجة اقل، وهذا يشير الى مضمون المشهد السياسي واتجاهاته الرئيسية في بلادنا، مما يستدعي وقفة اكثراعتدالا وعقلانية من قبل مختلف الاحزاب وخاصة االقوى المستنيرة داخل هذه الاحزاب من استيعاب هذا المد بطريقة واقعية وعدم استغلاله بطريقة متطرفة لتعزيز جغرافية طائفية غير مطلوبة وغيرمجدية، وان افضل الحلول الرشيدة تقدمها هذه الاحزاب عندما تكون قوية وظافرة لصالح ترسيخ الهوية الوطنية العراقية وهذا هو الاكثر راهنية والحاحاً. قد تكسب الاحزاب الشيعية تكتيكياً على المدى القريب من دور رجال الدين في تقوية مواقعها، ولكنها قطعاً ستمنى بفشل ذريع عندما يجري كشف الحساب وتتبدل اوليات المهام، فالفوز يصبح مراً وكئيباً عندما تعجز عن تنفيذ استحقاقاته ووعوده للناس الذين منحوك صوتهم، وعندما تصبح التنمية واعادة الاعمار والامن وتصريف شوؤن البلاد مطالب ملحة ينتظر تنفيذها العراقيون بنافذ الصبر. ان اعادة صياغة مفهوم الدولة العراقية بعناوين ومضامين جديدة يحتاج الى اليات وخطاب جديدين لاتوفره خدمات رجال الدين ولاكفاءتهم المحدودة، ولايمكن لاي حزب ان يستثمر نفوذهم ويتكأ على طاقاتهم وامامه مهام مركبة لبلاد تقف على حافة الصفر في كل شئ. لاادعي اطلاقاً ان مشاكل العراق قدخلقها ذوي العمة،لكن من الصواب القول ان تدخلهم زادها تعقيداً وسوف يؤخرالحلول الممكنة لمعالجتها، ان خدمات رجال الدين مطلوبة وضرورية في نطاق الوجدان الديني ومخافة الله، ويأتي ذلك من خلال تعميم التفاهم ونشر قيم الخير بين فئات المجتمع، فمثلاً لايمكن للطبيب ان يحل محل المهندس، وهكذا دواليك.
ان مشاكل العراق لايمكن النفاذ الى حلها من خلال منطوق واحد ولارؤية واحدة, والايدلوجية الدينية لاتوفر مثل هذه الامكانية المطلوبة، في عراق متعدد اثنياً وطائفياً ودينياً وحتى علمانياً ولايمكن لرجال الدين ان يكونوا وجها واداة لتنفيذ مهمام هذه الاحزاب وهي تقود الدولة العراقية في منعطف خطر ودقيق ، ومن نافل القول التاكيد هنا،ان الكثير من السياسين العراقيين لايتعممون، ولكنهم لايقلون تطرفا وجموداً في سلوكهم السياسي والديني عن المعممين وهم معممون في قلوبهم وعقولهم، والادهى انهم يشغلون مراكز حساسة في اجهزة الدولة المختلفة، وهذا ايضاً من مفارقات المشهدالعراقي المثير والمفعم بتناقضات غريبة .
أن ظاهرة الرجال المعممين وتدخلهم التعسفي في شوؤن الناس وشوؤن الدولة هوأرهاباً من نوع اخر
وهو الوجه الكالح للفساد واحد عناوينه المفزعة ولاينبغي تركه بدون معالجة وتصدي ناجعين من قبل كل القوى العقلانية وخاصة القوى السياسية المستنيرة قبل فوات الاوان وعدم ترك هذه الظاهرة تستفحل لتحول الى ازمة تضاف الى ازمات العراق الكثيرة،وقبل ان أنهي مقالتي أذكر انه في مدينة الثورة لاتقوم الشرطة بتحرير ضبط بدون كتاب من مكتب السيد..؟ وكما قيل تأتيك النار من مستسصغر الشرر....؟
والعراق تكفيه النيران التي تلتهمه......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah