الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اجل تعاقد وطني منتج لاصلاح التعليم العالي

محمد حمزة

2017 / 5 / 9
المجتمع المدني


«الجامعة ليست فقط مكانا للمعرفة والتعليم، وإنما هي أيضاً موقع تعلم الديمقراطية وتأهيل المواطنين وسعادة الفرد. وبهذا المعنى نحن متعلقون بالقطاع العام…، وبالتالي بالدور الأساسي للدولة، ....مستندين إلى هاجس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص...».
ليونيل جوسبان


لقد شكلت المعرفة دوما مِلكاً عمومياً، تمت مراكمته عبر العصور. ان تعميم العلم و المعرفة يعتبر حقا دستوريا وحقا أساسيا من حقوق الإنسان ، فانه يلزم ان يكون أولوية الأولويات توفر له كافة الإمكانيات التي تجعل منه استثمارا استراتيجيا ينبني على تكافؤ الفرص بين المواطنين وليس قطاعا مستهلكا .
التعليم الجامعي العمومي أعطى للمغرب أغلب أطره الحالية و ساهم في تحرير البلاد , رغم عدم اندماج هذا التحرير داخل تصور متكامل و اختيارات هادفة و أولويات محددة داخل الزمان و المكان و داخل مجتمع ديمقراطي المؤسسات و الممارسة .
إن الإصلاح القطاعي أو العام هو أولا و قبل كل شيء, يقول الأستاذ عبد الله العروي , ثورة ثقافية / سياسية على العقلية المحافظة و على طرق تسييرها و تدبيرها .إذ لا إصلاح بدون إحداث قطيعة مع ماض أضحى يشكل عائقا امام تقدم المغرب و تطوره نحو مجتمع العلم و المواطنة و مغرب الديمقراطية و الحرية و المساواة .
وانطلاقا من هده النظرة الشاملة لواقع بلادنا و منظومتنا التربوية و تعليمنا العالي على الخصوص، فإننا نرى أن رفع تحديات الثورة المعرفية والتكنولوجية وتحديات العولمة يحتاج إلى جامعة وطنية حيوية ومنتجة ،وإلى وسط جامعي يلعب كل أدواره الأكاديمية بدقة وصرامة ،ليقود من جهة إلى انخراط البلاد في الثورة المعرفية الكونية ،وليمارس من جهة ثانية وظيفته النبيلة كضمير نقدي ،خاصة و أننا أمام مشهد للتعليم العالي يعكس أزمة بنيوية عميقة على المستويات الهيكلية والمؤسساتية .والعلمية والبيداغوجية تتطلب تتطلب تحديد المشروع المجتمعي البنيوي والديمقراطي لبناء مجتمع العلم و المواطنة والتنمية الشاملة ، وهدا لن ياتى الا باستحضار التوافق الوطني المنتج والتصور الوطني الحديث المتمركز على الإنسان وعلى سيادة العلم والمعرفة واستحضار دمقرطة التعليم كشرط أساسي لإرساء نظام تربوي قادر على تأطير الموارد البشرية وتنميتها لتفعل إيجابا من مواقع مختلفة في تطوير التنمية.ودلك رهين ببناء استراتيجية وطنية شمولية للاصلاح يتيح الولوج الى مجتمع المعرفة ؛اصلاحا يعتمد الشمولية ، حيث يربط الشكل بالمضمون على الصعيد التربوي والهدف بالوسائل علة صعيد التكوين والدمقرطة والفعالية على صعيد البنيات
فادا كانت قضية الإصلاح الشامل التي تعني تقوية الدولة والمجتمع لحماية مصالح وتحقيق ما هو ضروري من الشروط لتوفير حياة كريمة للشعب. فإن إصلاح التعليم الذي يعتبر أهم مستويات الإصلاح الشامل وأكثرها تعقيدا وتعثرا، لم يحظ بالأولوية التي يستحقها في الوقت المناسب، ولم ينظر إليه دائما كاستثمار منتج، ولم يحركه طموح نهضوي شامل، واستعمل في الغالب كوسيلة وليس كغاية، كمسايرة مطلب وضغط شعبيين، أو تكوين الأطر لتعويض الأطر الأجنبية ولتسيير ما هو قائم من المؤسسات. كما أن محاولات إصلاحه من وقت لآخر كانت وما زالت تركز على معالجة النتائج السلبية بدل التركيز على الأسباب.ففي مجال التعليم تظهر أعطاب برامج الإصلاح الرسمية المرفوعة في بقية المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أن إصلاح التعليم العالي يشكل مركز الثقل في الإصلاح الشامل للتعليم ككل، وللدولة، وللمجتمع،غير أن إصلاح التعليم العالي إذا كان نقطة انطلاق فإنه لا يمكن أن يصل إلى مداه إلا في إطار (وليس بعد) الإصلاح الشامل وليس بعده، لأن الوقت الذي كان يمكن فيه تنظيم مرور الإصلاحات بالتتابع قد فات.

إن وضعية الشتات الذي يعرفه التعليم العلي، يعتبر أهم عائق في وجه أي إصلاح حقيقي للتعليم العالي .وان اي إصلاح للتعليم العالي لا يمكن أن يكون إلا بتوحيده في جامعات موحدة المعايير والمقاييس ومتعددة الاختصاصات.
فإذا كانت بلقنة التعليم العالي قد أدت إلى الفصل بين المعرفة المهنية ( الاستقطاب المحدود)، والمعرفة الأكاديمية ( الاستقطاب المفتوح ) فإن التوجهات المقترحة تؤشر إلى تعميق البلقنة بإعطائها صبغة تجارية صرفة. ان ما سمي بالشراكة عام – علم ؛كصنف ثالث في التعليم العالي بين التعليم الجامعي العمومي و الخصوصي و كبديل عن الجامعة العمومية و التعليم العالي العمومي ( لاهو خصوصي و لاهو عمومي ولا وجود له إطلاقا في الميثاق أو أية مرجعية وطنية للاصلاح ) هو تقويض للجامعة العمومية. انه نوع هجين تموله مؤسسات الدولة او دول اجنبية ويستعمل في الاغلب اساتذة التعليم العالي العمومي ، كما يستفيد من جميع امتيازات الدولة رغم أنه مؤدى عنه، و يعطي شواهد وطنية معترفا بها. و لتسويغ هذا النوع من التعليم الخصوصي أطره المشروع في سياق شراكة نعتها عمومي /عمومي، وخطورتها انها تشرعن للحكومة و الدولة التملص من واجبها القاضي باعتبار القطاع خدمة عمومية
.ان الشراكة عمومي /عمومي شراكة غير متكافئة:
- تؤدي الى مزيد من تهميش الجامعة العمومية وتفقيرها واستنزاف طاقاتها؛
- تجهز عن المجانية وتقلص انفاق الدولة على المرفق العمومي للتعليم العالي و ستكون لها حتما آثار وخيمة وخاصة على التماسك الاجتماعي واستقرار المؤسسات؛
- تشكل تهديدا للشعور بالانتماء الوطني وضربا للسيادة الوطنية وخطرا يهدد الجامعة الوطنية العمومية ويقوض أسسها؛
- تعمق البلقنة وتتناقض مع العديد من مواد و مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين (على علاته) .
إنها شراكة تأتينا الجامعات من أمريكا و اسبانيا وفرنسا و إيطاليا أو حتى من روسيا وألمانيا، مما سيجعل نظام التعليم بالمغرب شبيها بسوق حرة وسوق بزار للتعليم .مما يفتح الباب على مصراعيه لإشكالات لن يمكن للمغرب مستقبلا إيجاد الحلول لها، وخاصة في الرؤى و الاتجاهات ويرهن مستقبل شباب المغرب، بل مستقبل المغرب ككل. إن المغرب والمغاربة يستحقون جامعة عمومية رائدة. أما الرهان على التعليم العالي الخاص الأجنبي تحت أي مسمى لحل أزمة التعليم العالي ببلادنا هو رهان فاشل،ويعمق البلقنة والتشتت الذي سيكرس مزيدا من التفاوت الاجتماعي والثقافي داخل بنية المجتمع المغربي مما يشكل خطرا على فكرة الولاء والانتماء للوطن.
ان تسليم مسؤولية وضع استراتيجيات التعليم العالي المستقبلية للمؤسسات الأجنبية، و تشكيل أنظمة التعليم العالي وفقا لرؤيتهم ( أو ربما أهوائهم ) هو أمر قد يكون بالغ الخطورة على مستقبل التعليم العالي العمومي وعلى استقلال البلاد. و يفرض على أنظمة التعليم و البحث العلمي في المستقبل نموذجا محملا بالمخاطر السياسية والاجتماعية.
إن سوء التسيير والتدبير المالي والإداري في بعض مؤسسات التعليم العالي، وعجز بعض المسؤولين محليا وجهويا عن التدبير والتسيير، وتطاول عدد من المسؤولين محليا وجهويا على اختصاصات المجالس المنتخبة وعدم احترام قراراتها، وتجواز وعدم احترام المقتضيات القانونية الجاري بها ....، وإيقاد جو التفرقة بين الأساتذة كل هذا ، يستوجب إعادة النظر في كيفية تسيير مؤسسات التعليم العالي بما يعزز الديمقراطية على مستوى هياكلها ومراجعة الطريقة الحالية لاختيار رؤساء الجامعات وعمداء ومدراء مؤسسات التعليم العالي في أفق انتخابهم.
ان مرور اكثر من 15 سنة على تطبيق نظام LMD،يطرح علينا مسائلة مضامين البرامج و شروط التكوين وتعزيز بنيات البحث العلمي وتعثردمقرطة الهياكل المؤسساتية بالرغم من شكلية اللجان الإنتقائية للعمداء و المديرين ولرؤساء الجامعات.ويتطلب فتح حوار جاد لتقييم نظام التكوين في أفق إصلاحه (نظام LMD، الإجازات المهنية وإشكالية مهننة التكوينات الجامعية، التكوين المستمر، ضعف التكوين التطبيقي، مشكل لغة التدريس وتدريس اللغات...) وفتح حوار جاد لتقييم منظومة البحث العلمي (إشكالية غياب سياسة وطنية وجهوية للبحث العلمي، تعدد المراكز الوطنية للبحث العلمي، هيكلة البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي، ضعف التمويل، ظروف اشتغال الأساتذة، ساعات العمل المخصصة للتدريس، وضعية الطلبة...)
ومن العوامل المعوقة لاستقلالية الجامعة وتطوير منظومة التعليم العالي هي غلبة التفكير الاتباعي المساير وجمود المناهج وطرائق التدريس وهذا ما يفرض الانتقال الحاسم والسريع لتطوير المناهج والوسائل والطرق التعليمية بما يناسب احتياجات عصر المعلوماتية وانتاج المعرفة.
إن تقويم اعوجاج سكة إصلاح التعليم العالي يتطلب ،نتجاوز الإصلاحات الجزئية والظرفية التي لم تحقق أهدافها لأنها ظلت تقنية بل تقنوية ولم يتجاوزها سقفها تغيير نظام الدروس ونظام الامتحانات ،أما المضامين المعرفية والأهداف العلمية والمهنية من التكوين الجامعي فلم تمس إلا باليد الخفيفة واستحضار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يعتمد الإشراك والديمقراطية ومن تم يجب ربط الجبهة التربوية التعليمية بالجبهة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكي تلعب الجامعة دورها المحوري كقاطرة للتنمية .
إن ظاهرة الاكتظاظ و غياب أي سياسة استباقية لملائمة الفضاء الجامعي مع نسبة أعداد الطلبة المتزايد - رغم ضعف عدده الإجمالي الذي يرتب المغرب في الدرجات الدنيا بالنسبة لدول ذات اقتصاد قرين باقتصاد المغرب، و التدني الخطير الذي تعرفه نسبة التأطير البيداغوجي و العلمي - حيث أن عدد الأساتذة بالمغرب يمثل نصف أو أدنى من عدد الأساتذة الباحثين في الجزائر و تونس، زيادة على سوء التسيير و التدبير الذي تعرفه الجامعة العمومية. كل ذلك يشكل مدخلا لتأزيم التعليم العالي العمومي، ومن ثمة خلق الذرائع لتملص الدولة من مسؤوليتها اتجاه التعليم العالي العمومي

إن الأزمة التي يعيشها التعليم العالي هي نتيجة منطقية للخيار الرسمي الذي لازال يعتبر الجامعة العمومية المفتوحة ترفا وليس ضرورة من ضروريات العصر وخيارا استراتيجيا ورافعة للتنمية الشاملة لدي نرى :
- أن يتم الإدماج الفعلي للجامعة العمومية خصوصا و التعليم العالي العمومي عموما في المخططات التنموية ، وبناء مخطط وطني للرفع من ندية التعليم العالي العمومي و الجامعة العمومي وتقوية تنافسيتها جهويا ودوليا ؛
- ان يتم يتبوأ البحث العلمي مكانة مركزية في النشاط الجامعي ؛
- ان تشجع الكفاءات والإبداع الأكاديميين ويحفز البحث و الاجتهاد في إطار حيوية التنافس النزيه بين الكفاءات
- ان تقرن المسؤولية بالمجاسبة ، داخل الجامعة المغربية وترسى دعائم الدمقرطة و الحكامة .
- ان تحظى هيئة الأساتذة في التعليم العالي ، بكل شرائحها ، بالاهتمام الذي يستدعيه موقعها ووظيفتها داخل المجتمع لا ينسينا ظروف العمل الصعبة التي تشتغل فيها. فتعدد مهام الأستاذ الباحث منذ الإصلاح و ظروف صعبة يعمل فيها الأساتذة الباحثون سواء داخل مدرجات مكتظة في غياب حد أدنى من التجهيزات والقاعات والمكاتب.و معضلة نسبة التأطير التي تبقى عالية.
والمدخل الى إعادة الثقة لهيئة البحث و التدريس هو مراجعة القانون المنظم للتعليم العالي (00/01) لانه حلقة من حلقات متراصة جوهرها الإصلاح الشامل للجامعة كحلقة من الإصلاح الشامل للتعليم العالي باعتباره حلقة اساسية في إصلاح المنظومة التربوية التي ليست الا جزءا من الإصلاح الشامل، ولا يمكن فصل القانون واجتزاؤه. و ضرورة سن نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين و إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة على الدخل حل انحباس المسار المهني للهيئة البحث و التدريس وإشكالية التفاوت في الأقدمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط