الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي إسلام...أي مسلمون؟

أحمد عدلي أحمد

2006 / 1 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نظر إلي باندهاش وأنا أصلي ، وهتف دون أن يحترم وقوفي للتعبد : "انت بتصلي بالحذاء" ، وبعد أن أنهيت صلاتي عقب قائلا: "كل بدعة ضلالة" ، وعبثا حاولت أن أشرح له جواز الصلاة في النعل على عكس العادة الطاغية الشيوع في مصر على الأقل ، وذكرت له الأحاديث المنسوبة إلى الرسول {صلى الله عليه وسلم} وأسانيدها الصحيحة ، وأوضحت له أن جواز الصلاة في النعل متفق عليه بين جميع علماء الأمة فهو بمثابة إجماع ، فوجدته يحاجج الأدلة الواضحة بلجج الأقوال حتى تجرأ بدون علم فطعن في صحة ما ذكرته من الأحاديث الثابتة التي ما طعن عليها طاعن، وانصرفنا وكل منحاز لرأيه ، ولكن ما شغلني هو اعتقاد الرجل أن ما فعلته من فعل صح أن النبي وأصحابه فعلوه في صلاتهم بدعة ، بينما يصر على تحريم لبس الحذاء في الصلاة وهو قول لم يرو عن النبي(ص) أو أحد صحابته وليس بقول عالم بالفقه الإسلامي شهد له الفقهاء بعلمه ، والأهم أنه لم يقبل بما ذكرته له من آثار صحيحة السند إلى النبي (ص) وشكك فيها لمجرد أنه اعتاد أن يرى عكس ذلك من جميع من قابلهم في حياته ، وكان هذا يعني ببساطة أنه يجعل التقليد الاجتماعي معيارا لفرز النصوص . إن ذلك الرجل ليس سوى نموذج اصطدمت به أخيرا ومثله نماذج أخرى منها ما صادفته حين كنت مستقلا سيارة فان أجرة (سرفيس) وحدث موقف ذكر الركاب بفتوى مفتي مصر (علي جمعة) الذي استفتي من قبل أحد القضاة عما إذا كان يرى تدخين الزوج ضررا للمرأة يسمح بالتطليق مع احتفاظ المرأة بحقوقها المالية، وكانت إجابته بنعم، لأن الطب قطع بالضرر الصحي الذي يصيب المدخن السلبي، وحتى في حالة عدم التدخين بمنزل الزوجية فإن التدخين بما يسببه من رائحة فم كريهة تؤدي لتأذي من يقترب من فم المدخن يعتبر ضررا يقضى معه بالتطليق، ورغم منطقية حجج المفتي فإن السخرية اللاذعة وحتى السب المقذع كان من نصيبه من قبل جميع الراكبين (باستثنائي) والسبب واضح فهو تحدى منطق المجتمع الذكوري الذي لا يعطي للنساء حق تقييم سلوك الرجال بمنطق "الرجل لا يعيبه شيء" أو ربما "الرجل لا يعيبه إلا جيبه" (إذا كان قضيبه يعمل كما ينبغي بالطبع) ، وهي صورة شائعة من صور القمع الاقتصادي والجنسي للنساء في العالم كله تقريبا، وقد امتدت السخرية من العامة إلى بعض النخبة إذ كتب أحدهم في جريدة الأهرام ساخرا أن التحذير الحكومي على علب التبغ يجب أن يعدل إلى "التدخين يسبب الوفاة والطلاق" وفي نموذج ثالث حدث أمامي كان رجل محل غيبة سائق سرفيس آخر والركاب لأنه "خضع" لرأي" زوجته في أعقاب خلاف على الأجرة مع السائق لما قالت له الزوجة أن الخلاف على مبلغ تافه يجدر أن يدفعه لينهي الأمر وبمجرد أن نزل الزوجان انطلق الركاب في سخرية عنيفة من الرجل الذي "تمشيه مرة" ولكن أحدهم بشر بأن هذا الوضع الاجتماعي المشين بطريقه للانتهاء بعد أن برهن من يرفعون شعار الإسلام هو الحل أنهم قادمون بقوة ليعيدوا المجتمع إلى حكم الله ويعيدوا النساء إلى قبضة الرجال ، ولو ذهب هذا الرجل في رحلة عبر الزمن إلى المدينة زمن النبي(ص) ليرى رجلا تأخذ الجارية بيده في الطريق فتنطلق به حيث شاءت، ثم يعود إلى بيته فيحلب شاته، ويخصف نعله، أو حسب تعبير السيدة عائشة يكون في خدمة أهله وربما احتدت عليه امرأته بالقول فما جاوبها بغير التبسم ما صدق أن هذا الرجل "الضعيف" هو نبيه (صلى الله عليه وسلم) ذلك أن له مفهوم مغاير للرجولة صاغه العرف الاجتماعي ، وله أيضا جذور في الإسلام ... أي الإسلام كما يفهمه مجتمعه الذي تربى فيه، ولكن ما مصدر الدين الاجتماعي ،أي نمط التدين الذي يؤثر في حركة المجتمع والتاريخ؟، بالطبع ليست نصوص القرآن والسنة هي المصدر ، ولا فتاوى عالم دين أو جماعة من العلماء حتى لو بدا الأمر ظاهريا كذلك، فهناك أشكال من السلوك الديني لا تظهر في أي نص مقدس، وتعادي كل الفتاوى الرسمية، فجموع الشيعة لا تزال تحيى عاشوراء بطقوس رمزية بالغة العنف مثل مواكب اللطم وشج الجباه، وحلق الرؤوس وغيرها من تقاليد شعبية يدعو علماء الشيعة لنبذها والاكتفاء بالبكاء والدعاء، وفي أغلب البلدان الإسلامية لا يزال التبرك بالأضرحة أمرا شائعا تماما ، ونجد هذا في كل الديانات فالاحتفال بنهاية العام الشمسي وبالفصح موروث من التقليد الروماني بعد إعادة تفسيره مسيحيا، وفي أحيان عدة نجد أن تأثير التقليد الاجتماعي يتغلغل داخل الرأي الفقهي الرسمي فشرط الكفاءة في الزواج تقول به جل المذاهب رغم ضعف أدلته ، وختان الإناث يعتبره بعض الفقهاء مكرمة ويحتجون في ذلك بأحاديث غاية في الضعف لو احتج بمثلها غيرهم في أمور الشريعة لاتهموه في علمه ، والغاية من كل ذلك أنه ليس صحيحا أن إعادة تفسير النصوص الإسلامية بشكل عقلاني وعصري سيؤدي لتحول المجتمع المتدين إلى العصرية والعقلانية ، بل العكس فعلى قدر تنور المجتمع وعقلانيته سيستطيع أن ينتج ويتبنى فكرا دينيا متنورا وعصريا ، إذ أن عملية التنوير لا تعني استبدال فهر فكري ذي مضمون ظلامي بآخر يدعي الحداثة والتنور ، بل استبدال طرائق التفكير من اتباع كل أمر مستقر إلى النقدية وعلى حد قول الإعلامية جزيل خوري (وقد لا تكون هي صاحبة العبارة الأصلية) أن ننتقل لنكون من المجتمعات التي لديها أسئلة بدلا من أن نبقى مقتنعين بما لدينا من أجوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر