الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على هامش كتاب - الدّين في حدود مُجرّد العقل - (3)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2017 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يمكن للمثابر الصابر في قراءة هذا الكتاب الشيّق ، أن يلاحظ عدة ملاحظات عقلية هامة في اعتقادي حول هذا الدين الجديد ، أراد لها " كانط " أن تصلنا بوضوح كي نتمعّن بها :
1- أن علاقة الله بالبشر - برأي كانط - يجب أن تكون علاقة أخلاقية وليس علاقة نفعية تجارية .. وأن دين العقل هو الدين الأخلاقي الصحيح ، لأن فيه يكون الانسان حر يؤمن بما يمليه عليه عقله ، ولا يعتمد على الكذب على نفسه والنفاق أو التملق في ممارسة إيمانه ، ولا يُصيبه التغييب العقلي أثناء تنفيذ الطقوس الغامضة لهذا الطقس أو تلك الشعيرة ، وأن حرية الإنسان في الإيمان بهذا الدين أو عدمه ستمكنه من أن ينجو من رهبة الطقوس وتهويمات النصوص وسطوة حرفيتها على تفكيره ، وسيكتشف أنه مع إعمال العقل ستفقد تلك العبادات الشكلية والشعائر الدينية معناها شيئا فشيئا عدا التي لا معنى لها بالأصل ..
2- إن العابد في هذا الدين الأخلاقي يجب أن يُدرك أن عبادته ليس هدفها التأثير على الله ، وأن يعي أن الداعي والمُصلي إنّما دعاءه لا يهدفُ إلى تغيير إرادة الله وحكمته في رعاية الوجود بل إلى تغييره هو ، و أن يعرف أيضاً بأن جوهر الصلاة إنما هي للتأثير على توجيه سلوك المصلي ومعاملته مع الناس وباقي الكائنات شركائه في نعمة الحياة ..
3- إن الدين الأخلاقي هو دين كوني ، وان كل الناس على اختلاف مشاربهم وألوانهم وأعراقهم هم شعب الله الواحد ، و لكن هذا الدين الكوني لا يتم التعرف عليه من خلال حفنة من رجال الدين المنتفعين من ذوي المهارات الخطابية ، الذين يوهمون العوام دائماً بأنهم ينبوع الصواب وأهل التقى وأصل الورع ، بل هو- بحسب تعبير كانط - ممارسة كونية موصولة إلى المقدس الإلهي بداخل كل انسان ..
أو بعبارة أخرى : إنه عبادة الله من داخل العقل ..
4- تتم ممارسة هذا الدين العقلي الجديد ، بالتفكير والسلوك الخيّر وليس بالتنطّع وإشهار العبادات وممارسة طقوس وفرض شعائر محددة ، أو ترتيل نصوص وعبارات قديمة غامضة نفترق عن العلم شيئاً فشيئاً ، وغالباً لا يكون لها تفسير عقلي واحد وأحياناً ليس لها أية علاقة بالأخلاق ..
5- رفض "كانط " رفضاً قاطعاً فكرة التكفير ، وبيّنَ بطلان دعوى السلفية الاستبدادية المتوحشة في كل المعتقدات والتي تطلق صفة الكافر على من سواها من اتباع المعتقدات الأخرى ، وأحياناً يكون التكفير بين أتباع المعتقد الواحد ، واعتبر إن من يسمى كافراً إنما هو في الحقيقة مؤمنٌ مختلفٌ عنا وحسب..
6- لم يدع "كانط" إلى إلغاء المعتقدات أو إماتتها، بل على العكس ، رأى خطورة جسيمة في في فعل ذلك، لما له من أثر كبير على استقرار الدولة والمجتمع..
ولكنه رأى أنه لطالما طاعة قوانين الدولة هو أمر أخلاقي ، فهي من يجب عليها أن تتولى مسؤولية حماية الدين، وليس رجال الدين أو أمزجة الافراد المؤمنين به ..
وقال بأن حماية الدولة للدين يجب تتم من خلال أمرين :
أولا : أن تحمي النص الديني المقدس من أن يتحول إلى جهاز استبدادي وسيف يسلط على عقول الناس ..
ثانياً : ان تحمي عقول الناس من استبداد النصوص المقدسة ومنحها فرصة الايمان الحر ..
7- صفوة القول : لقد أمن كانط بالدين الواحد للإنسانية ودعا إلى دين أممي ..
وتنبأ حقاً بهذا الدين الأممي الشامل حين قال : انه قد آن الأوان لبزوغ هذا الدين الحر وان يفهم الانسان أن دين الحق ليس سوى فكرة " الإنسانية " التي يرضى عنها الله ..
ولذا ينبغي تعليم الإنسانية انه لا يوجد سوى دين حق واحد ، يليق بالإنسانية ككل ، ويدعم نماءها وتطورها وهو" الدين الأخلاقي أو الدين العقلي المحض" ..
8- بالرغم أنه لم ينفي إمكانية وجود ظروف كثيرة للمعتقدات الأخرى بأن تبقى قائمة ، ولكن حضّ على عدم استخدام عبارة الأديان المختلفة ، لأنه يجب أن يكون هناك فقط دين واحد في البشرية ، وكل ما عداه هو معتقدات ومظاهر وعبادات وطقوس متنوعة ، ينبغي عليها جميعاً ان تدعم دين العقل والأخلاق الإنسانية الواحدة ..
وهنا يبقى السؤال : كيف يمكن للإنسانية الخروج من دائرة كل هذه الاختلافات الدينية والصراعات المذهبية وتجنب لعنات الكراهية المتبادلة والمستترة أحياناً بين الأفهام الدينية الشعائرية ، والإسراء بها إلى التوحد في كنف الدين الإنساني الأرقى ، دين العقل المحض والجوهر الذي يخص ويليق بكل الشعوب .. ؟!
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟