الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح

طوني سماحة

2017 / 5 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أطبق الليل على الجليل واليهودية. في أعلى الجبل يسوع يصلي وفي عمق البحر إثنا عشر تلميذ يصارعون الأمواج. الريح تضرب السفينة وهم يواجهون الريح. تقذفهم يمينا فيرتدون شمالا. ملأ الخوف قلبهم. لاحت لهم النهاية. تذكروا أحباءهم النائمين في دفء منازلهم وتمنوا لو يستطيعوا معانقتهم لمرة واحدة قبل ان يطبق الموت عليهم. لاح لهم في البعيد خيال يمشي على الماء. جمّد الخوف الدم في شرايينهم. أتراهم يهلوسون أم هو حقيقة. اقترب الخيال، رأوا فيه صورة يسوع. اعتراهم الشك والرعب. صرخوا. لكن صراخهم امتزج بصوت يسوع قائلا لهم "تشجعوا، لا تخافوا، أنا هو." سكنت مشاعرهم بعض الشيء، لكن بطرس صرخ قائلا "يا سيد، إن كنت أنت هو، فمرني أن آتي إليك على الماء". قال له يسوع "تعال". نزل بطرس من السفينة وخطى خطوة على الماء. نظر الى رجليه ثم الى سطح البحر. شاهد موجة عملاقة تتلاعب بالسفينة وكأنها لعبة صغير ترفعها ثم تخفضها كريشة فملأ الخوف قلبه. ابتدأت رجلاه بالغرق. خاف وصرخ "نجني يا رب". في الحال مد يسوع يده وأمسكه ثم قال له "يا قليل الايمان لماذا شككت"؟ أدخله يسوع السفينة، فسكنت الريح. عندها سجد له التلاميذ قائلين "بالحقيقة انت ابن الله".

هدأت العاصفة. جلس التلاميذ بسكون وهم يستذكرون لحظة لقائهم بالموت. كان البحر بالنسبة لهم مدرسة وكانت العاصفة أمثولة ودرسا. هناك تعلموا ان الحياة على سطح البحر ليست ما هي عليه على البر. ركوب البحر يتطلب مصارعة الموج ومواجهة الريح واحتمال الغرق والموت. أدركوا ان الحياة حتى على البر تشبه مصارعة الأمواج. فلكل واحد بحره وريحه وموجه. ومع كل ريح وموجة هناك خوف وقلق وسفينة قد تنقلب في أي لحظة على رأس بحارها وراكبيها. هناك أدركوا ان الرحلة التي ظنوا انها قد تحمل إليهم خيرا وسمكا كثيرا وطعاما وفيرا لعائلاتهم قد تكون بالحقيقة تلك التي تيتم أطفالهم وترمل زوجاتهم وتنتهي بهم طعاما لسمك البحر أو عظاما في قاعه. هناك أدركوا ان ليس عليهم ركوب البحر لمواجهة الرياح، بل وهم على اليابسة قد تكون الأرض تحتهم بحرا، بحرا من الجوع والمرض والموت والانفصال عن الأحبة والظلم والخيانة والغدر والكراهية.

على سطح البحر أدرك التلاميذ أنهم لا يستطيعوا ان يأتمنوا أنفسهم للحياة، وأنهم مهما كانوا مفتولي السواعد والزنود، أو مهما كانت سفينتهم متينة الصنع، إلا أن الريح لا يقف بوجهها زند وساعد مفتول او سفينة، أعملاقة كانت أم صغيرة. هناك أدركوا ان الريح لا يمكن ان تقف ما لم توقفها اليد التي خلقتها وأن السفينة لا يمكن ان تكون آمنة ما لم تحملها اليد العملاقة الخفية فوق سطح المياه.

خرج التلاميذ من السفينة خلافا لما دخلوها عليه. عندما دخلوا السفينة كانوا يرون أنفسهم بحارة ماهرين، يواجهون الريح والامواج ويعودون منتصرين. لكنهم عندما خرجوا منها أدركوا أنهم قد يكونون في أي وقت لقمة سائغة للموت والفشل ما لم تقف الى جانبهم يد تقول للريح "اسكت" فيسكت و"صه" فيهدأ.

إنها يد يسوع، إنها يد الله التي تحول العاصفة الى ريح هادئة وتقلب المعايير فتجعل من الخسارة ربحا وتخرج من الموت حياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما