الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيرة

ماريو أنور

2006 / 1 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الغيرة أحد خصائص الشخصية , وهى ميزة مثيرة للأهتمام , وهذا لأنها شائعة بين الكثير من الأفراد , والغيرة ليست مقصورة على العلاقات الغرامية , ولكن هناك أيضاً غيرة فى جميع العلاقات الإنسانية , ففى مرحلة الطفولة فإننا نجد الطفل الذى يصاب بالغيرة خلال محاولاته لتحقيق " التفوق " و أمثال هذا الطفل يمكن للواحد منهم أن يصبح شديد الطموح بطريقة مبالغ فيها , وهاتان الميزتان ( الغيرة و الطموح ) تكشفان عن موقف هذا الفرد الهجومى من العالم , فإن الغيرة هى رفيق الطموح الذى يمكن أن يظل معه طوال الحياة , والغيرة تنشأ من شعور الفرد بأنه مهمل , وبأن الآخرين يتحيزون ضده .
ومعظم الأطفال يعانون من الغيرة , خاصة الغيرة من الأشقاء الأصغر سناً , فبسبب حاجة الأخ الأصغر ( أو الأخت ) إلى المزيد من العناية , فإن الطفل الأكبر يشعر بأنه كالملك المخلوع , لأنه كان ينعم قبل وصول أخيه الأصغر – بالعش الدافىء وحده وبكل الحب الموجود لدى أبويه , وهذا يجعله شديد الغيرة , وهذه هى حالة فتاة ارتكبت ثلاث جرائم قتل قبل أن تصل إلى سن الثامنة , وهذه الحالة توضح لنا المدى الذى يمكن أن يصل إليه الإنسان الذى يشعر بالغيرة , حتى ولو كان لا يزال طفلاً .
إن هذه الفتاة الصغيرة كانت متخلفة إلى حد ما , وقد منعها أبويها من القيام بالكثير من النشاطات القوية لأنها كانت رقيقة جداً , وبسبب هذه المعاملة فإنها قد وجدت نفسها فى وضع جيد , ولكن هذا الوضع الجيد لم يستمر طويلاً لأنها عندما بلغت السادسة من عمرها فإنه قد أصبح هناك من ينافسها , لقد ولدت لها أخت صغيرة , وتغيرت شخصيتها تماماً , وبدأت تضطهد القادمة الجديدة بكراهية لا ترحم , وكان الوالدان عاجزين عن فهم سلوكها هذا , ولهذا فإنهما أصبحا شديدى التزمت و القسوة معها , محاولين إفهامها خطأ اتباع مثل هذا السلوك .
وفى يوم من الأيام تم اكتشاف جثة فتاة صغيرة فى إحدى القنوات الصغيرة التى تخترق الققرية التى تعيش فيها هذه العائلة , وبعد فترة وجيزة تم اكتشاف جثة أخرى غارقة لفتاة صغيرة , وأخيراً فإنهم أمسكوا بها وهى تحاول أن تلقى بطفلة ثالثة فى المياه , ولقد اعترفت بجرائمها السابقة , وتم وضعها فى مستشفى الأمراض العقلية لمراقبتها , وأخيراُ تم وضعها فى أحد المعاهد الإصلاحية .
إن غيرة هذه الفتاة من أختها الصغيرة قد تحولت إلى كراهية شملت كل الأطفال الصغار , ولكننا لاحظنا أنها لا تكره الأطفال الذكور , وفيما يبدو أنها كانت ترى أختها الصغرى فى كل واحدة من ضحاياها التى قتلتهن , ومن خلال هذه الجرائم , فإنها قد حاولت أن تنتقم من الإهمال الذى اعتقدت أنها كانت تعانى منه .
إن الظواهر و الأشكال التى تظهر بها الغيرة تحدث كثيراً عندما يكون هناك إخوة أو أخوات , وفى حضارتنا الحالية فإن مصير الفتاة الصغيرة ليس مغرياً , فهى تشعر بالإحباط عندما يولد لها أخ أصغر منها , ثم يعامله الجميع بحماس و بطريقة فيها الكثير من الاحترام و أفضل من الطريقة التى عوملت هى بها , ويزداد هذا الإحباط عندما ترى العناية العظيمة و الميزات التى تعطى له , والتى حرمت هى منها .
إن مثل هذا الجو يسمح بسهولة لظهور المشاعر العدوانية و الكراهية فى مثل هذه العلاقة , ومن الشائع أن الأخت الكبرى تكون محبة وتعامل أخاها الأصغر بأمومة , ولكن من الناحية النفسية فإن هذا لا يختلف كثيراً عن الحالة السابقة لتلك الفتاة الصغيرة القاتلة , فعندما تأخذ الأخت الكبرى موقف الأمومة من الطفل الأصغر , فإنها عن طريق هذا تكون قد استعادت " وضع القوة " الذى يسمح لها أن تتصرف كيفما شاءت . إن هذه الحيلة البارعة قد مكنتها من خلق مصدر جديد للقوة مكنها من الخروج من هذا الموقف الخطير .
و المبالغة فى التنافس بين الإخوة ( أو الأخوات ) هو واحد من أهم الأسباب التى تؤدى إلى الغيرة , فإن الفتاة قد تشعر بأنها مهملة , و من ثم فإنها ربما تبدأ فى السعى باستمرار للتغلب على أخيها , و كنتيجة لهذا فإنها قد تنجح – غالباً – فى زيادة المسافة بينها و بين أخيها , ونحن نعلم أن الطبيعة تكون إلى جانبها ( لأن الفتاة تنمو و تتطور – عقلياً و جسدياً – بسرعة أكبر خاصة فى فترة البلوغ ), مما يمكنها من تحقيق هدفها , و إن كانت تلك الفجوة الفسيولوجية تتلاشى مع مرور الزمن .
أن الغيرة مثلها مثل بروتس فى الأساطير , يمكنها أن تأخذ آلاف الأشكال و الصور , و يمكننا أن نتعرف عليها فى " عدم الثقة " وفى الطريقة التى ننصب بها الفخاخ للآخرين , وفى محاولاتنا لقياس و تقدير الآخرين , وفى الخوف الدائم من أن نتعرض للإهمال , وظهور إحدى الصور السابقة يعتمد تماماً على الطريقة التى تم بها إعداد الفرد للحياة الاجتماعية , وأحد صور الغيرة هى " تدمير الذات " كما أنه يمكن التعبير عن الغيرة فى صورة " عناد " قوى , أيضاً فإن إفساد متعة الآخرين , والاعتراض الدائم غير المبرر و الخالى من أى منطق ووضع قيود على حرية الآخرين و محاولة إخضاعهم , كلها من صور " الغيرة ".
كما سبق و قلنا , فإن محاولة الفرد لإعطاء الآخرين مجموعة من الآوامر و النواهى بغرض التحكم فى سلوكهم هى واحدة من أحب الطرق للشخص الغيور , واحد الأمثلة المعروفة عندما يحاول الفرد تقييد والديه بسلاسل الحب و أو عندما يبنى حوائط و أسواراً حول من يحبهم , أو عندما يحاول أن يحدد ما الذى يجب أن يروه أو يفعلوه أو يفكروا فيه , أيضاً فإنه يمكن استخدام الغيرة فى تحقير و توبيخ الآخرين . إن الشخص الغيور يستخدم الغيرة فى حرمان الآخرين من حقهم فى الاختيار الحر وفى سجنهم , وتقييدهم إليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم خاركيف.. الجيش الروسي يسيطر على 6 بلدات ويأسر 34 عسكريا


.. حضور للعلم الفلسطيني والكوفية في حفل تخرج جامعة أمريكية




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار الغارات الإسرائيلية على مناطق وسط قط


.. كتائب القسام تقصف قوات إسرائيلية بقذائف الهاون بمعارك حي الز




.. انفجار ودمار في منطقة الزيتون بمدينة غزة عقب استهداف مبان سك