الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيز السيد جاسم عقل باهر وفكر زاخر.. جَوْسٌ خَلَلَ بواكير كتاباته المعرفية

شكيب كاظم

2017 / 5 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الآن ( 25//شباط/2016) وبعد تعب مضن انتشلنا من براثن المجهول والضياع الكتاب الفكري البكر للطالب في دار المعلمين الابتدائية في الناصرية والبالغ من العمر أوا نذاك، سنة كتابة كتابه 1954 ذاك، التاسعة عشرة من عمره، السيد عزيز السيد جاسم (الموسوي) فأنا والطابعي ومنذ صيف عام 2015، نتلمس دربنا بصعوبة بالغة، ونحن نفك حروف هذا الكتاب المعرفي الجميل الذي، أودع فيه عزيز السيد جاسم أولى أفكاره الفلسفية ويبدو انه كان يكتبه مهموماً ساخطاً على هذا المجتمع الغافي، الذي لا ينزل الناسَ منازلهم، كانت أفكاره متلاحقة سريعة موّارة فوّارة، كان لا يكاد يلحق بها صاباً إياها على الورق، لذا كنا نجد صعوبة في استكناه الحروف، ووضعها في سياقها.

الكتاب فلسفي، تعجب لطالب لمّا يبلغ العشرين من عمره، وقد أحتجن كل هذه المعلومات والأفكار، تعجب لهذه القراءات الثرة والثرية، في هذا العمر المبكر، فلا يكاد فيلسوف غَرَب عن ذهنه وعن مطالعاته: بيكون، كنت، ديكارت، هيوم، ليبينتز ، وماركس وأنجلس، والأحدث، سارتر وكامو وهوسرل، فضلاً عن القدماء، سقراط وأفلاطون وأرسطو، ودراسة عميقة لفيلسوف القوة والعنف والباحث عن السوبرمان، الإنسان المثالي، أعني (فريدرك نيتشه) (1844-1900) الذي كان يعاني أمراضاً جمة، فأراد التعويض عن ضعفه الخَلْقي بالدعوة إلى القوة، فكانت أفكاره ، حضناً رؤوما وحقلاً خصباً للنازية الهتلرية والتي حاربت الدنيا كلها، من أجل مجد المانية، وانتزاع أملاكها التي خسرتها في الحرب العالمية الأولى، التي خرجت منها المانية مهزومة مهانة.ولقد وقف طويلاً، عزيز السيد جاسم، إزاء إلحاد نيتشه وتجديفه ضد المسيح والمسيحية، فهذا الداعي لسيادة القوة، لا ترضيه وداعة المسيح، ومحبته للناس أجمعين.

وأنا أجوس خَلَلْ هذا الكتاب البكر للمنشئ الجميل عزيز السيد جاسم، ظل هذا التساؤل الذي يلح عليَّ أن أطلقه صارخاً، ترى لو بقي العراق يسير مسيرته الوادعة الواثقة الهادئة، قبل ان تعصف به عواصف المنون والجنون، لو بقي العراق، لما وئدت هذه المواهب، ولما زج بها في السجون، فخرجت منها محطمة نفسياً وجسدياً، وهي ترى ما عملت عليه وأرادت تحقيقه آل إلى يباب وذهاب، ولقد تناول هذا الشأن الأدب الروائي، وفي الذاكرة رواية (الوشم) للروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي، بوصفها من أوائل، بل أول من دَرَسَ فجائع السجون السياسية في العراق.أقول: لو لم تضرب بلدنا العواصف، لظلت هذه الكفاءات تونع في هدوء ويسر، وتؤتي أكلها.

اقرأ في كتاب عزيز السيد جاسم هذا، الذي أسماه (المقامر) ولا أكاد أصدق عيني، أحقاً هذا الفتى الذي لما يصل السنة العشرين من عمره، قرأ كل هذه الكتب، ونهل كل هذه الفلسفات؟ أحقاً أن هذا الفتى يكتب بهذا الأسلوب الرشيق العالي المستوى، ترى لو أمتد به العمر، ولم تعصف به الدكتاتورية، ماذا كان سيقدم لنا، هو الذي قدم خيراً وفيراً على الرغم من محاولات التضييق والتدجين، كي يسبّح بحمد الحاكم.لقد كان عزيز السيد جاسم، وهو الطالب في دار المعلمين الابتدائية، يحيا غربة ممضة ومؤلمة، إذ يجد الفرق شاسعاً بين تطلعاته وأفكاره، وهؤلاء الذين يحيا معهم، وهو يرنو نحو الأفق شامخاً كالطود لا يأبه بالعواصف والرعود، وهؤلاء لايكادون يرفعون عيونهم عن الأرض، مشغولين ببسيط الأمور والطعام والشراب والتناسل، وهو ما عاشه المبدع الكبير محمد خضير، الذي زاول التعليم الابتدائي في مدارس البصرة والناصرية لا يكاد يجد ما يجمعه بزملائه من المعلمين، وهو ما تحدث عنه طويلاً في عديد كتاباته، وعانى القاص والروائي (حمد صالح) العذاب ذاته، ابن قرية (إجميلة) القريبة من قضاء الشرقاط، وهو ما سرده علينا في روايته البكر (خراب العاشق).

في الكتاب هذا، فضلاً عن موضوعاته الفكرية والفلسفية، يوميات، أقرب إلى المذكرات، لكنها مذكرات زاخرة بالرؤى والأفكار، وتصوير دقائق الحياة ناقلاً لنا نحن قراءه، صورة ذلك الغني، البخيل الذي كان همه جمع النقود باخلاً على نفسه وأسرته، يصوره ساعة الموت، الذي يكره عزيز السيد جاسم، صورته، رهافة حسه، تجعله ينأى بذاته عن صور الأموات التي يتعامل البلداء معها ببساطة وبلادة، لكن هذا العقل الجوال المكتظ بالسؤال، المنغص عليه عيشه، يؤذيه منظر الموت والأموات، ومنظر هذا الأبن الباكي موت أبيه، الذي ما أغدق عليه حناناً بله طعام وشراب.

لقد قالت بعض الأديان غير السماوية، فضلاً عن بعض الحركات الفلسفية، ب (التناسخ)، تناسخ الأرواح، إذ يرون ان الروح تحل في أجساد أخرى بعد الموت، وهو ما يعرف أيضاً ب (الحلول)، وقد ذكرت بعض الفرق الغالية، أو المغالية، أن مراتب التناسخ أربع هي، النسخ والمسخ والفسخ والرسخ، فإذا انتقلت النفس الإنسانية إلى بدن آخر سمي ذلك (نسخاً) وإذا انتقلت إلى بدن حيوان، كان ذلك (مسخاً) وإذا انتقلت إلى النبات فهو (الفسخ) ولو انتقلت إلى الجماد، أطلق على ذلك أسم (الرسخ)، ويبدو أن المفكر عزيز السيد جاسم في عمره المبكر ذاك، قد وقف على هذه الآراء وقرأها ونجد صدى لهذه القراءات في حلم، رؤيا، يحلم به عزيز السيد جاسم، إذ يسرد علينا فحوى هذا الحلم في إحدى يومياته قائلاً: “يا للحلم العجيب، أنا في طائرة، وهذه الطائرة تتقلب في الأعالي، العواصف موارة صاخبة (…) ونزلنا في مدينة جبلية (…) وتكلمت مع هذا الشيخ بائع الفواكه، ومع تلك المرأة بائعة الأواني، وقبلت طفلاً وداعبت طفلة (…) وانقطع هذا الحلم فقد أيقظني أخي (…) ودار في رأسي(…) تساؤل محير مربك لماذا لا نكون غير موجودين؟ البارحة عشت مع أشخاص وتكلمت معهم (…) ومع ذلك فهم غير موجودين، ونحن من يقول إننا موجودون؟ ألا يجوز ان نكون أشخاصاً في حلم كائن ما؟ ألا يجوز أن تكون تصرفاتنا وأعمالنا وكل مظاهر وجودنا، مواد في حلم مخلوق لا نعرفه ولا نعلمه؟ الأشخاص الذين رأيتهم البارحة (…) لا وجود لهم، الكل سراب، والكل وهم، الكل خداع، الكل صور، مجرد صور باهتة لا لون لها، (…) أحقاً اننا حلم ووهم؟ ..” .

في النص هذا، فضلاً عن أفكار التناسخ والحلول، قفز نحو التخاطر والباراسايكولوجي، الذي ما كان معروفاً – في الأقل – لدينا، إذ كان هذا العلم في مجال النقاش والأخذ والرد، ولاسيما في مجال النظرية المادية التي تنفي كل روحاني المنشأ وتلغيه، لأن إقرارها بهذا العلم ، نفي للنظرية وتحطيم لها، لكنها في عقود تلت ، أذعنت واعترفت بهذا العلم، بعد ان وجدت غريمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تكرس هذا العلم في دنيا الاستخبار والتجسس.لقد كان عقل عزيز السيد جاسم الموّار، يحدس بالآتي من ضمير الغيب والمجهول، لقد أكتشف السيد هذا العلم قبل أن يتحول إلى حقيقة علمية في عقود تلت، فهل من برهان أرسخ على عبقرية هذا الرجل ونبوغه، غير ناسين سنه المبكر؟

تقرأ في هذا الكتاب البكر، فتلمس عروبة السيد عزيز، وتوقه لإعلاء شأن الأمة ووحدتها، وأخذها بأسباب الرفعة والتقدم والعلم، فهو على الرغم من أفكاره اليسارية التي طبعت توجهاته وقتاً، نجده يعلن ” إن الواقع المؤلم الذي يعيشه العرب حيث الاستعمار يمد أصابعه في بقاع عربية كثيرة (….) إن قلب الواقع الفاسد، وإزالة آثار التأخر والانحلال والمرض الاجتماعي، لا يتم إلا بالتسلح بإرادة قوية عاصمة تسهل إنجاز الهدف وتجعله محققاً ومكيناً (…) وإن إزالة هذه القيود لا تتم بتلك السهولة المرجوة، بل لابد من عزم حديدي وصرامة مبدئية، واندفاع مخلص ضمن إرادة قوية واثقة (…) غذاؤها العلم والعرفان(…) إن قضايا خلق عالم عربي يتمتع بكل معاني الحرية والكرامة والروح العلمية، لا تقرره إرادات فردية مبعثرة، أو رغبات قادة أو زعماء معينين، أو تصميم أو توجيه منظمات أو أحزاب محدودة، بل الإرادة الجماعية القوية، إرادة الملايين”.

تحية إكبار لهذا الفتى ولقلمه ولعلمه، الذي كان إرهاصاً بالآتي ، مفكراً وباحثاً وروائياً ومنشئاً، ترك أثره في الثقافة العراقية والعربية، إبان النصف الثاني من القرن العشرين، وسيظل أثره باقياً فيهما عقودا وعقود، الذي حفر أسمه بالإزميل… السيد عزيز السيد جاسم (الموسوي) وهذا حسبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط