الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان والعقل - 2

باسم السعيدي

2017 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قال أوشو في مقابلة صحفية : هل يمكن أن أؤمن بالشمس؟ هل يمكن أن أؤمن بالقمر؟ هل يمكن أن أؤمن بالزهور؟ بالطبع لايمكن ذلك، هذه الأشياء معروفة لدي، وليس من المعقول أن نؤمن بما نعرف على نحو اليقين (المادي). "وكلمة المادي هذه مني"[إنتهى الإقتباس]. فالفارق كبير بين المعرفة والإيمان.
الإيمان هو عبور ذهني من مستوى الواقع الى مستوى الغيب الذي لايُعرف كنهه ولا ماهيته ولا حقيقة وجوده، وإنشاء ذلك الجسر الذهني للتواصل بين منطق الواقع وآمال الغيب هو الإيمان. الواقع عالم العقل والمنطق وقياس كل شيء فيه، والغيب عالم الأمل والأمنيات والرغبات والخيال والإطلاق.
إن التواصل بين هذين العالمين المتناقضين يفسِّر تنوع متبنيات النفس الإنسانية، كما إنه يُرضي ذلك التنوع ويلبي إحتياجاته، ولعل المائز الأكبر بين الإنسان وبقية الكائنات هي تلك المَلَكة العظيمة ملكة الوعي التي تتشعب الى تنوع هائل يذهب الى أقصى اليمين نحو العقل والمنطق وأقصى الشمال نحو الأمل والخيال والطموح.
فعملية المزاوجة بين الإيمان والعقل هي كمحاولة إجبار خطين متوازيين على الإلتقاء، وربما قال قائل بإن ذلك الإلتقاء يحدث فعلاً عند الأفق، لكن هذه هي النظرة القاصرة للأمر، فلو وضعت مثابة رمزية عند نقطة الإلتقاء هذه، كجبل أو شجرة، مشيت نحو الأفق واقتربت كثيراً من المثابة وأعدت النظر الى الخطين المتوازيين لوجدتهما ما زالا متوازيين، ولم يلتقيا مطلقاً الا في خيال الناظر بسبب قصور النظر. وسنحاول مقاربة تلك المناطق عند مثابات عقلية لنتحرى نقاط الإلتقاء أهي موجودة فعلاً أم إنه النظر الحالم هو الذي يجعل الأشياء تبدو على غير حقيقتها!

علم الكلام، صفات الذات وصفات الأفعال
مبحث الصفات عند الكلاميين هو مقاربة عقلية لفهم الإله فالصفة هي تقريب لفظي للذهن عن صورة الموصوف، ومبحث الصفات الذي أطنب في الغوص بوضع أُطُر (تقنين) شكل الذات الإلهية وأفعالها في الواقع لم يقم بتوصيف فعلي للذات والصفات بقدر ما وضع قواعد عقلية يمكن من خلالها تسطير ما يجوز وما لايجوز، ما يجب وما لايجب، ما يمكن وما لا يمكن للإله أن يكون عليه أو أن يقوم بفعله، بالحقيقة ما قام به علماء الكلام كان التصالح على نوع من الوصاية على الإله (المفترض) فالإله الحقيقي لايمكن لحد أن يفرض عليه ما يفعل وما لايفعل، يحضرني الآن مثال بسيط على الخلل الكبير الذي من خلاله وقع فيه الكلاميون والفلاسفة المسلمون حين أجازوا لأنفسهم أن يحكموا على الله كيف يتصرف، لقد إنتبه الى هذه النقطة الفيلسوف الإسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر، في تقريراته لأصول الفقه، ففي الوقت الذي قرر الأصوليون قاعدة قبح العقاب بلا بيان ذهب هو الى إطلاق حق الطاعة للإله على عباده (راجع دروس في علم الأصول)، فللإله الخالق أن يتصف بما يشاء هو لا أن يشاء الفلاسفة، ويمكنني أن أتفهم إعتراض الكثيرين على هذه النقطة، لكن هذا هو معنى الإيمان بالله وبالغيب، فالطقس العبادي والمفهوم الروحي لم ولا ولن يخضع الى قواعد رياضية عقلية تشبه الجمع والطرح، الضرب والقسمة، والا فستتحول روحانية الدين الى محامين وقضاة، شرطة وسجانين، ولو ألقيت نظرة بسيطة الى التفريعات الفقهية وأساليب معالجة الفقهاء لتلك التفريعات لوجدت إن الفقه بات بعيداً على الدين والروحانيات، إنه أقرب الى مدرسة متخصصة بالرياضيات (مع فارق التشبيه) والترف الفكري الرياضي الذي يقارب كل الإحتمالات ويعالجها بالفرضيات والتقريبات للوصول الى نتائج، نظرة بسيطة الى أصول الفقه تبعث بك الى أبعد نقطة عن الروحانيات والدين لتضعك في وسط لجَّة بحر متلاطم الأمواج من القواعد المنطقية والأصولية والفلسفية ما ينسيك حتى (طعم ولذة صلاتك) .. وأنا أتكلم عن معاناة في هذه النقطة، بالضبط تشبه الفترة التي درست فيها إفتتاحيات كاسباروف وأليخين وبوبي فيشر وكاربوف وتفريعاتم في الشطرنج .. أصول الفقه والفقه أكثر قرباً من الشطرنج منه الى الأديان... وللحديث بقية










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي