الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحسد

ماريو أنور

2006 / 1 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إننا نعلم أنه عندما يكون هناك سعى حثيث لإحراز القوة و السيطرة فإنه يكون هناك قدر من الحسد أيضاً . إن الفجوة – بين الفرد و بين هدفه الذى لا يستطيع الوصول إليه – يتم التعبير عنها فى صورة عقدة نقص , وهذه العقدة تسبب للفرد الكثير من الكبت و القمع , وتؤثر على سلوكه العام كثيراً و موقفه من الحياة , وهذا الموقف هو الذى يعطينا الانطباع أنه أبعد ما يكون عن هدفه , وانطباعنا هذا يتأكد من خلال تقدير الفرد لنفسه , وعدم اقتناعه بحياته و عم رضاه عنها , فهو يمضى وقته فى النظر إلى الآخرين وإلى حجم نجاحهم و إنجازاتهم , وهو يشغل نفسه بالتفكير فيما يظنه الأخرون به , فهو ضحية شعوره بالإهمال , وبأن الآخرين يتحيزون ضده , رغم أن هذا الفرد – فى الواقع – قد يكون أسعد حظاَ من غيره .
أن الصور المختلفة للشعور بالإهمال ما هى إلا علامات على شعور شديد بالغيرة , و الرغبة فى الحصول على ما هو أكثر مما فى يد الغير , أ ببساطة أن يمتلك فى يديه " كل شىء " , لكن الشخص الحسود من النوع الذى لا يقول إنه يرغب فى أن يمتلك كل شىء لأن مشاعره الاجتماعية تمنعه من التفكير فى هذه الأفكار و لكنه يتصرف كما لو كان يرغب فى امتلاك " كل شىء " .
أن الشعور بالحسد يتزايد كرد فعل لاستمرار الفرد فى المقارنة بين إنجازاته و أنجازات الآخرين , وهذا لا يساعد الفرد على أن يكون سعيداً , وحيث إن الشعور الاجتماعى هو شعور عالمى , فإن هذا يجعل من الحسد أمراًَ مكروهاً عالمياً , ومع هذا فإنه لا يوجد من يخلو من الحسد تماماً , فعندما تجرى الحياة بهدوء و سلاسة , فإن الحسد قد لا يكون ظاهراً بوضوح , ولكن عندما يكون الناس فى ألم أو احتياجات البشر الضرورية عندما يفقدون الأمل فى المستقبل و يرون أنه لا يوجد مخرج من هذا الوضع التعيس , فإن الحسد يبدأ فى الظهور .
أن حضارتنا مازالت فى مراحلها الأولى , ورغم أن الأديان و المبادىء عموماً تحرم الحسد , فإننا لم نصل إلى مرحلة النضوج النفسى التى تمكننا من التخلص منه , و يمكن أن نتفهم الحسد الذى يشعر به الفقراء تجاه الأغنياء , و يمكننى القول بأن الأغنياء سوف يشعرون بالحسد أيضاً , إذا كانوا فى الموقف نفسه , وكل ما أبغى قوله هنا هو : أنه يجب أخذ الحسد فى الاعتبار كعامل مؤثر فى " النفس البشرية " والحقيقة أن الحسد يظهر الأفراد أو المجموعات بمجرد أن يظهر الحسد ما يقيد و يحد من نشاطات هؤلاء الأفراد أو المجموعات بصورة كبيرة , وعندما يظهر الحسد فى أسوء صوره , فإننا لن نتمكن من التخلص منه أو من الكراهية المصاحبة له , وهناك شىء واحد واضح بشدة لكل فرد فى مجتمعنا ألا وهو أنه لا يجوز أبداً اختبار تلك الميول التى تتصف بالحسد , أو العمل على إثارتها , كما أنه لا يجوز أن نحاول التركيز على أى مظهر من مظاهر الحسد وأو جذب الانتباه نحوه , ورغم أن هذا الأسلوب لا يساعد كثيراً على تحسين الأمور , وعلى أى حال فإن أقل ما يجب أن نطالب به الفرد هو : " ألا يتعمد أن يتباهى بممتلكاته و بتفوقه على الآخرين , لأنه قد يتسبب فى أن يؤذى شعورهم بلا داع " .
إن الأصل الذى تنبع منه هذه الخاصية الشخصية ( الحسد ) يعكس الارتباط الذى لا يفصم بين الفرد و المجتمع , فلا يوجد أى فرد يسنطيع أن يرفع نفسه فوق المجتمع , أو أن يظهر قوته وسيطرته على الآخرين بدوا أن بتسبب – فى الوقت نفسه – فى أن يتعالى السخط والاعتراض من جانب هؤلاء الذين لا يرغبون فى السماح له بمواصلة نجاحاته , وعندما حاولت الدعوة إلى تطبيق المقاييس السابقة , فإنما كنت أحاول أن أمنع الحسد وأن احقق المساواة بين الجميع , ومن المنطقى أن نصل إلى الاستنتاج الذى شعرنا به غريزياً , ألا وهو : : أن هناك قانوناً طبيعياً يساوى بين البشر جميعاً , وأن هذا القانون لا يمكن مخالفته بدون أن ينتج – عن هذه المخالفة – معارضة و خلافات كثيرة " . غن هذا القانون واحد من القوانين الأساسية التى تحكم المجتمع البشرى .
ويمكن التعرف بسهولة على مظاهر الحسد , حتى إنه يمكننا أن نرى هذه الدلائل بوضوح فى ملامحه الجسدية , فنحن نتكلم و نصف الشخص الحسود – فى أمثالنا العامية – بأنه قد تحول إلى اللون الأخضر من كثرة حسده للآخرين وهناك منطق نفسى سليم خلف هذه التعبيرات الشائعة , فإنها تلمح لأن الحسد يؤثر على الدورة الدموية , ومن هذا فإن الجسد البشرى قد عبر عن الحسد عن طريق زيادة فى انقباض محيط الشعيرات الدموية .
حيث إنه يمكننا أن نقضى على الحسد قضاءً تماماً , فإنه يجب عليتا أن نستخدمه لصالحنا , ويتم هذا إذا ما وجهنا هذه الطاقة الضاعة ( الحسد ) فى اتجاه مفيد , وبدون الإخلال بالتوازن النفسى لهذا الفرد , وهذا ينطبق على الفرد و على الجماعات أيضاً , فى حالة القرد فإنه يمكننا أن نقترح عليه أن يختار وظيفة ترفع من احترامه لذاته وثقته بقدراته , وأما فى حالة الجماعات قإننا كثيراً ما نجد – فى حياة الأمم – بلاداً تشعر أنها مهملة و تحسد جيرانها الأكثر تقدماً ورخاء , ويجب علينا أن نساعد هذه الدول على أن تنمى و تطور مواردها المادية و البشرية و أن نساعدهم على أن يحتلوا مكانهم المهم بين دول العالم .
إنه لا يمكن لآى شخص حسود طوال حياته أن يكون عضواً نافعاً فى المجتمع قإن الحسود مهتم فقط بإن يأخذ الأشياء من الاخرين و يحرمهم منها , لنه يشعر بانه – عندما يحرمهم منها – يحط من قدرهم , وفى الوقت نفسه قإنه يميل إلى خلق الأعذار لفشله فى الوصول إلى هذفه عن طريق أن يلقى باللوم على الآخرين , وأمثال هذا الفرد يكون الواحد منهم محارباً لا يمل , ولا يعطى الصداقة أى قيمة , ولا يهتم بأن يسهم فى رخاء الآخرين , وحيث إنه لا يتعاطف مع موقف غيره من الناس فإنه لا يتفهم " الطبيعة البشرية " ولا يتعامل مع البشر بالطريقة السليمة , ورغم أن أفعاله تتسبب فى الكثير من الضرر للآخرين , فإن هذا لا يؤثر فيه على الإطلاق , فإن الحسد يقود صاحبه لأن يتشفى و يبتهج بمصائب الآخرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس