الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين وتفسير ظاهرة الحياة

انور سلطان

2017 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك قولان في تفسير الدين للحياة غير القول الذي يأخذ بالفهم الحرفي للكتب المقدسة.

القول الأول يرى أن الدين نابع من جهل الإنسان ومخاوفة وآماله. ويعتبر أن الجهل سبب رئيسي في اختراع المجتمعات للدين وابتداع الخرافات في محاولة منها لتفسير الظواهر الطبيعية ومنها الحياة. ويرى أن الدين لا يختلف عن أي خرافة سوى أنه خرافة تم تعظيما (تقديسها). والدين على هذا الأساس هو التفكير الخرافي للإنسان القديم الغارق في جهله وخوفه وأمانيه, ولأن ذاك التفسير الخرافي ضروري لاتزانه العقلي والنفسي, فقد تشبث بذلك الفكر الخرافي وعظمه (قدسه). الدين مجموعة خرافات تم تقديسها ومنها خرافة الروح لتفسير الحياة. ولا تختلف الوثنية التي تقول بتعدد الآلهة عن الأديان التي تدعي أنها سماوية والتي تقول بوحدة الإله سوى أن الأخيرة تطوير للأولى, فعوضا عن الآلهة المتعددة الخيرة والشريرة التي تقف خلف الظواهر الطبيعية في اعتقاد الإنسان القديم, قيل بإله واحد, هو روح خالصة, واستعيظ عن الآلهة الخيرة والشريرة بالقول بوجود كائنات روحية خيرة (الملائكة) وكائنات روحية شريرة (الشياطين), وهذه الكائنات فائقة القوة هي خلف الظواهر الطبيعية والكوارث والأمراض (نُسب للشياطين والجن كثير من الأمراض).

ولكن الجهل والحاجة للتفسير كسبب رئيسي لوجود الدين, بشقيه الوثني التعددي والروحي التوحيدي, قد سقط بالتقدم العلمي. باستطاعة العلم تفسير الظواهر الطبيعية وتفسير نشوء الحياة. وعدم اكتشاف كيفية نشوء الحياة وألاصل الأول لها حتى الآن (خصوصا بعد تفسير كثير من الظواهر الطبيعية تفسيرا علميا أسقط التفاسير الخرافية القديمة) لا يعطي الإجابات الخرافية الجاهزة التي تقدمها الأديان أية قيمة علمية, بما فيها القول أن الحياة خاصية لجوهر لا مادي (روح), يحل في الجسم المادي ويكسبه الحياة. كلها خرافات قال بها الإنسان القديم العاجز عن التفسير العلمي. ستظل خرافات لأنها كانت وما تزال البديل للتفسير العلمي. إنها تفسير الإنسان البدائي الساذج الذي لا يمكن إثباته علميا. وكل تفسير لظاهرة طبيعية غير قابل للإثبات العلمي ليس إلا محض خرافة, لا يختلف عن التفسير الخرافي للرعد والبرق والخسوف والكسوف والأمراض النفسية والجسدية..الخ.

ويُقال نفس الشئ مع تفسير العقل بأنه خاصية لنفس الجوهر اللامادي الذي يحل في الحيوان عموما أو في الإنسان على وجه الخصوص.


القول الثاني, الذي يحاول التوفيق بين الدين والعلم, يرى أن الله قد أنشأ الكون بقوانينه التي تفسر الظواهر الكونية جميعا بما فيها الحياة والعقل. وهذا يعني أن الله خلق الحياة بطريقة غير مباشرة عندما أوجد كونا يمكن أن تظهر فيه الحياة وفق شروط معينة. ولهذا فتفسير الحياة لا يحتاج أن ننسبها إلى أمر مباشر من الله فوق قوانين المادة, اي لا يحتاج أن ننسبها إلى معجزة, مما يعطل البحث العلمي والتفسير العلمي والتقدم العلمي ومن ثم يعطل التطور الحضاري, بل يحتاج إلى بحث علمي عن سببها المادي. واعتماد هذا القول يحتم تفسير الكتب المقدسة تفسيرا مجازيا. ويمكن تفسير الروح, وفق هذه النظرة, على أنها "سر الحياة", وهذا السر قابل للإكتشاف, وليس شيئا خارج عن المادة وقوانينها, ذلك أن الحياة مظهر من مظاهر المادة.


لقد فسرت نظرية دارون تشعب الحياة وتطورها. ومهة العلم الكبرى اليوم هي اكتشاف نشوء الحياة والأصل الأول لها.


الحياة ظاهرة مادية:ــــــــ

إن الإختلاف النوعي بين العناصر سببه اختلاف كمي محض في المكونات الأساسية للذرة. وبعتبير آخر, الاختلاف في كمية المادة الأساسية يؤدي إلى اختلاف نوعي. واتحاد (ترابط) العناصر ينتج عنه مركب جديد (جوهر جديد) بخائص مختلفة تماما عن خصائص عناصره الأساسية. أي أن اختلاف خصائص المواد ناتج عن اختلاف في "كم" المكونات الأساسية, وعن اتحاد تلك المواد.


وظاهرة الحياة ليست إلا خاصية للمادة المتحدة (المركبة) بكيفية معينة.


لماذا يُستبعد أن موادا معينة عندما تتركب بكيفية معينة وكمية محددة تظهر فيها خصائص الحياة؟


ولماذا يُستبعد أن العقل نشاط للدماغ؟ والدماغ ليس إلا مادة حية معقدة التركيب. والمادة الحية تكتسب خصائص الحياة من تركيبها لا من شئ خارج عنها.


لماذا يُستبعد أن التركيب الكيميائي يؤدي إلى إختلاف خصائص الجواهر المركبة إلى درجة ظهور خاصية الحياة, وظهور خاصية الحياة في المادة يؤدي إلى ظهور العقل؟ إن النشاط العقلي, بمختلف مظاهرة, هو نشاط الدماغ, والدماغ مادة حية. والإنسان مختزل في دماغه. وبإمكان الإنسان أن يفقد أعضاء أو يستبدل بعضها دون التأثير على كينونته كإنسان وعلى شعوره بذاته كإنسان. ولا يمكن القول أن هناك ذات لا مادية حالة في الدماغ, لإنه لا يوجد شعور بالذات بدون الدماغ. الدماغ يشعر بذاته كإنسان (ماهية متفردة), وهذه أحد خصائص الدماغ كمادة حية شديدة التعقيد. أو بتعبير آخر, شعور الإنسان بذاته هو نشاط دماغي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك