الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً شارع النهر

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2017 / 5 / 30
المجتمع المدني


وداعاً شارع النهر
شارع النهر... هو الطريق الذي يمتد من المدرسه المستنصريه حتى جسر الأحرار والذي تصر أمانة بغداد على تسميته شارع المستنصر تيمناً بالخليفه العباسي المستنصر بالله، أما الناس فمصممه على تسميته شارع النهر، بأواسط الثمانينات أصبحت تسميته بسوق أصح منه لشارع بعد أن تم غلقه أمام السيارات وأعماره ليكون سنتر ومعلم مميز لبغداد كحال سوق الصفافير والسراي والمتنبي وغيرها. وقد حافظ شارع النهر على زبائنه ورواده ونوعية بضاعته ومشهد المتبضعين الأجانب الذي أمتاز به عن بقية الأسواق، ثم أصبح بالتسعينات أقل بريقاً بسبب الحصار وأنكماش عدد السياح من جهة وبسبب منافسات شرسة من أسواق رئيسية كالمنصور والكرادة والكاظمية وأسواق ثانوية كالبياع والأعظمية والشعب وفلسطين وغيرها، هذه الأسواق البديلة هي التي أصبحت تسهر الليالي بمطاعمها ومقاهيها التي خلا منها الشارع.
في جميع المدن الكبيرة، تختص بعض الأسواق بالترويج لبضاعة معينة، فسوق للقماش وآخر للتحف والأنتيك وغيره للكهربائيات والمنزلية وطبعاً للذهب، وهو ما ميز شارع النهركسوق رئيسي للذهب بالعراق، ترى ماهو وضعه اليوم؟
سيكون كلامنا عما تغير بالسوق وقوانينه حول مهنة الصياغة وما أصابها بحيث لم تعد تحتفظ أو تتمسك بقوانينها التي حكمتها عشرات سنين. في بداية 2003 ، أي قبل الغزو الأمريكي بأسابيع كانت رائحة الحرب تهب على العراق حيث أكملت شركة برازيلية فتح ثغرات بالساتر العملاق الذي أنشأه الأشقاء الكويتيون على الحدود، وفي الوقت الذي أكملت ألة الحرب الاميركية أستعداداتها العسكرية الضخمه هناك، كان العراقيون بالجهة المقابلة قد أنهوا صبغ (الحديد السكراب) من مخلفات الحروب السابقة (كأسلحة فتاكة) لتخويف الأعداء.
جميع صاغة شارع النهر لم يتفاجئون ببيان بوش الأبن قبل الهجوم بيومين، كل على حدة لملم (الحلال) وأخفاه بطريقته، وقد أعجبتني طريقة أحدهم حين وضعه بقاصه صغيرة وخيطها بيده لحيم (ولدنك) وحفر بالحديقه ولحمها بشيش البتلو على وجهها ثم دفنها، قال على من يبغي سرقتها يحتاج لآلة لحيم ومولدة عملاقة وساعات من العمل المضني وضح النهار، عندها والكلام له... (بالعافيه عليه) وأضاف... (هاي إذا كنا طيبين)! الجميع ترك القاصات مفتوحه تجنبآ من تفجيرها لو حصل أجتياح كما في أيام الغوغاء عام 1991 بالجنوب.
بعد الغزو وسقوط النظام وهروب وأختفاء رجاله وتدمير بقايا آلته الصدءة، أستخدمت بعض أموال العراق المحجوزه بالبنوك الأمريكية كعقود أعمار (ترقيع) ورواتب بالدولار. وفي الوقت الذي تمتع البلد بأمان نسبي أول الامر عندما أنشغل الاميركان بتهيئة قواعد ليشغلها جيشهم وأنشغال الأحزاب والميليشيات والقوى الأخرى وهي كثيرة بتثبيت موطأ قدم بمناطق نفوذها، كان العراقيون العامة قد شغلهم هوس المسواك وتجديد وأعمار بيوتهم وأثاثهم، فأستورد البلد كل شيء من الابره للسيارة، جديداً كان أم مستعملاً، من بينها شراء الذهب.
وهكذا صارت حالة غير مسبوقة بتعويض ما خسرته العائلة العراقية أيام الحصار، وكان الطلب على الذهب شيء غير مسبوق بتاريخ السوق، وصار الطلب أكثر من العرض وراح التجار يستوردون دون قيود من الامارات وتركيا وشرق آسيا، حتى الذهب الكسر الأردني كان يباع كجديد بعد جليه لتنطبق القاعده (كل مصيوغ مبيوع)، وفتح بكل شارع وبكل دربونه صائغ، حتى أبو الغاز وأبو الفلافل فتح له ولأقرباءه محل، صار الزبون يتوسل لكي يشتري بأسرع ما يمكن وبأي سعر وأية أجور، حتى أن الفاترينة (أم ربع كيلو) غدى فيها أربعة كيلوات أو أكثر وصار صاحبها يمشي بشارع النهر والدولارات بجيبه... ( دفاتر)!
الغريب أنه بدأت تظهر قواعد جديده لم نألفها بحسابات السوق وأستبدلت طرق حساب ومقايضة الذهب بين التجار وألغيت الفرقية وأجور القطعة وصار يحسب بالغرام وطبقت قواعد السوق بأسطنبول ودبي، ولم يصمد (العرف) التجاري الذي توارثناه (للأسف الشديد)، وأوجد التجار الجدد أساليب جديده حتى عند تحويل الورق (الدولار) الى ذهب أو بالعكس، وأحاط بمحلات البيع وتجار الجملة الحمايات.
لم يكن بمستطع بقيتنا الباقيه المحافظه على ما توارثناه من أباءنا من أصول المهنة، وصار عددهم يزداد وعددنا يقل وأصبح هذا الأمر الجديد واقعاً. وهكذا راحت مغازاته الجميله (الافراح وبوتيك شفيق والمقص الذهبي وعالم الاطفال...) وأحتلت الأكشاك العشوائية كافة المساحات المتاحة، وأغلقت مطاعمه المميزه (الشموع الذهبيه والخلخال...) وفتحت عربات الأكل المتجولة، حتى سافراته بنات العوائل اللواتي كان يسمى الشارع بأسمهن (شارع البنات) لم يعد لهن أثراً...
برحيل أهله وهجرهم (مكرهين) وبغياب متبضعيه وأختفاء معالمه، لفظ للأسف الشديد الشارع الذي كان أسمه (شارع النهر) أنفاسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× تعد المنطقة المحددة بين شارع محمد القاسم السريع ونهر دجلة بغداد القديمة ويعود تاريخها للعهد العباسي حيث كانت مدورة لها أربعة أبواب ويمكننا العودة لمزيد من المصادر للأطلاع على التفاصيل، وللأسف الشديد لم يبقَ شاخصاً سوى بعض المباني حيث أتى الأهمال وسوء الصيانة وشق الطرق الجديدة على أهم وأثمن شواخصها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا


.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة




.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني