الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبث بالدِّين و التلاعب بالفتوى

محمد كمال

2017 / 6 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العبث بالدِّين و التلاعب بالفتوى
خلال رحلتي في قراءة كتاب "العودة الى الصفر: إيران، تركيا و مستقبل أمريكا" للمؤلف الامريكي ستيفن كينزر ، إستوقفتني ، دون دهشة و لا استعجاب، فقرة تستذكر من تبعات إنهيار الامبراطورية العثمانية و وقوعها تحت مخالب الاستعمار البريطاني، كيف أن البريطانيين ، في صراعهم الميئوس ضد الزعيم التركي مصطفى كمال اتاتورك، "عملوا على أن يصدر كبير رجال الدين العثمانيين ، شيخ الإسلام، فتوى تدين الزعماء الوطنيين بأنهم كفار و تشجع المؤمنين الحقيقيين على قتلهم" ... نعم ، بريطانيا الاستعمارية ذات المكانة الدولية العظمى و الديمقراطية العريقة الكبرى و في لحظة يأسها من صد الضباط الأتراك الأحرار ضد أطماعها في التوسع و نهب مقدرات تركيا لا تردعها ، لا القيم الأخلاقية و لا المبادئ الانسانية ، من أن تعبث بالدِّين و تُسَخِّرَ و تَسْخَرَ من رجال الدين و تتلاعب بالفتوى و الإجتهاد و القضاء.
مالذي جعل بريطانيا الديمقراطية العظمى أن تكشر عن أنياب الشياطين فيها؟ حتماً إذا عرف السبب بطل العجب ... فبعدما إنهارت الامبراطورية العثمانية، و أجبرت على الإنكفاء إلى حدود أدنى من حدودها ، في لحظة إحتظارها بعد مرض الفساد المزمن، أصبح مصيرها بيد أعدائها ، و بريطانيا العظمى كانت سيدة الأعداء، فوضعوا تركيا على مشرحة إتفاقية سيفر التي تقطع تركيا إلى ثمان قطع تتوزع بين ارمينيا و إيطاليا و بريطانيا و فرنسا و اقليم تركي محتمل و اليونان و منطقة منزوعة السلاح تحت وصاية دولية ، و لم يتبقى لتركيا سوى جزء لا يعدو ربع مساحة تركيا اليوم تطل على البحر الأسود و لكنها محرومة من المياه الدولية في البحر المتوسط... تصدى أبو الأتراك الزعيم الكبير مصطفى كمال أتاتورك لهذه المؤامرة الدنيئة ، و شكل جيشاً من الضباط و المحاربين الغيورين على الذود عن كرامة تركيا و عن حقوقها الطبيعية على كامل أرضها؛ كانت بريطانيا العظمى و الكبرى مطمئنة و بغطرسة المنتصر أنها سوف تسحق جيش التحرير التركي بضربة خاطفة أبرق من البرق ، و لكن عبقرية كمال أتاتورك العسكرية و تفاني الضباط و المحاربون الأتراك الشجعان أفشلوا محاولات بريطانيا و حلفائها المتربصين بتركيا ، فكانت المعركة الفاصلة في غاليبولي على بحر البسفور و الهزيمة الساحقة ضد الجيش البريطاني و تحطم بوارجها الحربية مع خسائر بشرية كبيرة ، من ألوف القتلى و أضعافهم من الجرحى، أحرجت وينستون تشرشل و أفقدته صوابه و فقد منصبه ، منصب أمير البحرية البريطانية ، و إنكفأت عنصرية بريطانيا و غطرستها الاستعمارية إلى داخل ذاتها فخلعت رداء الأخلاق عنها و ألقت بقبعة الإنسانية تحت أقدامها ، و تجرأت جرأة الشياطين للعبث بالدِّين و الاستهزاء برجال الدين و التلاعب بالفتوى و الاجتهاد و القضاء ، من أجل نهب الموارد و قهر أصحاب تلك الموارد، فاللص الدولي يبيح لنفسه ما هو محرم على جموع البشر، فهو محصن ضد قيم الأخلاق و ضد مبادئ الإنسانية... و هو معصوم عصمة الشر من الخَيْرِ ...
إن التلاعب و العبث و تسخير معتقدات الشعوب المقدسة و ثقافاتهم العريقة هي من قيم الدول الاستعمارية الكبرى التي كانت و مازالت تنهب مقدرات الشعوب مستخدمة كل الأدوات و على رأسها أدوات الدين و منابر الدين و ضعاف النفوس من رجالات الدين في أقبية المعابد و الغرف المغلقة للاستلام و التسليم، إستلام الأوامر من السيد المستعمر و تسليم فتاوى التكفير ضد حماة الشعوب ، و بعد بث الفتاوى و شرعنتها و تفعيل المؤامرات من ثناياها يتم إستلام الأثمان، و هكذا تكون ديمومة المستعمر في المستعمرات...
إن هذا الامر الآمر الملزم البريطاني لشيخ الاسلام في تركيا العثمانية المتهاوية لاصدار فتوى تحرض على تكفير المناضلين الأتراك و قتلهم ، ينقلنا من تبعات الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا حيث نعيش عصر تفجر فتاوى التكفير و القتل و النحر، فتاوى تتوالى كالنار في الهشيم ، و كأني بذاك الأمر البريطاني مازال يبث سمومه في الافتاء و القضاء الى يومنا هذا ، و قد سارت دول كبرى أخرى على ذاك المنوال من إستثمار الفتوى لتحقيق مصالح الدول الكبرى؛ و ما كان لهذه النار من الفتاوى أن تحرقنا لولا الحواضن التي تتمصلح منها و تستحسنها في عقر دورنا؛ فالعيب و الجرم منا و فينا و علينا... فشيعتنا و سنتنا و على الهامش خوارجنا تتصادم إعلامياً على هوى فتاوى الرفض و التكفير و استباحة القتل ، و قد تطور الأمر من مجرد التحريض الى تشكيل جيوش مذهبية تخوض حروباً مذهبية، تحرق الأخضر و اليابس ، و تهجر الناس من أوطانها بالملايين، و تبيد الناس كما تُباد الحشرات، و تفكك دولاً ، و تستنهض أقليات مهضومة الحقوق للانتقام و تقاسم الكعكة... فوضى يندى جبين التاريخ منها ... لا ناقة لشعوبنا فيها و لا جمل... و الحبل على الغارب ... و شعوبنا تإنُّ و تستغيث و ليس من معين و لا مغيث ... و الجيوش المذهبية و المتمذهبة لاهية في حروبها العبثية إطاعة لسادة الفتاوى ...
و مازالت الحكمة ممدودة على سرير في غرفة الإنعاش...

محمد كمال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah