الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(العودُ الأبدي - إرادةُ القوّة ) قراءة في البُعد الأخلاقي لفلسفة نيتشه

عادل عبدالله

2017 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(العود الأبدي، إرادة القوة) قراءة في البعد الأخلاقي لفلسفة نيتشه
تشكل فكرة العود الأبدي، محور القسم الثالث، من كتاب نيتشه "هكذا تكلم
زرادشت" وموضوعه الحقيقي.) )1 وربما يكون المغزى الأخلاقي لهذه النظرية، هو
الأكثر أهمية بالنسبة لمفكر أخلاقي كنيتشه، ومن اجل أن نفهم هذا المغزى يتوجب
الرجوع إلى الأصل الذي وجدت فيه، وعلى النحو التالي:
يعبّر نيتشه في مقطع شعري- رمزي من هكذا تكلم زرادشت عن مضمون هذه
النظرية، وهي تشتبك وتتداخل مع نظريته في )إرادة القوة(، من اجل توضيح
المعنى الأخلاقي الذي يمكن استنتاجه من اتحاد النظريتين، يقول نيتشه:
"شاهدت أمامي، راعيا فتيا ينتفض محتضرا وقد ارتسم الروع على وجهه،
وتدلّت من فمه أفعى حالكة السواد، لعلّ هذا الراعي، كان يغط في رقاده عندما
انسلت الأفعى إلى حلقه وانشبكت فيه.... وبدأت اسحب الأفعى بيدي، ولكنني شددت
عبثا، فسمعت في داخلي صوتاً يهيب بالراعي، قائلا عض عليها بأسنانك، ولا تني
حتى تقطع رأسها.. على أن الراعي بدأ يشدّ بأسنان منفذا ما أمرت به، وما لبث أن
تفل دافعا برأس الأفعى إلى بعيد، ثم انتفض ووقف على قدميه، وتبدلت هيئة الراعي
– فلم يعد راعيا حتى ولا أنسانا، إذ جلله الإشعاع وضحك ضحكة ما سمعت حياتي
مثلها.
لقد سمعت يا إخواني ضحكة ليس من عالم الإنسان ولم أزل منذ ذلك الحين،
احترق بشهوة لا احد ما يطفئها.
إن شهوة هذه الضحكة، تنهش أحشائي، فكيف ارضي الموت بعد الآن.") )2
جدير بالذكر، أن نيتشه يطرح في متن الحكاية هذه مجموعة أسئلة لقارئه، نصها:
"أي هذه الرموز يدل على ما فات، أيها يدل على ما هو آتٍ؟. من هو الراعي الذي
اندست الأفعى في فمه – ومن هو الإنسان الذي سيصاب بمثل هذه الداهية
الدهماء؟.) )3
إن شرحا لمضمون هذه النظرية، من خلال كونها حكاية رمزية، ممكن وواضح،
ويمكن إيجازه على النحو الآتي:
إن الراعي الذي كان يغط في نومه، هو الإنسان الغافل عن حقيقة علاقته بفكرة
)العود الأبدي( وان الأفعى، هي رمز هذه الفكرة نفسها، الفكرة "التي تملأ فم
الإنسان قرفاً وتخنقه") )4
أما سبب القرف هذا، فهو "إن كان كل شيء يعود، فكل سمو الإنسان باطل،
والدرب الوعر الذي يؤدي إلى الإنسان المجاوز عبث مجنون.
إن الإنسان الصغير النفس والتعيس يعود هو الآخر إذ ذاك وكل جرأة تصبح
باطلة، وفكرة العودة الأزلية تناقض الآن إرادة القوة والانتصار على الذات.") )5
ويمكن أن نعد هذه النقطة إجابة أولية عن السؤال الأول لنيتشه، حول "أي هذه
الرموز يدل على ما فات وأيها يدل على ما هو آتٍ " بمعنى أن هذه الحادثة التي تقع
الآن أو وقعت في الماضي، فإنها ستعود بحسب نظرية العود الأبدي، بذات
تفاصيلها، لتحدث مرة ثانية، وهذا هو سبب القرف، والجانب السلبي من نظرية
العود الأبدي، الجانب الذي يصور استجابة الإنسان الضعيف لصيرورة الحياة
الثانية، الإنسان الذي يعجز عن مواجهة قدره وصنع خياره بنفسه وبإرادة القوة لديه.
ثمة رمز آخر بالغ الدلالة، يعرضه النص نفسه، يتمثل بفشل زرادشت في عملية
إخراج الأفعى وسحبها من فم الراعي، كإشارة مهمة، إلى أن الإنسان وحده هو الذي
يصنع قدره وإرادة اقتداره بيديه، وليس بوسع إنسان آخر إن ينوب عنه في عملية
صنعه لقدره.
غير أن )زارا( سمع من داخله "صوتا يهيب بالراعي، قائلا عض عليها بأسنانك،
ولا تني حتى تقطع رأسها".
وفي هذه العبارة رمز إلى، أن مهمة زرادشت تتلخص فقط، في كونه داعية
لفكرة العود الأبدي، أو معلما لها حسب، على حد تعبير نيتشه، "أنا معلم العود
الأبدي".) )6
وهكذا يتلقى الراعي تعليم إنقاذه لنفسه وخلاصه، من معلمه زرادشت، فيبدأ بشدّ
أسنانه منفذا ما أشار به عليه معلمه، فما لبث أن تفل دافعا برأس الأفعى إلى بعيد ثم
انتفض ووقف على قدميه، وهذا هو نوع خلاصه الذي يمثل الموقف الحالي حسب.
أما قول نيتشه، "وتبدلت هيئة الراعي فلم يعد راعيا، حتى، ولا أنسانا، إذ جللّه
الإشعاع وضحك ضحكة ما سمعت حياتي مثلها". فهي إشارة إلى نجاحه في انجاز
مصيره في الخلاص بيديه، مصير الانتصار على الموقف الحياتي الصعب، الموقف
الذي سيعود لملاقاته في دورة حياتية قادمة بحسب ما تفترضه نظرية العود الأبدي.
وهذا هو معنى سماع )زرادشت( لضحكة "ليست من عالم الإنسان" إنما هي من
عالم الأبدية من عالم الصيرورة التي ستعود بالراعي إلى هذا الموقف نفسه، لكنها
عودة تحمل انتصاره على الأفعى معها، بعد أن تم له، عبر إرادة الاقتدار، صنع
خياره وقدره الخاص بيديه.
ويمكن لنا أن نرى تفصيلا )فلسفي الطابع( يقدمه اويغن فنك، لنفس هذا الشرح
الذي عرضناه للمعنى الرمزي لها، يقول فنك: إن فكرة العودة الأزلية تتضمن
مظهرين نوعا ما، إذ يمكن النظر إليها، إما من وجهة نظر الماضي، على وجه
الخصوص، وإما من وجهة نظر المستقبل على وجه الخصوص، فإذا لم يكن كل
حدث سوى إعادة لحدث ماض، فان المستقبل محدد هو الآخر بالتأكيد، ولا يعدو
كونه إعادة لما سبق، فالمستقبل يتبع دربا لا يتحول، وقد حدد سلفا، وكل عمل، وكل
شجاعة، ضرب من العبث والبطلان، لان كل شيء قد سبق وقرر") )7
ومعنى هذا: "إن كل شيء باق رهن الانجاز، ومثلما نحزم أمورنا الآن، سوف
نحزم بالضرورة أمورنا على الدوام مرة ثانية في المستقبل، إن لكل لحظة دلالة
تجاوز الحياة الفردية وإنها لا تقصر دفعتها على المستقبل الذي يمكن الاحاطة به
بالنظر بل تشمل ايضا ما سوف يأتي من كل اعادة آتية") )8
ويمكن أن يتوضح هذا المعنى على نحو أكثر في قول فنك "ومثلما يقرر الوجود
الأرضي في المفهوم المسيحي، مصير النفس في العالم الآخر، كذلك يتحكم القرار
الأرضي الذي اتخذ في اللحظة، بسائر أنواع إعادات الوجود الأرضي الواقع خلف
حدود النظر، وغالبا ما يعمل نيتشه، بفكرة، أن اللحظة حاسمة فيما يتصل بالأبدية،
وان قوة ثقل جديدة، قد منحت للوجود الإنساني من جراء عقيدة العودة الأزلية".) )9
ومن هنا يأتي التوافق بين فكرتي العودة الأزلية، وإرادة القوة، بوصف الأخيرة
هي الجانب الايجابي الذي يرفع عن سلبية الوجود في الفكرة الأولى.
يقول دولوز، مصورا وحدة نظريتي العودة الأبدي وإرادة القوة، الوحدة التي
يعدّها مبدأ للتفريق بين نوع العود الأبدي الذي يقول به نيتشه من جهة، والنوع الذي
قال به اليونانيون: "لماذا يعلّم نيتشه العارف باليونانيين، إن العود الأبدي هو من
اختراعه، وانه الاعتقاد الذي في غير زمنه أو اعتقاد المستقبل؟ لأن عود)ه(
الأبدي، ليس قطّ عودة ال)عينه( المتشابه المتساوي") ) 10أي النوع الذي يقول به
اليونانيون، إنما هو نوع "اشتدادي بشكل محض، أي: يقال عن الاختلاف، هذا هو
الربط الأساسي للعود الأبدي وإرادة القدرة، لا يمكن أن يقال الواحد، إلا عن
الآخر.) )11
( 1) . فنك، اويغن: فلسفة نيتشه، ص 103
(2 ) . - نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ص 185- 186
( 3 ) . المصدر نفسه: ص 186
( 4) . فنك، اويغن: فلسفة نيتشه، ص 102
( 5 ) . - المصدر نفسه: ص 102-103
( 6 ) . نيتشه: غسق الأوثان، ص 179
( 7 ) . فنك، اويغن: فلسفة نيتشه، ص 103
( 8 ) . المصدر نفسه : ص 103
( 9 ) . المصدر نفسه: ص 103
( 10 ) . - دولوز، جيل: التكرار والاختلاف: ص 454
(11 ) . المصدر نفسه: ص 455








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هاريس ُتحرج ترامب بنشر تقرير محدث عن قدراتها العقلية والنفسي


.. حدث فلكي نادر.. مذنب يعود بعد 80 ألف عام




.. من يحرّك قوات اليونيفل في لبنان؟


.. لماذا انتفضت دول أوروبية في وجه إسرائيل بعد قصفها اليونيفيل؟




.. مراسل الجزيرة: الطائرات المسيرة الإسرائيلية تطلق النار على