الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متعلمون ولكن!!

عبدو أبو يامن

2006 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قال الإمام علي كرم الله وجهه:
(لاتظنن بكلمة خرجت من أحد سوءا وأت تجد لها في الخير محتملا)).
((هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)). الرسول عليه السلام.
علتنا الأزلية لم تزل تعيش بيننا، بل إنها تفخمت وتضخمت واستحالت سرطانا فاتكا يعبث بتاريخنا وأمجادنا ومنجزاتنا الحضارية التي ضحت في سبيلها أجيال وأجيال، بأرواحها وأوقاتها وراحاتها.
كل تلك المنجزات قضت عليها هذه العلة التي تتمثل في مظهرين كلاهما مرتبط بالآخر سببا ونتيجة:
الأول: سوء الظن بالآخر. والثاني: خنق رأيه، وإسكات صوته.
فسوء الظن بالآخر سبب في خنق رأيه..
ولو أنا تقهقرنا إلى الوراء نطوي دروب التاريخ محاولين الوصول إلى فترة أسقط عليها التاريخ أضواءه وحاول كشف معالمها، ودراسة أحوالها، (وأعني فترة العصر الجاهلي) تلك الفترة التي أعتدنا أن نؤرخ لبدايتنا كأمة عربية بها، لوجدنا أن هذه العلة مستفحلة في هذا العصر، بل تكاد تكون علامة فارقة يعرف بها.. إذ نجدها متجسدة في شتى ألوان الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.
فكل شيخ قبيلة حاكم بأمره، بيده الأمر والنهي، والحل والربط.. والمرأة لاصوت لها ولا رأي. والعبد ليس له صوت يتكلم، وإذا فعل فلا قيمة لما يقول. وصغار الناس في القبيلة أيضا ليس لهم شأن يذكر حتى يصبحوا كبارا في السن أو المكانة.
هذا بالنسبة للقبيلة الواحدة. أما يتعلق بعلاقة القبائل ببعضها البعض فهي علاقة تناحرية تصادمية لا يمكن أن يثق أحدهما في الآخر ولو كانوا أبناء عمومة، ولا يمكن أن يستمع أحدهما للآخر، وإنما هي الفردية الاستبدادية ، والفردية فقط. الفردية تعني سوء الظن بالآخر ، وتعني أيضا الواحد الذي لا شريك له.
ومن هنا لم يكن ثمة سبيل إلى وحدة، ولم يكن ثمة أمل في قوة، ولم يكن ثمة حلم في تطور.. إذن ليس هناك جبهة حضارية تقدمية تستطيع مواجهة تينك الحضارتين اللتين كانتا مسيطرتين على العالم، حضارة الفرس وحضارة الروم..فعاش العرب في جزيرتهم أذلاء منطوين على أنفسهم، بأسهم بينهم شديد، عدوهم آمن من جانبهم، بل لعله طامع في جزيرتهم ولكنها استطاعت بطبيعتها وظروفها ومناخها صده عما يروم وحمايتهم من حيث لا يشعرون.
هذه الفردية، وهذا الظن السيئ بالآخر عاش قويا حتى جاء الإسلام ونزل القرآن الذي يقول:
((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم))
وحتى جاء من الخلفاء علي بن أبي طالب-ممن ابتلوا في حياتهم بغمرة الفتن، وتكاثر الأعداء، وتلون الأصدقاء، فيقول: ((لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوء وأنت تجد لها في الخير محتملا)).
وحتى جاء أعظم موحد للأمة وبان للحضارة الإسلامية العربية محمد عليه السلام، فيسمع بذلك الرجل من الصحابة الذي قتل عدوا في غزوة من الغزوات، فيلومه ويعاتبه ويقول له: هلا شققت عن قلبه. لأنه عندما هم بقتله تدارك الرجل حياته ونطق بالشهادة، فظن الصحابي أنه قالها تخلصا من الموت.
ويجئ ماعز إلى الرسول الكريم الرحيم ويعترف بأنه اقترف فاحشة الزنا ويقر على نفسه أربع مرات، كل ذلك والرسول يصرفه عنه ويرده في كل مرة، ويشك في صحة عقله ويظنه سكرانا، فيستنكه رائحة فمه، ويحتمل له عدة احتمالات ويوسع له في الأمر.. كل ذلك وماعز يصر ويريد أن يطهر نفسه، فيأمر به فيرجم وعندما تذلقه الحجارة يفرق من جحيمها فيلحقون به وينفذون فيه شرع الله، وعندما يبلغ الرسول الرحيم خبر هروبه يقول لهم: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه!!
فأي سعة أفق هذه، وأي رحمة، وأي عطف، وأي حسن ظن؟! يقول لهم هلا تركتموه وهو الرجل المقر بالذنب والمعترف به!! فما بالنا نتهم عباد الله ونطعن في دينهم وعقيدتهم ونياتهم؟ هل شققنا عن قلوبهم، هلا احتملنا لآرائهم محتمل خير؟!
وكان من قيم الإسلام السمحة التي غرسها في نفوس النفر الأولين من أبنائه بالإضافة إلى حسن الظن بالآخر والإنصات لرأيه، قيمة الشورى ((وأمرهم شورى بينهم)). وإن كان هذا موضوعا آخر لسنا بصدده.
فلن تتقدم الأمة قيد أمله حتى تحسن الاستماع لبعضها بعضا، ولن تأخذ في طريق الحضارة حتى نقدر الإنسان ونعرف له حقوقه ومنها :حق الكلام وإبداء الرأي المخالف، وعند ذلك فقط نظفر بالرأي الصواب من جملة الآراء المطروحة بعد أن تتلاقح وتتفاعل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك