الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلحة العولمة في المواجهة الإسلامية- الدنمركية

باتر محمد علي وردم

2006 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمثل المواجهة الحالية بين المجتمعات الإسلامية، ومن وراءها حكوماتها وما بين بعض التيارات المتعصبة في الدنمرك وأوروبا ومن وراءها بعض حكوماتها أيضا، تمثل حالة دراسية نموذجية لاستثمار أسلحة وأدوات العولمة الاتصالية والاقتصادية في مواجهات ثقافية ودينية واسعة، وينبغي لنا في العالم العربي والإسلامي أن نقوم بتحليل منطقي لتطورات هذه المواجهة لنعرف أين نجحنا وأين اخطأنا.

الحملة الإسلامية جاءت فريدة من نوعها لأن المجتمع الإسلامي، بأفراده ووسائل إعلامه المستقلة ومؤسساته المدنية والقطاع الخاص سبق الحكومات في رد الفعل
واضطرت الحكومات بعد ذلك إلى التدخل من خلال استدعاء السفراء الدنمركيين، وكان من الطريف أن نتابع اجتماعات ولقاءات بين وزراء خارجية عرب وسفراء دنمركيين تعبر عن الأسى والندم علما بأن كلا الطرفين لا يملكان دورا مؤثرا في هذا الصراع. من الواضح أن وسائل العولمة الاتصالية قد همشت من دور الحكومات وأن المواجهة أصبحت واضحة بين المجتمعات، وهذا ما أدى إلى كثير من التطرف في ردود الأفعال.

بالنسبة إلينا في العالم الإسلامي، كانت هذه تجربة فريدة في جمع وتنسيق جهود المسلمين نحو هدف واحد وبطريقة حضارية، فالتنسيق الذي كان يتم عبر الإنترنت ووسائل الاتصال المختلفة ما بين إندونيسيا والسعودية والمغرب والمجتمعات العربية والإسلامية في أوروبا ساهم في جمع هذه القوى المختلفة بطريقة غير مألوفة سابقا، وأثبت حيوية المجتمع الإسلامي في الاستفادة الايجابية من العولمة لخدمة مصالحه وقيمه الحضارية والثقافية.

أن توجيه الحملة الإسلامية ضد الصحيفة المسيئة مطلوب وواجب، وتوجيهها ضد الحكومة الدنمركية التي تعاملت ببلادة مع الموضوع هو إجراء سياسي سليم، والتوجه نحو مقاطعة البضائع الدنمركية هو تعبير حضاري عن الغضب ويستحق التشجيع، ولكن تحويل المسألة إلى صراع إسلامي-دنمركي من خلال حرق الأعلام الدنمركية والدوس عليها وتوجيه الشتائم لكل الشعب الدنمركي والأوروبي هو خطأ حقيقي لا بد من تصحيحه سريعا. هناك فئات كثيرة في الشعب الدنمركي ضد هذه الرسومات ولا تسمح بانتهاك حرمة الأديان، ولكن عندما يتم حرق العلم الدنمركي فإن ذلك يشكل إساءة لمشاعر شعب لم نر منه أي سوء حتى الآن، ولا يجب أن يحاكم نتيجة غباء وتعصب صحيفة واحدة.

وأعتقد أنه من المفيد ذكر بعض الحقائق في هذا السياق. الصحيفة الدنمركية ييلاند بوستن هي الأكثر توزيعا في الدنمرك حيث يصل توزيعها إلى 150 ألف نسخة، وهي تاريخيا صحيفة اليمين الدنمركي، ومن المعروف عنها بأنها كانت في الثلاثينات من القرن الماضي تدعم الأفكار النازية والفاشستية. وقد بقيت هذه الصحيفة ناطقة بلسان حزب اليمين الحاكم في الدنمرك حتى العام 1983 عندما أصبحت مستقلة إداريا وماليا ولكنها اصبحت أكثر تعصبا في فكرها اليميني العنصري.
في الثلاثين من أيلول الماضي نشرت الصحيفة 12 رسما للنبي محمد بعد أن كان رئيس تحرير الصحيفة فليمنغ روز قد طلب من 40 رساما دنمركيا "العمل على رسم النبي كما يتصورونه رمزا للإسلام". وكانت الرسومات الإثنتي عشرة مسيئة بكل معنى الكلمة، وإحداها تظهر الرسول وهو يرتدى عمامة على شكل قنبلة. وهنا يكمن أحد أهم أسباب المشكلة، فلم تكن هناك أية رسمة تعطي صورة إيجابية للإسلام، وهذا يؤكد أن الحملة كانت موجهة مسبقا نحو السلبية والإساءة.
هذه الرسومات أثارت حملة من النقاش حتى في داخل الدنمرك، وفي النرويج بعد أن أعادت صحيفة يمينية نرويجية نشرها بعد الحصول على تصريح من ييلاند بوستن، وكانت هناك الكثير من الآراء التي عبرت عن رفض المجتمع الدنمركي ومؤسساته غير اليمينية لهذا الإجراء، ولكن وسط صمت وتلكؤ من الحكومة اليمينية التي لم تظهر أي رد فعل وكأنها قد وافقت ضمنا على الإساءة.
ولهذا فإن الحملة الإسلامية ضد الصحيفة الدنمركية والحكومة كان يفضل أن تكون موجهة وبشكل دقيق ضد التيار اليميني في الدنمرك والذي يحظى بمعارضة شديدة في أوساط المجتمع الدنمركي، ولكن تحول رموز الغضب الإسلامية إلى العلم الدنمركي والدخول في مواجهة مع الشعب الدنمركي تجاوز الحدود، ولكن لا بد من التأكيد على عفوية وتبرير رد الفعل هذا نظرا لحجم الإساءة الفظيعة وغير المقبولة التي تعرض لها الدين الإسلامي .

وقد تدخلت في هذا السياق أيضا آليات العولمة الاقتصادية، فالاعتذار الدنمركي الخجول لم يحدث إلا بعد استخدام الآلات الحاسبة لمعرفة حجم الخسائر الاقتصادية المترتبة على المقاطعة الإسلامية للمنتجات الدنمركية، حتى وصل الأمر إلى طرح القضية في منظمة التجارة العالمية على أساس أن المقاطعة الإسلامية تناقض مبادئ تحرير التجارة، وكأن حرية التجارة أكثر أهمية من احترام الأديان والتقاليد. وعلى كل حال فإن طرح هذه القضية في منظمة التجارة يعني وضع الحكومات العربية في تحد كبير للإلتزام بالرأي العام لمواطنيها مهما كان ذلك يعني من تضحيات اقتصادية قد يدفعها المجتمع نفسه.

ولكن هناك أيضا بعض الجوانب السلبية لما حدث، فالرسومات المسيئة التي شاهدها ربما نصف مليون دنمركي أصبحت الآن منشورة في الكثير من الصحف الدولية، وفي آلاف المواقع عبر شبكة الإنترنت وهذا يعني أن عدد الذين شاهدوها أصبحوا بمئات الملايين، إضافة إلى بعض الإكتشافات الغريبة والتي لم أكن أعرفها شخصيا والتي شاهدتها عبر شبكة الإنترنت لرسومات تصور الرسول عليه الصلاة والسلام موجودة في متاحف ومؤسسات مختلفة في تركيا وايران وايطاليا وفرنسا وهولندا وجمهورية التشيك والولايات المتحدة، ومنها رسمة بالألوان الزيتية تقوم إمرأة إيرانية ببيعها بحرية عبر شبكة الإنترنت.

وعلى كل حال نجحت الحملة الإسلامية الشعبية في تهديد اقتصاد وسمعة دولة صغيرة ومسالمة مثل الدنمرك يعتمد اقتصادها على منتجات الألبان وبيع ألعاب الأطفال، ولكنني أتمنى نشوء حركة مقاطعة عربية شعبية تجاه الدول التي تسئ لنا ولكل حقوقنا في الحياة وخاصة الولايات المتحدة، فهل نجرؤ كمواطنين وحكومات على مقاطعة البضائع الأميركية وتوقف طوابير الهجرة إلى الولايات المتحدة أم أن هذه الإنجازات ستكون مقتصرة على دول إنتاج الألبان والأجبان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ