الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. (4)

جعفر المظفر

2017 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. (4)
جعفر المظفر
لا أزعم غياب تأثير الخطاب الكاثوليكي المعادي لليهودية عن رسم خطوط الكراهية المسيحية الأوروبية ضد اليهود في عصور إضطهادهم, لكن هل كان مقدرا لتلك الكراهية أن تتصاعد بحدة وشدة لولا أن الثقافة اليهودية والسلوك اليهودي كانا قد ساهما من جانبهما في التأسيس لها. ليس من العدالة أن لا نقف لندين الجرائم التي حصلت ضد اليهود في أوروبا والتي توجها الهولوكست في ألمانيا النازية, لكن إدانتنا لتلك الجرائم يجب ان ترافقها إدانة للحل الذي قدمه الأوروبيون للقضية اليهودية على حساب العرب لأن الحل لجريمة يجب أن لا يأتي على شكل جريمة أخرى.
إن جغرافية الجريمة التي أدى إليها وعد بلفور هي أوسع من أن تتحدد بفلسطين وحدها. في الواقع إن المناطق العربية جميعها باتت محكومة بتداعيات تأسيس هذا الكيان. من مصر عبورا إلى ما يجاورها من دول الشمال الأفريقي العربي إلى سوريا والعراق وما يجاورهما من دول وإمارات, كل هذه الدول والمجتمعات باتت ممنوعة بكل المستويات من أن تتقاطع برامجها السياسية والإقتصادية والثقافية مع المصلحة الإسرائيلية. وإنه لمن الظلم أن يجري توجيه أنظار العرب, قبل غيرهم من الأقوام, عن هذه الحقيقة وتصريفها بدعوى أن الثقافة والعقل العربي بات محكومة بنظرية المؤامرة.
ليس جناية بعدها ان نقول أن اليهودية (الدين العرقي) قد ساهمت في زج اليهود (الناس) في محرقة الهولوكست, إذ أنها, في ظل الفقه السلبي الديني الذي أسس لسلوك العزلة وما رافقها من سلوكيات متخاصمة مع مجتمعات المحيط قد هيأت البيئة الثقافية والنفسية الأوروبية لبناء القاعدة الإجتماعية الواسعة للكراهية ضد اليهود وجعلت أمر إضطهادهم ميسرا وسهلا.
واليوم فإن المسلمين يعيدون إنتاج القصة ذاتها في المجتمعات الغربية بمستويات وأشكال مختلفة , وإذ نذكر أن التوجه اليميني الأوروبي الحالي ضد الإسلام والمسلمين لا يخلو مطلقا من ثقافة عنصرية أو تفعيل سياسي إحترافي فإن من العدل أيضا أن نؤكد في نفس الوقت على أن ثقافة الإسلاموفوبيا لم تكن تتشكل لولا الدور السلبي الذي لعبه المسلمون داخل المجتمعات التي إستضافتهم وقدمت لهم الرعاية والضيافة أو على صعيد بروز دور الحركات التكفيرية والإرهابية التي تتغذى من داخل الفقه الإسلامي نفسه.
وبينما يمكن على جهة ملاحظة التطور الإنساني الذي جرى على صعيد المسألة اليهودية داخل المجتمع الأوروبي والأمريكي يوم تمكن اليهود أن يحطموا أسوار العزلة التي كانت قد أسست لها تلك الثقافة, إضافة إلى إيمان الكثيرين منهم بالعلمانية التي سهلت لهم قدرة الإلتحاق بالدول التي ينتمون إليها بعيدا عن إسقاطات خاصية التماهي بين الدين والقومية, فإننا نرى على الجهة المقابلة صعودا لحالة الإسلام العدائي داخل تلك المجتمعات وبطرق بإمكانها أن تثير المشاعر الضدية بمستويات ليست أقل من تلك التي اثارتها الحالة اليهودية.
إن المتابع للشأن الفلسطيني من جهة وللمسألة اليهودية على الجانب الآخر لا بد وأن يلاحظ طبيعة التغيير على الخطاب الثقافي والسياسي الأوروبي حتى بات ممكنا القول أن خط الإقتراب الأوروبي من القضية الفلسطينية بات يشكل تهديدا مستقبليا للأساس الذي قام عليه الكيان الإسرائيلي. وحتى داخل المجتمعات اليهودية بشكل عام, دون إستثناء للداخل الإسرائيلي نفسه, فإن خط التعصب قد تراجع كثيرا لكي يصب في مصلحة الفلسطينيين بالإتجاه الذي يؤكد على ضرورة مراجعة القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني بشكل أكثر إنصافا وعدالة.
وإن أول ما علينا أن نراجعه هو تاثير المتغيرات الأممية السريعة على قضايانا المصيرية وفي مقدمتها قضية الصراع مع الفكر الصهيوني نفسه, فالأمور لا شك تغيرت كثيرا بما يؤكد الحاجة إلى تغيير حقيقي ينال من المسلمات نفسها. لقد قضينا السنين الطوال ونحن نحارب الصهيونية كونها فكرة تحاول إسقاط الدين على السياسة بشكل عنصري, وها نحن نقع في المأزق ذاته منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه إسلامنا السياسي ياخذ طريقه إلى الصدارة, وفي ظل الصعود المشهود للإسلام الدولة لماذا نلوم اليهود إذا صارت لهم دولة بعناوين دينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل