الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الطغاة :

احمد فاضل النوري

2017 / 6 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من خلال كتاب " سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور" للكاتب صاحب الربيعي .
يعاني الطاغية منذ الصغر أمراضا نفسية ناتجة من ظروف نشأته وبيئته، حيث تتأصل في وجدانه هواجس الحقد والكراهية ضد المجتمع ، هذا الشيء يجعله يستخدم العنف المشروع حسب رأيه ضد مخالفيه في الرأي من أجل فرض سطوته عليهم، لا يقتصر الطاغية على هذا الحد بل، يلجأ لاستخدام كل أنواع الخداع والتدليس لبقائه في سلطته. مما يخول له تكثير وعوده الإصلاحية والتحدث عن قيم الأخلاق والدين والاستشهاد بالأمجاد التاريخية السالفة.
تؤكد الدراسات السيكولوجية لظروف حياة أغلب الطغاة في العالم انحدارهم من قاع المجتمع، وتعاني بيئتهم العوز والفقر، والجهل والاحتقار الاجتماعي وتلك الظروف عكست ترسباتها السلبية في وجدانهم، وأخذت تفعل فعلها في سلوكهم العام.1
من هنا فسلوك الطاغية وتصرفاته الشاذة على الشيء انعكاسا لذاته المشوهة، فالحاكم المستبد يستخدم عناصر قاع المجتمع لتأليف حكومته، فتخرق القانون، وتشيع الفوضى، وتنهك كرامة المواطن، وتمارس العنف المفرط لإخضاع المجتمع.
وغالبا ما تكون حاشيته ورموز أجهزته القمعية من الوسط نفسه الذي نشأ فيه مجتمع القاع وترعرع، لأنه يشعر بالأمان والثقة معهم، خاصة أنهم بحكم تربيتهم ونشوئهم قادرون على فرض نهج الطاغية، وبالقوة، والعنف على المجتمع مقابل منحهم الامتيازات والمكانة الاجتماعية.
لا هم للحاكم المستبد والفاسد سوى تحقيق رغباته، ونزواته، وعلى حساب الوطن والمواطن، فهو مستعد للتفريط بسيادة الوطن حفاظا على سلطته، ومن سماته الجبن أمام الأقوياء القادرين على إزاحته من السلطة، كما يرفض الاستماع إلى المظالم، لأنها ترتكب بأمره، فهو الذي يختار معاونيه وحكومته من عناصر فاسدة، ومنحطة اجتماعيا، لتسرف في ظلمها وتعسفها ضد المجتمع.2
يعتقد الإمام جعفر الصادق، أن على الملوك ألا يفرطوا في ثلاثة، حفظ الثغور، وتفقد المظالم، واختيار الصالح لأعمالهم.
يعتقد "أفلاطون": أن الحاكم كدفق المياه الهادر الذي تستمد منه الروافد، فان كان عذبا عذبت وإن كان مالحا ملحت3.
وعليه كلما ازدادت مظاهر التأييد والولاء للطاغية تولد لديه إحساس بالعزلة والخوف لاعتقاده في عدم الوعي انه مرفوض اجتماعيا، وما مظاهر الولاء الكاذبة إلا تحاش يبديه الجمهور له لكنه يتحين الفرصة للتأمر عليه.
ويعتقد مصطفى حجازي أن الطاغية المتسلط يشجع المتطرفين تشجيعا مستمرا لانتشارهم، وتعزيز مكانته لأنهم يكرسون امتيازاته، ويعطوها صبغة الأمر الطبيعي، والقانون الطبيعي وعليه يعد قوام منتسب الأجهزة القمعية لنظام الطاغية المستبد من قاع المجتمع، وهو الوسط ذاته الذي نشا فيه وترعرع لاعتقاده الجازم بان تلك العينة الضالة من المجتمع وما تتأصل فيهم من روح الحقد والانتقام ولا تردعهم منظومة القيم الاجتماعية، ويمتازون بالقسوة ولذلك هم الأكثر قدرة على إخضاع المجتمع لسلطته، من هنا يرى هوبز أن أفضل نظام للتحول من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني هو نظام الحاكم المستبد فكان هوبز بهذه الفكرة فليسوف الاستبداد المؤيدة للملكية المطلقة في البلاد، فكرة هوبز بان الناس في الأصل تربوا على الوحشية، ولن ينفع معهم غير سياسة الحاكم المستبد الذي يحكم له وضع القوانين، وتغييرها متى شاء دون العودة إلى الشعب ، وان هذه القوانين تسري على الشعب ولا تسري على الحاكم وأبنائه.
ماهي طبيعة سلوك و ممارسة الطاغية؟
للحديث في هذا القسم عن الطغاة، وكيف يظهرون؟ وكيف هي أسس الديكتاتورية الحديثة, إلا أن هذا القول لا يمكن أن يكتمل إلى بداية حديثنا لأن الطغاة يظهرون حين ينقسم الشعب على نفسه، فيصبح ثلاثة أجزاء, موالي ولا مبالي ومعارض. كما أن الفرد لا يستطيع أن يكون طاغية إلا بوجود الآخرين ليمارس تأثيره عليهم، ويتضح سلوكه من تعامله معهم، وهنا نبحث كيف يسمح الناس للطاغية بالتعبير عن نفسه، وممارسة سطوته، وسلطته عليهم، فسكوت الناس على الظلم يوفر بيئة صالحة للطغيان .ففرعون عندما قال"أنا ربكم الأعلى: لم يعترض عليه أحد، فالطغيان أعلى درجة في سلم السلوك البشري من حيث السوء والقبح، وقبول الناس، وخضوعهم للطاغية دليل على تدني مستوى الإنسانية والتحول إلى العبودية وفي سورة العلق آية 6 "كلا إن الإنسان ليطغى" فهو يتوهم القوة، وانه المالك للثروات، وقد أشارت د.أمال أن طغيان الأمة لا يقل خطرا عن طغيان الحاكم. وهو الذي يؤدي بالضرورة إلى ظهور الطاغية الذي يقمعهم. ويقضي عليهم بلا رحمة.
ويصف"أفلاطون"مسيرة الطغاة نحو السلطة قائلا:" يبرز من بين دعاة الديمقراطية وحماة المجتمع من أشدهم عنفا، وأكثرهم دهاء، فينفي الأغنياء ويعدمهم، ويكون لنفسه حماية يتقي بها شر المؤامرات، ويرهب المجتمع، ويستأثر بالسلطة، ولكي يمكن نفسه في السلطة يشغل المجتمع عنه، ويديم الحاجة إليه، ويشن الحروب على الجيران بعد أن كان قد سالمهم ليتفرغ للمناوئين في الداخل، ويقطع كل منافس، أو ناقد، ويقضي عن سلطته4 كل شخص فاضل، ويقرب إليه جماعة من المرتزقة ، ويجزل لهم العطاء، ويمنح الشعراء المكافآت ليكيلوا له المديح، ويمنح الهياكل ويفقر المجتمع ليطعم حراسه وأعوانه".5 تسلسل معظم الطغاة في العالم غلى السلطة عبر أحزاب شمولية، واتخذوها مضلة لحمايتهم من واقع القهر، والحط من قدرهم في المجتمع.
ويسلط علماء النفس الضوء عند دراستهم لأسباب انحراف الطغاة عن أنماط السلوك السوي للمجتمع على مرحلة الطفولة والعائلة، والبيئة الاجتماعية التي ترعرع فيها الطاغية، وتجمع تلك الدراسات على أن معظم الطغاة في العالم كانوا يعانون خلال مرحلة طفولتهم واقعا مزريا (الاضطهاد، العوز، الاغتصاب الجنسي ، الشرخ العائلي، الدونية، وتلك الأسباب جعلتهم أفرادا غير أسوياء، ومنحرفين على المجتمع وحاقدين عليه، وتتحكم فيهم هواجس من العنف والانتقام لاستعادة توازنهم النفسي6.
وتدفع عقدة النقص وما يعانيه الطاغية في الوسط الاجتماعي، نحو الاعتقاد وهتك الأعراض حتى لا يعتريه النقص وحده دون المجتمع، حيث يعمدا الطاغية المأبون من خلال أجهزته القمعية بالاعتداء جنسيا على معارضيه لاستعادة توازنه النفسي.
وتختلف الهواجس، وعقد النقص للطاغية لاختلاف قيم المجتمع، حيث نجد سلوك الطاغية في المجتمعات المختلفة أكثر سادية وإجراما منه في المجتمعات الأخرى، نتيجة تحكم منظومة القيم الاجتماعية في حياة الفرد على نحو كبير، وإحساسه بحالة النبذ والاحتقار الاجتماعي. هذا الاختلاف وعدم التوازن نتيجة حالة النبذ والاحتقار الاجتماعي. لدى الفرد غير السوي يدفعه أكثر نحو الانزواء، والعزلة واستخدام العنف ضد الآخرين في محيطه لفرض نفسه بالقوة عليهم-وحين يخفق الفرد غير السوي في الحصول على القبول الاجتماعي يزداد لديه الإحساس بحالة النبذ، ويميل أكثر للبحث عن أقران من شاكلته لاستعادة توازنه النفسي.
وعليه يتداول لفظ الحاكم الطاغية، عبر الزمن بين فترة وأخرى كدلالة على القتل وسلب الأموال، وانتهاك الحرمات وزج الأبرياء في السجون والمعتقلات وانتهاك الحرمات وزج الأبرياء في السجون والمعتقلات وتمتع الطاغية بأموال الناس، والسماح لنفسه وللمقربين بالحصول على المناصب وكسب الإقطاعيات، وشراء الذمم وأشغال الناس بالمتع الرخيصة، والثقافة الهزيلة، من هنا يتضح وجود أمرين يحتاجهما الطاغية، السلطة والمال ليتسلط على مقدرات الأمة، فالطاغية بالسلطة الممنوحة له يتصرف بالمال دون قيد أو شرط، ويعتبر القوانين الكونية مسخرة لصالحه، يتصرف بالسلطة المطلقة التي تجعله يهب الحياة ويمنعها، وبالمال الذي يشتري به لضمائر، وينفقه على مظاهر الثراء التي تحيط به، وتوقع الهيبة في النفوس، فالقتل وسيلة الطاغية للتفاهم، وعليه فالطاغية يعيش في وهم القوة والخلود باعتباره يملك حق الموت والحياة والعيش.
يصف منشيوس الحاكم المستبد قائلا: إن الذي ينتهك حرمات الفضائل البشرية يدعي قاطع طريق، والذي يثلم العدالة يدعى وغدا، ومن كان قاطع طريق أو وغد لا يصلح لتسلم زمام الدولة، لأنه مجرد عضو فاسد في المجتمع، ينبغي بتره.7
لا هم للحاكم المستبد والفاسد سوى تحقيق رغباته، ونزواته وعلى حساب الوطن والمواطن فهو مستعد للتفريط بسيادة الوطن حفاظا على سلطته، ومن صفاته الجبن أمام الأقوياء القادرين على إزاحته من السلطة، كما يرفض الاستماع إلى المظالم، لأنها ترتكب بأمره فهو الذي يختار معاونيه، وحكومته من عناصر فاسدة، ومنحطة اجتماعيا، لتسري في ظلمها وعسفها ضد المجتمع.
يعاني الطاغية مع امتلاكه أجهزة قمعية قوية عقدة الخوف، لإحساسه بحالة النبذ الاجتماعي وتربص المناوئين به، لذا تجده يسرف في أعمال التنكيل والقمع، ودون رحمة بمعارضيه ليصل الى الدائرة المحيطة به، لأنه دائم الخوف والخشية من المنافسة لإحساسه العميق بأنه غير شرعي، ومنبوذ من الجميع.
يعتقد أفلاطون أن لطاغية منتهك جلا، ومجرم وخائف دائما، ولا يعاشر غير الأشرار وهم يعاشرونه ليستفيدوا منه.
وعليه فهنالك تباين في سلوك الطاغية الحاكم فهو يمتلك الرأفة والرحمة والحنان مع أولاده، ولكنه قاس جبار مع شعبه. يتكلم بالشرف والأخلاق والعفة، ولكنه داعر منتهك عندما تتاح له الفرصة. فالطاغية عندما يحكم لا يعرف العهود والمواثيق يتحلى بصفات المنافق الذي إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، أما إذا فالطاغية العادي الذي يملك القليل من آليات التحكم والتسلط فهو يتكتم ويتخفى، ويحرص على أن يبدو بصورة أخرى إنه خنزير داخل أرنب الطاغية لا يعرف الحب فإذا من هو دون منه أحتقره، وأذله أما إذا كان أعلى منه مرتبة فيحاول أن يقضم ما يملكه الآخر لينزل به إلى مستوى أقل منه، ما تعامل به الطغاة مثل نيرون مع معلمه سنكا والاسكندر مع أستاذه أرسطو. فالطاغية في السلطة أو خارجها لا يستطيع أن يرى من أحسن إليه ورفع من مقامه، وسانده لأنه يريد أن يتذكر أيام ضعفه وهوانه فكونه في السلطة يقتله وإما خارجها فيهينه ويحتقره.
المراجع :
1. صاحب الربيعي-سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور صفحات للدراسات والنشر الطبعة الاولى عام2007 ص 18.
2. -صاحب الربيعى-كتاب رؤية الفلاسفة في الدولة والمجتمع صفحات للدراسات والنشر الطبعة الاولى عام 2007 ص23.
3. صاحب الربيعي- رؤية الفلاسفة في الدولة والمجتمع صفحات للدراسات والنشر الطبعة الاولى عام 2007 ص31.
4. صاحب الربيعي -سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور صفحات للدراسات والنشر الطبعة الاولى عام2007 ص21.
5. -صاحب الربيعي –مرجع سابق ص20
6. -المصدر نفسه ص20.
7. صاحب الربيعي- رؤية الفلاسفة في الدولة والمجتمع ، صفحات للدراسات والنشر الإصدار الأول 2007 ص23.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشعب يصنع الطاغية
ماجدة منصور ( 2017 / 6 / 29 - 23:17 )
ألا تعتقد معي سيدي الأستاذ أن الشعب هو من يصنع طغاته؟؟؟
مقال رائع ...يجدر بنا تعميمه علًنا نتطهر من هؤلاء الطغاة0
احترامي

اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر