الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواقف الصنمية لحراس الإيمان وأباء القانون

حسين عجمية

2006 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمتلك الإنسان قدرة فائقة على التكيف مع الوجود الحقيقي و المصطنع على أساس افتعالي قهري يتشكل بتفريغ الظروف المحيطة بالإنسان من محتواها الإنساني فالعقل البشري وفقاً لمعطيات و مقتضيات واقعه المعاش يعزز قدرته على الفصل بين المواقف المتباينة و يعمق قدرة الانسجام في ذاته فالقدرة على التوافق مع المحيط بسلوك مشابه له يدخل في نظام وحدة الاندماج في وحدة الوجود و تركيز الانتباه على المتغيرات في بنية العالم الأرضي بكامله و البحث عن وسائل للاتصال المعرفي مع الثقافة العالمية بكل أبعادها المتباينة و المتوافقة مع الوجود الإنساني فلو تتبعنا أي عصر من العصور التاريخية لوجدنا بأنه لم يكن منسجماً مع ذاته و غير متوافق مع معطياته الفكرية فالعقل و الفعل لم يكونا مترابطين و لا متوافقين فكل شيء نما مفصولاً عن فكرته فلو نظرنا بعمق إلى عالم بكامل معارفه وجدنا بأنها تناقض غاياتها و تعاكس مبادئها فليس للقانون تحديد واقعي و مقبول من الجميع إنه قانون مفروض يتابع وجوده من خلال القوة ليكون قادراً على توجيه المجتمع وفق ماهيته فالبحث الإنثربولوجي عن صوغ الأفكار ضمن واقع مبني على معطيات تاريخية تتداخل مع صيغ محدثة وفق ضرورات مفروضة لا يستطيع الفكر اقتحامها بسهولة لما تمثله من غايات موضوعية لإعاقة حركة التحرر الاجتماعية و إعاقة الفكر المتحرر من قيود التبعية .
فالخوض في تفكيك النصوص و مراحل ظهورها و حلولها في الواقع يشكل خرقاً لظواهر الانتفاع من تبني النصوص ذاتها فالواقع المفروض بمعارف تهالكت مفاهيمها و عجزت عن إيجاد مظاهر حياتية تتوافق مع نمو وتوسع أفكار الحضارات الأخرى يغذي عملية الرفض و يدعم الفكر المنفلت من عقال التاريخ المبني على أساس الثوابت و الأخلاق المطلقة فالمعارف الجاهزة أصبحت قاتلة في عصر النمو السريع على الرغم من الاحتكار الشديد للعقلية و تقييد تطلعاتها .فلا يوجد معنى من إعاقة المعرفة لأن الحياة ليست مجرد سنين نطويها و نذهب بعدها إلى الجحيم .
فواقع العصر الراهن هو نتاج تحضير شاق استطعنا من خلاله أن نؤمن أبعادنا في الواقع الراهن و نعزز ثقتنا على التوجيه وفق معطيات تحددها استمرارية التجارب الفكرية في الواقع لكن الحياة ليست دائماً مخبر تجارب نتحكم بمعطياته فالشروط العامة للتجارب تتغير مع تغير الزمن و تعطي نتائج مخيفة لصانعيها (ألم تعطى التجارب المخبريّة لللإستنساخ البشري نتائج مخيفة لصانعيها )لأن الشروط التي أنتجتنا و أنتجت معارفنا و مبادئنا قد تتغير و هذا يعني عدم المتابعة و الإصرار على فرضها بتحسين مظهرها مما يؤدي إلى النفور من وجودها و السعي الضمني لتخريب بنيتها من والوجود . فالسعي الضمني لتخريب بنيتها من خلال التفاعل بين ظاهرة العوز الاقتصادي و ظاهرة التململ الروتيني من بنية المجتمعات المتخلفة له عمق فاعل في تغذية الضجر والمسايرة الاجتماعية العلنية في الالتزام بأصول الأفكار لأنها واقع مفروض بقوة تغذي واقع الكسل و التجاهل و اللامبالاة .
فالظواهر المدروسة والتمزق في جسم الأمة لم يغيّر شيئاً , وكيفما كان شكل الإعاقة وماهيتها لدمج الأمة , فقد تحولت مطالب الجماهير عن تحقيقها نظراً لعجز الحكومات عن تأمين الحد الأدنى من التقارب بين الأنظمة , فانقلبت الجماهير إلى مطالب أخرى هي في أمس الحاجة إليها بعد أن تبدلت معطيات العصر . وتبحث الشعوب بطريقتها الذاتية عن سبل الحياة والمعرفة , واستغلال كل الإمكانيات الواردة إليها من أجل الدفاع من مصالحها مع الأخذ بعين الاعتبار المجال الحيوي لوجودها .
وعندما لا يستطيع الفكر السياسي أن يكون واضحاً يصبح من الصعب بناء واقع منفتح تتلاقى فيه الإمكانيات المادية والفكرية ليعيش الإنسان سيد ذاته ومسئولاً عنها وعن غيرها ويلتزم بواقع الاختلاف والتعددية الفكرية والسلوكية فيتعمق الإنتاج الاقتصادي كتعبير موازٍ لما يفرزه الواقع الاجتماعي من إمكانيات إبداعية , وتظهر الطاقة الاندماجية في حيويتها لخلق واقع فاعل ومؤثر على المستوى الدولي لأنها نابعة من فاعلية شعبية مدركة لغاية وجودها المعبر عن تطلعاته المستقبلية .
فلو تفحصنا جيدا ما يجري على الساحة المعرفية نجد أنها متأزمة وتأخذ طابعا افتعاليا غايتة التقليل من أهمية المظاهر الإبداعية في واقع الفكر على مستوى الوطن العربي لأنها تعارض مفاهيم سلطوية وتراثية وُتتهم بخروجها عن مفاهيم الرسالة السماوية لان القائمين على حماية الأفكار الربانية حرصاء تماما على حماية مصالحهم حتى من هجوم الأفكار الربانية عليها لذلك يسعون إلى تكفير كل إنسان يتعرض لواقع سيادتهم وسلطتهم للنقد فحراس الإيمان يحرسون من خلاله واقعهم وكأنة الواقع الوحيد الذي له صفة الشرعية إنهم يرتبون الحياة على ذوقهم ويسعون لإشاعة الرعب في وجه من يرى أن الواقع له خلفيات مختلفة وهي غير نابعة أصلا من جذور دينية. إنهم يختارون مواقف اصطناعية غايتها قولبة البشر ضمن منظومة معرفية واحدة تؤمن تبعيتهم لها بالمطلق ويؤسسون واقعاً تكثر فيه الانتهاكات لمفاهيم الأديان . فالحرص الواضح على تبني فئة نخبوية تاريخ الرسالات وفرض الحماية لواقعها الفكري والتاريخي كيفما كان مؤ طراً في الماضي ومتحولا بين مذاهب دينية وأفكار سلطوية تسعى لترويج وجودها من خلال الأديان وباعثا حقيقيا للرعب والتفوق يؤمن لها استمتاعا بالثروة والسيطرة اغرق التاريخ بوقائع مأساوية يمكن استغلالها دوما وإعادة استغلالها دائما. إن من يدعي المسؤولية عن حماية الأفكار والمعتقدات من تعرضها للنقد هو من يعيش على تناقضاتها وتباين المواقف حولها ولان وجودهم مرتبط بها وموقف الحرص نابع من عدم ثبات مواقفهم تجاهها فلو تبنت سلطة ما الكفر إيمانا لشرّعوه فقدرة الأفكار على الاستمرار ناتج من بنيتها وترابط مكوناتها الفكرية وتلازمها مع الواقع المتغير هو ما يعطيها صفة اليقين بأنها تساعد البشر على اختلاف عصورهم على إنتاج الثقافة والحضارة وتمتلك طاقة التأثير على من يخالفها من حيث الشكل والجوهر لأنها تتابع بقائها من خلال توافق المنحى العام لجوهرها مع تبدل الواقع الإنساني لان الغاية من الرسالة هو صدق توجهها مدى الدهر لكل من امن بها أو كفر وليس في قولبة معارفها لتكون أداة غرضية تؤدي إلى الكسب والسيطرة على الآخرين من خلال تنصيب القائمين على رعايتها حكاما بأمر الله! فنشاطهم ينحصر في إبقاء المؤمنين تابعين للمراكز الدينية وليس لها فهم يوجهون الأفكار كزعماء وليس كمرشدين فالمرشدون عبر التاريخ غايتهم توجية الإنسان عبر الطريق الصحيح وليس في إجبارة على السير فية فالتجربة تحمل في خفاياها منطق رفضها فالرفض والانحراف لا يأتي من منتقديها بل يأخذ مجراه في معتنقيها فالخطر على الشيوعية لم يأت من الرأسمالية لأنها نظام معاد في بنيتة وإسلوبة للفكر الشيوعي فكان خطر الأحزاب الشيوعية عليها اشد وأكثر إتلافا لبنيتها التحتية والفكرية قادتها نحو الانحسار ولم يأت الخطر على الفكر القومي من الفكر الاممي أو الإيماني بل من تعارض وتصارع رموزه الفكرية وتمزيقة وضرب بنيتة الداخلية وتنكر رموزه لمبادئة الفكرية وعدم المتابعة لإبقائة حركة نضالية في واقع الأمة العربية والاكتفاء بمناصب قيادية تكيل التهم وتعاقب منتقدية وتحول الفكر القومي إلى جيوش للحفاظ على مكانتهم من الانهيار ماذا ننتظر من امة تقتل مفكريها فالأفكار والمعتقدات تبقى كما هي في غايتها مهما تناولها الإنسان بالنقد والتجريح وان أكثر المواقف تشويها لها هو الخرق الضمني والسري لمبادئها الفكرية والسلوكية وأكثر المواقف إيذاء وتخريبا هو الظهور بعكس المواقف الضمنية كأن يكون أكثر المتكلمين عن الصدق هم الكذابين وأكثر المتكلمين عن الشرف هم العاهرات وأكثر دعاة التضحية في سبيل الآخرين هم الأنانيين لأنهم يستفيدون من سماحة ونزاهة الآخرين وأكثر دعاة السلام هم الإرهابيين .
إن تغيير واقع يفرز مثل هذه المعطيات لا يمكن إن يتم في ظروف التجهيل والفكر الأحادي الجانب غير قادر على الكشف في ظروف غياب النقد والالتجاء إلى المبادئ والأهداف السامية وبناء واقع قائم على تجارة الأفكار عندها نكون قد أنشانا بناء اجتماعيا يرتكز على قواعد من البارود ومرتبط بشبكة من الصواعق الحساسة فالإدراك العميق للمسؤولية التاريخية من خلال التحضير لواقع يؤسس على تفعيل الطاقات الكامن فية وإعطائها الثقة لإطلاق وعيها الوطني لمحاصرة كافة أشكال التخريب وفضح الأساليب الملتوية لتأزيم الواقع وإشاعة الفوضى وللامبالاة عندها يمكن إن نقدر من يسهم أكثر في إحداث معرفة فكرية وبنية اجتماعية واقتصادية قادرة على تجاوز مخلفات الماضي وإحداث نقلة نوعية تنقذنا من متاهات الضياع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري