الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الماء

هاشم عبد الرحمن تكروري

2017 / 7 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


" تاريخ الماء"
الفرضية طريق يتم شقه نحو الحقيقة، وقد تصيب وقد تخيب، ولولاها لما كان هناك قوانين ونظريات علمية أضحت بمثابة مرجعية يعتد بها، ينطلق من خلالها نحو أفق علمي جديد، وفي طريقنا تلك لا نرى بأخذ فرضيات مبنية على أُسس ثيولوجية؛ ومحاولة التأكد من صحتها، على أثارة من علم علة في ذلك، وقد وقع بصرنا على أية من القرآن الكريم وحديث يذهبان اتجاه كون الماء وجد قبل وجود الكون، مما يعني وجود خلق قبل الخلق، وأن الكون هو مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة؛ ... من الخلق، إذن نحن هنا أمام آلية قائمة على خلق من بعد خلق، وليس فقط خلق من عدم، -ونحن نفترض هنا ولا نُقِر- فما المانع إذن من كون الماء مادة خلق الكون بطريقة ما أو ألية ما؟
فالله عز وجل يقول في كتابه: ... وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" هود-7، وأتبعه رسوله الكريم بقوله:"... كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ" البخاري-2953.
فهو يخبر بعبارة قرآنية مقررة بأن خلق السماوات والأرض لم يكن إلا بعد أن كان وجوده أزلاً؛ ومن ثم وجود عرشه على الماء؛ ومن ثم خلق السماوات والأرض" بمعنى خلق الكون" وهو يقرر بآية أخرى بقوله:" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" الأنبياء-30، فلِمَ لا يكون الماء مادة الخلق الأولى؟ فالكون نفسه مخلوق وحي بصورة من الصور؟، ولم تختلف رواية الرسول كثيراً إلا باللفظ دون المعنى فهو يخبر بوجود الخالق وحده دون سواه، ثم وجد الماء كقاعدة للعرش، فلا يكون العرش دون أساس يستند إليه، فلا ينشئ بناء دون قاعدة فلذا نرى هنا أن الماء أول مخلوقات الله بغض النظر عن حديث القلم المشهور عن الخلق، وبذا نصل إلى فرضية مفادها أن الماء أصل كل الأشياء والمخلوقات، وهو بهذه الصفة حامل تراث المخلوقات بأكمله من لحظة الخلق إلى لحظة العودة...
وهو مكون بشكل أساس من أول عنصر واضح "الهيدروجين" بعد دقائق الانفجار الثلاث للكون، وهو الأب المادي والروحي لكافة العناصر الأخرى فيما بعد، بالإضافة للأكسجين، فلم لا يكون الماء هو الفرادة بحد ذاتها؟ على الرغم من قصور هذا التصور علمياً؟
أكتفي بهذا القدر من الفرض والتساؤل منطلقاً بعد هذا الموجز إلى مادة مقالي الرئيسة، وهي حمل الماء لتاريخ الخلق بصفته مادته الرئيسة فرضاً، وهذا يثير أسئلة من بعد أسئلة وفرضيات من بعد فرضيات، أثارتها الأديان والميثولوجيا والعلوم، لا أدعي إجابتي عليها بقدر طرحي لها منتظراً جواباً لاحقاً من نفسي، أو من مبلغ أوعى من سامع...
فهل الماء المادة التي بدأ من عندها التاريخ؟ هل التاريخ مكتوب في الماء؟ هل الماء أصل التاريخ؟ هل أصل الكائنات الحية من الماء يجعل منه الأب الحقيقي للتاريخ؟ هل مكونات الماء الرئيسة (الهيدروجين والأكسجين) تجعل منه أساساً لنشأة الكون؟ فلو بدأنا من تركيبه الكيميائي كأداة بحث فيه لوجدنا أن مكوناته الرئيسة المعروفة للجميع هي: الهيدروجين والأكسجين H20، حيث يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين...، وسنذهب هنا برحلة نتناول فيها آلية تخليق وتكوين العناصر الكيميائية في الكون موجهين تركيزنا نحو الآباء الشرعيون لعنصر الماء...
في الثلاثينيات من القرن المنصرم؛ اقترح هانز بيته Hans Bethe عدداً من سلاسل التفاعلات النووية داخل النجوم، التي تتحد فيها أربع نوى لذرات الهيدروجين لتكون نواة واحدة من نوى ذرات الهيليوم، وذلك في قلب نجم كشمسنا تصل درجة الحرارة فيه إلى 15 مليون درجة مطلقة، أما في النجوم الأشد حرارة من ذلك، فإن نوى ذرات الهيليوم تتحد لتكون نوى ذرات الكربون- 12، وربما تستمر عملية الاندماج النووي لتخليق نوى ذرات أعلا وزنا بسلاسل أقوى من التفاعلات النووية، وفي العام 1957م تمت صياغة نظرية تخليق نوى العناصر المختلفة في داخل النجوم "Synthesis of the Elements in Stars"؛ بواسطة أربعة من الفلكيين المعاصرين هم: مارجريت وجفري بينبردج، وليام فاول، وقد تمكن العلماء من تفسير التوزيع النسبي للعناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون بناء على هذه النظرية، كما تمكنوا من تفسير تطور الكون المدرك من دخان يغلب على تركيبه غاز الهيدروجين مع قليل من ذرات الهيليوم إلى الكون الحالي، الذي يضم في تركيبه أكثر من مائة من العناصر المعروفة؛ والتي تندرج خواصها الطبيعية والكيميائية بناء علي ما تحتويه ذرة كل منها من اللبنات الأولية للمادة، بحيث تم ترتيبها في جدول دوري حسب أعدادها الذرية، بدءً من أخفها وأبسطها بناء وهو غاز الهيدروجين، إلى أثقلها وأعقدها بناء وهو اللورنسيوم، وفق نظام محكم دقيق ينبئ بخواص العنصر من موضعه في الجدول الدوري للعناصر، ويبدو أن تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي لنظائر، كل من غازي الهيدروجين والهيليوم، قد بدأت منذ اللحظات الأولى للانفجار الكوني الكبير، وبدأت بتدرج يتفق مع ترتيب العناصر في الجدول الدوري، بمعنى أن العناصر الخفيفة بدأت في تخلقها قبل العناصر الثقيلة، وأن العناصر الثقيلة لابد أنها قد تكونت في داخل النجوم الشديدة الحرارة مثل المستعرات وفوق المستعرات أو أثناء انفجارها، وفي العام1983م حصل وليام فاولر WilliamA. Fowler على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة مع آخرين لجهوده في تفسير عملية تخليق نوى ذرات العناصر المختلفة بواسطة الاندماج النووي، وباستخدام العمليات الحسابية التي وظفت فيها الحواسيب العملاقة، تمكن العلماء من وضع تصور لمراحل خلق الكون على النحو التالي:
• بعد لحظات من عملية الانفجار الكوني العظيم تقدر بـــ 10- 35 من الثانية، كان بالكون تساوٍ بين الباريونات وأضدادها من جهة، وبين فوتونات الضوء photons، من جهة أخرى، وكانت الباريونات وأضدادها يفني بعضها بعضا منتجة الطاقة التي يُعاد منها تخليق الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها، وهذه النظرية التي تشير الي تساوي كميات المادة وأضدادها في الكون المدرك، تؤكد أن اختلافا في هذا التساوي لا تتعدي نسبته واحدا في المائة مليون، يمكن أن يفسر غلبة نسبة المادة علي نسبة أضدادها في الكون الراهن، وذلك بتحول نسبة من الفوتونات الناتجة عن إفناء الأضداد لبعضها البعض إلى باريونات اللبنات الأولية المكونة لنوى ذرات العناصر، وتتم هذه العملية عن طريق انتاج باريون واحد عن كل مائة مليون فوتون، كما يؤكد ذلك الخلفية الإشعاعية الحالية للكون المنظور، وبعد فناء أغلب البروتونات وأضدادها بدأ الكون في الاتساع، ويحتمل وجود كمية من النيوترونات باقية في كوننا المدرك، نظرا لضعف تفاعلها مع أضدادها فلم تفن بالكامل.
• بعد مضي ثانية واحدة على الانفجار الكوني العظيم، تقدر الحسابات النظرية أن كمية الطاقة المتوافرة في الكون أصبحت تسمح بتكون جسيمات أدق مثل الاليكترون، الذي يحمل شحنة سالبة وضده البوزيترون الذي يحمل شحنة موجبة، وقد أفنت هذه الجسيمات بعضها بعضا، تاركة وراءها محيطا من الإشعاع الحار على هيئة فوتونات الضوء التي انتشرت في كل الكون، والتي تدرك آثارها اليوم فيما يعرف باسم الخلفية الإشعاعية للكون، والتي تشير إلى تناقص كل من كثافة الكون ودرجة حرارته باستمرار مع الزمن.
• بعد نحو خمس ثوان من عملية الانفجار الكوني، انخفضت درجة حرارة الكون الى عدة بلايين من الدرجات المطلقة، ولم يكن موجودا بالكون سوى عدد من الجسيمات الأولية لكل من المادة والطاقة مثل: البروتونات، والنيوترونات، والإليكترونات، والفوتونات.
• بعد نحو مائة ثانية من الانفجار الكوني انخفضت درجة الحرارة إلى نحو البليون درجة مطلقة، فبدأت البروتونات والنيوترونات في الاتحاد بعملية الاندماج النووي لتكون نوى ذرات نظائر كل من الهيدروجين والهيليوم والليثيوم على التوالي، وتشير كل من الحسابات الرياضية والتجارب المخبرية، الى أن أول النوى الذرية تكونا كانت نوى ذرة نظير الهيدروجين الثقيل المعروف باسم ديوتيريوم Deuterium، ثم تلته نوى ذرات نظائر الهيليوم.
• بعد دقائق من الانفجار الكوني العظيم، انخفضت درجة حرارة الكون الى مائة مليون درجة مطلقة، مما شجع على الاستمرار في عملية الاندماج النووي، فتم تحويل 25% من كتلة الكون المدرك الى غاز الهيليوم، وبقيت غالبية النسبة الباقية 75% من غاز الهيدروجين، وينعكس ذلك على التركيب الحالي للكون المدرك، الذي لايزال الهيدروجين مكونه الأساسي بنسبة تزيد قليلا عن 74%، يليه الهيليوم بنسبة تبلغ 24%، وباقي المائة وخمسة من العناصر المعروفة تكون أقل من 2%.
ويعتقد الفلكيون المعاصرون أن تخلق العناصر في كوننا المدرك، قد تم على مرحلتين متتاليتين تكون في الأولى منهما العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة، وتكونت في المرحلة الثانية العناصر الثقيلة، بالإضافة الى كميات جديدة من معظم العناصر الخفيفة، وذلك في داخل النجوم خاصة الشديدة الحرارة منها، مثل المستعرات، أو في مراحل انفجارها على هيئة فوق المستعرات.
أما نظرية التضخم "Inflation" لصاحبها آلان جوت Alan Guth، التي أصبحت مقبولة بصورة عامة لدى علماء الفيزياء الفلكية والفيزياء النووية فهي تلخص تفجر الزمن والمكان واللحظات الأولى للانفجار، فالثانية الواحدة تُجزَّأ إلى ملايين الملايين من الأجزاء وهكذا حتى الدقائق الثلاث الأولى بعد الانفجار، وطبقًا لهذه النظرية تبع الانفجار كرة لهيب ضخمة Fireball في درجة حرارة فائقة جدًا، حيث تكوَّنت الجسيمات الأولية أو الجوهرية. وبعد جزء من ملايين الأجزاء من الثانية انخفضت درجة الحرارة إلى 10 آلاف بليون بليون درجة كالفن، حيث تكوَّنت الجسيمات الأساسية، ومع تضخم الكون الوليد وتمدده بدأت الحرارة في الانخفاض، وخلال الجزء من مليون جزء من الثانية الأولى لِما بعد الانفجار كان الكون قد تضخم من حجم ذرة منفردة إلى حجم المجموعة الشمسية التي يصل نصف قطرها إلى 5880 مليون كيلو متر، ومع مرور الوقت واتساع الكون انخفضت درجة الحرارة إلى 100 ألف مليون درجة كالفن حيث أصبحت الجسيمات المتكوَّنة في عملية تعادل، وعندما انخفضت الحرارة إلى 10 آلاف مليون درجة كالفن بدأت الإشعاعات الكثيفة في الانطلاق داخل الحيز الضيق، مما سمح بتكون الجسيمات الثانوية حاملة القوى. وبعد الثانية الأولى توقف التعادل بين الجسيمات والجسيمات المضادة. ولكن مازال الكون داخل فقاعة هائلة ممتدة أو حيز فضائي مفرَّغ، وعندما بلغ الكون الوليد من العمر ثلاث دقائق انخفضت درجة الحرارة أكثر، إلى الحد الذي سمح للجسيمات أن تتجمع لتكوين نوى الذرات الأساسية بنسبة 73 % للهيدروجين، و25 % من الهليوم، والباقي من نوى الذرات الليثيوم والبيريليوم والبورون. وعند درجة حرارة حوالي 3 آلاف درجة مئوية أمكن لنوى هذه الذرات أن تلتقط الإلكترونيات لتدور حولها، حيث انفصل الإشعاع عن المادة لأول مرة. وكان ذلك بعد مرور أكثر من 700 ألف سنة على الانفجار العظيم. أما أول مجرة عادية تكوَّنت فكانت بعد مرور 5 آلاف مليون سنة من الانفجار.
ويظهر لنا هنا الرحلة التي قطعها الماء بصورة افتراضية بطريقه لتكوين الكون، وصناعة أحداثه، فالماء يمتاز بخصائص لا تتوفر قط لمادة غيره ، فهو يتفاعل في نفس الوقت كحامض وكقاعدة ، وبذلك يمكن أن يتفاعل مع نفسه في ظروف خاصة ، وهو مادة ضعيفة التراكيب هشة البنيان ، قابلة للتغير تحت أقل المؤثرات ؛ فهو يتأثر بالصوت ، والمغناطيسية ، والحرارة ، والبرودة ، والضوء، وخضع لتجارب كثيرة تبين منها أنه يحتفظ بالمعلومات المرسلة من قبل الأجسام البيولوجية ويتكون جزيء الماء على شكل يشبه المغناطيس الذي له قطب سالب وآخر موجب؛ يدور حول نفسه بسرعة كبيرة، وحول الجزيئات الأخرى على مسافة ثابتة، مما يجعل للماء في هذه الحالة نوعا من التماسك، وتتفكك جزيئات الماء المتماسكة ويعاد تشكيلها تحت تأثير ذبذبات الصوت أو المؤثرات الخارجية ، وفي تلك الحالة ينساب بحرية أكبر إلى سيتوبلازم الخلايا وهو مشحون بالطاقة التي تحفز الخلية على العمل بنشاط وبشكل أفضل، والماء يعمل كمذيب فيزيد من سرعة العمليات الحيوية للخلية بأقل فاقد ممكن من الطاقة التي تتمثل في ثلاثي أدينوزين الفوسفات ATP ؛ لأنه يتفاعل مع عدة مكونات عضوية وغير عضوية ، بسبب خاصية الاستقطاب الكهربائي ، التي تتميز بها جزيئات الماء، والماء لديه القدرة على التغير والتبدل والتكيف الذاتي عند أي تأثير يجرى عليه في محيطه، ويبلغ أعلى قدرة له على ذلك بين درجتي 35-40 درجة مئوية ، وهي درجة حرارة الجسم عند الكائنات الحية النشيطة ومنها الإنسان، وقد جرت على الماء أبحاث كثيرة وفي أماكن متعددة من العالم -لم تثبت قطعيتها- أنه يتأثر بكل ما يلامسه من المؤثرات الخارجية التي سبق ذكرها ، وقد أجريت بعض التجارب على جزئيات الماء والتي أظهرت قدرة على تغيرها لتأخذ شكل جزئيات المادة المضافة إليها، إذا كانت تلك الكمية المضافة كبيرة نوعا ما، ومثال ذلك: إذا أضفنا ملعقة كبيرة من العسل إلى كوب كبير من الماء وخلطت جزيئاتها بواسطة خلاط، فإن جزيئات كوب الماء تتشكل بالكامل بشكل جزيئات العسل، وإذا أضيف سم مكعب واحد من مادة ما إلى حمام سباحة كبير وخلط فيه جيدا، فإن ماء الحمام سيحمل بصمة المواصفات العلاجية لتلك المادة، ولعلي في هذا التفريع المتعمد أرنو إلى الافتراض بأن الماء يحمل الشيفرة التاريخية للخلق، فهو مثقل بحمل يمتد لأبعد من خلق الكون نفسه، فلمَ لا نعكف على إيجاد وسيلة ما تعمل على استخلاص هذا التاريخ منه، لِما في ذلك من راحة للعقل وإجابة على كثير من فرضياتنا التي ما زالت يتيمة للبرهان الذي يعضدها ويثبت خطاها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس