الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغتيال ذاكرة مدينة

نوفل الصافي

2017 / 7 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المدينة ذاكرة المجتمع ، وكل تفصيل فيها له خصوصيته ودلالته (الجمعية) على المستوى الشعبي العام ، و(فردية ) على المستوى الشخصي. فلو أنك راجعت فيما مضى من حياتك؛ سرعان ما تقفز الى السطح أسماء الشوارع ،والمدارس والمكتبات، والأنهر، والمطاعم ، وأماكن المرح ، لا بل يبدأ مخيالك برسم أشكال الصور التي ترتبط بك وكأنها معادل صوري لمادة مكتوبة على ورق غير مرئي ...ويبدأ الخط البياني في جلب الصورة مقترنة برائحة المكان حتى أنك تكاد تشعر بظل الازقة ورطوبتها او حرّها وبرودتها حسب نوع الموقف والمكان وتجتاحك روائح الاطعمة من شبابيك مطابخ البيوت المتلاصقة المحلات القديمة.
وكثير منا حينما يرى بنايات المدارس ـ خصوصا المرحلة الابتدائية ـ التي ضمت ذكرياته ودفاتره وأقلامه وأصدقاءه ومشاكساته ؛ تنزع روحه الى حرث أرض طفولته المكتنزة بكثير من الصور والامنيات ... وهكذا يخزن العقل البشري (الرائحة / الشكل/ الشعور ) لفئة عمرية عاشها مقترنة بنص منقوش بتفاصيل كبيرة، لتكتمل صورة ماض صنع شخصية الفرد الذي هو بمجموعه يكوّن شخصية المجتمعات؛ لذا فإنك ترى المجتمع الذي كونته ثقافة مائية غير ذاك الذي خلقته البيئة الصحراوية أو الجبلية.
من هنا فان شخصية المجتمع تنشأ من المخزون المعاش سابقا والمؤثر (حاضرا ومستقبلا) ومن المهم أن يبقى الانسان على صلة مع تراثه وذكرياته بنسبة معقولة تلبي أحتياج ضرورة الشعور بالانتماء ؛ والا فانه سوف يشعر بغربة شديدة من المكان الذي ألغيت فيه دلالات وعلامات تكوّنه فيه...فبموت هذه الدلالات (المدرسة/ المعلم الاثري/ البيت القديم/ الزقاق/ اللعبة الشعبية) فإن الذاكرة سوف تضمر بعد أن تجهد كثيرا في التذكر ما تجعل الانسان قلقا يحيطه الشعور بالتهديد في وجوده (الروحي).
ذاكرة المدينة ضمانة للشعور بالأمان وتهديد هذه الذاكرة ؛ بهدم المعالم والاماكن التي تستقدم التذكر الجمعي (للمجتمع) ومسح تفاصيلها بدعوى (الاعمار والتطور) هو قتل للروح واغتيال للذات وتعميق الشعور بالضياع ...هذا مايحدث في كربلاء للأسف ..
وجميل ما فعل بعض من إدبائنا؛ من الروائيين والشعراء إذ شرعوا جادين في العمل على تدوين ذاكرة المدينة واستحضارها لهذا الجيل الذي لم يشهد ويرتوي جيدا من نشوء مدينته (روحيا) وهو يراها الان وهي تتحول بخطى ثابته الى مايشبه (المتنزه الكبير) الذي يفتقد الى اللمسة الروحية التي هي أساس وجود هذه المدينة ...فضلا عن ألم الفرد الممض والشعور القاسي بالحزن للذين عاشوا أزقة وحواري المدينة، وتعلموا في مدارسها ومكتباتها، وألفت عيونهم التنقل بين معالمها وآثارها،وتعودت ألسنتهم نطق اسماء مدارسها ا وشوارعها وازقتها التي تغيرت أسماءها وفق التوجه الحالي ماجعل من المدينة مهددة بفقد هويتها للعقدين القادمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب