الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الحياة والموت في عقيدة الحياة المعاصرة / الجزء الثالث والاخير ... نقد فلسفة الحياة والموت في الفكر الاسلامي

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2017 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل الخوض في نقد فلسفة الحياة والموت في الفكر الاسلامي فان من المناسب الاشارة الى انني كنت قد ذكرت في موضع سابق من هذا المقال بان مكونات الخلية وطريقة عملها تمثل لغزا كبيرا محيرا .. هذا مع العلم بان الخلية الحية الاولى ظهرت على سطح الارض قبل 3500 مليون سنة ... والسؤال المعضلة هو كيف نشأت الخلية الحية الاولى ؟ هناك فرضيتين رئيسيتين في تفسير هذه المسألة المعقدة : الفرضية الاولى تفسر النشأة الاولى على انها ( بفعل فاعل ) وقد تم التعريف بشخصية الفاعل من خلال ثلاثة سيناريوهات تتصف بالخيال الجامح ، فالفاعل هنا قد يكون اله الاديان ( الله ) ، او ربما كان الفاعل كائنات فضائية ذكية ، مجهولة الطبيعة والمصدر ، نزلت على الارض فخلقت الحياة فيها دون هدف ثم غادرت الى غير رجعة ، او ربما كان الفاعل كائنا مجهولا ذكيا قابعا في مكان ما من الكون ، ثم قام لسبب ما بخلق الخلايا الحية ونشرها في الفضاء فتساقطت قسم من هذه الخلايا على الارض بطريقة ما ثم نمت كما تنمو البذور في الارض البكر ، اما الفرضية الثانية فهي تفسر نشأة الحياة الاولى على انها ( بفعل الصدفة ) اي ان الفاعل هنا لا وجود له وانما كانت النشأة الاولى نتيجة توفر العوامل والظروف المناسبة للحياة والتي توفرت بمحض الصدفة لا غير ، ولكن الحقيقة ان كلا الفرضيتين واجهتا العجز في الاقناع وبالتالي الفشل ، الفرضية الاولى التي اتصفت بجموح الخيال عجزت عن تقديم اي تفسير منطقي يبرر وجود هدف او غاية او دافع وراء رغبة الفاعل في خلق ظاهرة الحياة وهذا ما افشل الفرضية ، والفرضية الثانية فشلت في تقديم الادلة على امكانية نشوء الخلية الحية بكل تعقيداتها بشكل تلقائي دون تدخل فاعل يتصف بالذكاء ، وهكذا تبقى نشأة ظاهرة الحياة لغزا كبيرا في عالم المجهول ، وعلى الرغم من كون الفرضية الثانية قد فشلت في تقديم التفسير المقنع ـ على الاقل في الوقت الحاضر ـ الا انني شخصيا اميل الى قبولها تحت مبرر ان العلم قد تتطور امكانياته في المستقبل فيتمكن من كشف سر النشأة الاولى للحياة دون تدخل من جهة ما في الفضاء .. وهذا هو أملنا ان يتمكن العلم من حل هذا اللغز في المستقبل .
الفكر الاسلامي ينظر الى مسألة الحياة والموت على انها من مظاهر قدرة الله حيث يقول ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) وان الله لم يخلق الحياة والموت والانسان عبثا دون غاية ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) و ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) وحيث ان الانسان لم يخلق عبثا ولن يترك سدى اذن هناك هدف او غاية من خلق الحياة وخلق الانسان ، ونستشف الغاية من خلق الحياة في الفكر الاسلامي من خلال النص ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) وكذلك الغاية من خلق البشر من خلال النص ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) هذا بالاضافة الى الغاية الدنيوية من خلق البشر والتي هي اعمار الارض من خلال النص ( أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ،
نستنتج مما تقدم انه بعد مضي 11,8 مليار سنة على نشأة الكون ، و 5 مليار سنة على نشأة شمسنا التي هي مصدر الطاقة والحياة على الارض ، و 4,5 مليار سنة على نشأة كوكب الارض ، و 3,5 مليار سنة على انبثاق الحياة على الارض .. قرر اله الاديان ، خالق السماوات والارض ، ان يخلق الحياة ويخلق البشر من أجل ان يحقق الغايات الاتية : 1) لكي يمتحن البشر من خلال انزال البلاء والمصائب عليهم فيرى من منهم يطيع ويصبر على البلاء فيستحق المكافئة ، ومن منهم يتمرد فيستحق العقاب. 2) لاغراض العبادة .. فعلى الرغم من ان الخالق لديه اعداد وفيرة من الملائكة الذين يعبدوه ويعظمون من شأنه ويسبحون بحمده ( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) ولكن يبدو ان الخالق وبعد فترة طويلة جدا من خلقه للكون قد شعر بحاجة الى المزيد من المخلوقات التي تعبده وتعظم من شأنه وتسبّح باسمه وبحمده فقرر خلق البشر لهذه الغاية مع اتباع سياسة خاصة معهم لاخضاعهم وهي سياسة الحلوى لمن يطيع والعصا لمن يتمرد. 3) لاغراض اعمار الارض حيث ان هذا الكون الواسع جدا لا يوجد فيه سوى السماوات والارض ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) وهو كون موحش ممل كئيب ، وبالتالي لا باس من بعض المتعة والتسلية من خلال خلق كائنات حية يدعون ( بشر ) يتم تكليفهم باعمار الارض فتزول الوحشة والملل ، وفي النهاية يتم اختتام هذه اللعبة بوضع نهاية سعيدة لها من خلال تدمير الارض بمن عليها من البشر في يوم القيامة ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) اذن هنا تكمن الغاية من خلق الكون والحياة والبشر ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )
في الحقيقة انا لا استغرب من وجود بشر عاشوا قبل 1400 سنة وقد صدّقوا وآمنوا بمثل هذه الروايات والاساطير لانهم في الحقيقة عاشوا في عصر الجهل ... والجهل ظلام ، ومن يحيا في ظلام يصدّق كل ما يقال له ، ولكنني استغرب اشد الاستغراب من وجود بشر في عصرنا الحالي .. عصر العلم والتنوير .. وما زال فيهم من يؤمن بنفس أفكار ومعتقدات البشر الذين عاشوا في عصور الجهل والظلام تلك .
في مجال تفسير ظاهرة الحياة وطبيعة القوة المحركة للانسان الحي فان الفكر الاسلامي يتبنى مفهوم الروح ويعتبرها نسمة هواء خفية مجهولة الطبيعة تطلق بالنفخ فتحرك الانسان فتجعله عائشا على قيد الحياة ، وهذه النسمة مصدرها الخالق ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) و ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) هذا مع العلم بان الفكر الاسلامي يعترف بان هذه النسمة الخفية مجهولة الطبيعة ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) اما بالنسبة لظاهرة الموت فانها من اختصاص الخالق وحده وتحدث بناءا على اوامر منه والتنفيذ حسب الموعد المقرر مسبقا لكل انسان ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) و ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ) و (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) حيث ينتقل الانسان بعد موته الى عالم اخر هو عالم الآخرة لكي يخضع للحساب حسب السيناريو المعد مسبقا في سجل القدر ، ويتولى تنفيذ اوامر الموت ملك الموت ( يدعى عزرائيل ) الذي اوكلت له مهمة قبض ارواح الناس ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) هذه هي خلاصة فلسفة الحياة والموت في الفكر الاسلامي ، وواضح ان هذا الفكر قد استغل ظاهرة الموت الطبيعية وما تسببه من خوف ورعب لدى الناس فقام بتوظيفها لاخضاع الناس وتكريس عبوديتهم خدمة لاهداف وغايات واضعي هذا الفكر ، ولذلك نرى الناس في مجتمعاتنا المثقلة بالموروث الديني الاسلامي عندما يكونوا في مواجهة لحظات الموت الصعبة يلوذون بالاله الديني لا اراديا نتيجة الميراث الثقافي الديني السائد في المجتمع والذي تم غرسه في عقل الانسان منذ الطفولة غرسا وليس عن فطرة كما يدعي دعاة الفكر الديني ، اما بالنسبة لرأينا بمفهوم الروح فهو من المفاهيم القديمة جدا في الحضارة الانسانية ، وهو يعكس جهل البشر بحقيقة الطاقة المحركة للكائن الحي والتي تتولد داخل الخلايا الحية نتيجة عمليات الايض او الاستقلاب بوجود غاز الاوكسجين فتبعث الحياة في الانسان وفي كل كائن حي ، اننا نؤمن بان موت الانسان لا يحدث نتيجة قرار يصدر من السماء وانما هو نتيجة عوامل واسباب ذكرناها في موضع سابق اذا ما تواجدت كان الموت ، وبعد الموت يتحلل الجسم ويعود الى الطبيعة وينتهي الوجود المادي للانسان وتبقى سيرة حياته واسمه وصوره واعماله في ذاكرة الناس وفي السجلات ، كما نرى بان نظرية انتقال الانسان الى العالم الاخر بعد موته لغرض محاسبته على اعماله انما هي نظرية خيالية ، لان مواد جسم الانسان تعود الى الطبيعة بعد موته لاعادة استخدامها مرة اخرى من قبل كائنات اخرى ، فهل يكون انتقال الانسان الى العالم الاخر بدون جسم ؟ وهل ينفع محاسبة الانسان وهو من غير جسم ذو دماغ وأعصاب وحواس ؟ اذن كيف يمكن للانسان الموجود في الجنة ان يشعر بلذة العيش فيها وهو بدون دماغ وأعصاب وحواس ، وكيف للانسان المرمي في نار جهنم ان يشعر بآلام العذاب وهو بدون دماغ وأعصاب وحواس ؟ ثم الا يكفي عقابا للظالم حرمانه من الجنة وهو بحد ذاته عقاب شديد بدلا من تعذيبه في نار جهنم الذي يدل على تصرف انتقامي بشع لا يليق بخالق يتصف بالرحمة والمغفرة تجاه مخلوقاته ؟ خلاصة القول اننا نرى بان حياة كل انسان وكل كائن حي انما هي فرصة واحدة فقط يتمتع بها ولن تتكرر أبدا ، اما مادة الجسد فيتم تداولها بين جميع الكائنات الحية ، هذا قانون طبيعي غير قابل للخرق بأي حال من الاحوال ، وفي ختام هذا المقال اود ان اشير الى اننا في عقيدة الحياة المعاصرة وفي المواقف الصعبة عندما نصبح في مواجهة الموت فاننا نلوذ بكلمة ( الحق ) فنقول ( يا حق ) الذي هو اسمى القيم الانسانية وأقدس المفاهيم التي عرفها البشر تعبيرا عن تمسك الانسان بحقه في الحياة الى اخر رمق لديه . انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah